المادية الميتافيزيقية واللعب بالوقائع


حاتم بشر
2016 / 8 / 17 - 01:48     

إن دور الوقائع Facts الفردية اليقينية، في تأسيس الموضوعات المطروحة، بما فيها الموضوعات العلمية، لعظيم جدا. وما من طرح سياسي أو اقتصادي..علمي، جاد، وإلا وتراه يحرص على الإستناد على هذا اللون من الحجج والشواهد الذي يعرف -منطقيا- "بالمواد الوقائعية". لفلاديمير لينين "المنطقي": ((..إن الوقائع الدقيقة، الوقائع التي لا شك فيها..ذلك هو ما يلزم خاصة، إذا كنا نريد النظر الجدي في مسألة معقدة وصعبة)).

إن أنصار المادية الدياليكتيكية التاريخية، كقاعدة، وبالبديهة، هم أكثر الناس ميلاً إلى الإستشهاد بالوقائع.

لكن المرء الذي يطالع عددا كافيا من الأبحاث والتحليلات الإشتراكية الراهنة، لا يجد صعوبة في ملاحظة الآتي: إن الإستشهاد بالوقائع ينحط في تلك الأبحاث من كونه طريقة للتدليل والتأسيس وتبيان الحقيقة، إلى مجرد "لعبة" وسفسطة، تقود إلى تغييب الحقيقة، بشكل موضوعي وبغض الطرف عن النوايا!

فعلى أي شيء يؤشر هذا التناقض الشائع؟
الإجابة العامة التي نصل إليها في نهاية المطاف: هي إنه يؤشر على غياب النظرة الدياليكتيكية، على امتلاكها امتلاكا غير كاف. على انتشار المادية الآلية الميتافيزيقية (الإنتقائية) في أوساط اليسار العربي بوجه عام.

والآن إلى التفصيل..

ما هو الفرق الجوهري بين المواد الوقائعية كـ"ـبرهان"، وبينها كـ"ـلعبة"؟

فلنلتمس مفتاح الإجابة عند لينين: ”إن الوقائع، إذا أخذت في مــجــمــلــهــا، في تــرابــطــهــا، ليست شيئا صلبا وحسب، بل وبــرهــانــيــا أيضا. أما إذا أخذت خارج الكل الذي يجمعها، خارج ارتباطاتها، إذا كانت مــتــنــاثــرة ومــتــقــطــعــة واعتباطية، فإنها مجرد لعبة لا أكثر“.
Lenin. Complete Works. Vol 30. P350.

إن التفرقة اللينينية جلية ساطعة على نحو لا تتطلب معه مزيدا من الشرح: تناول الوقائع تناولا شاملا، كليا، رابطا، أي دياليكتيكي بكلمة واحدة؛ هو ما يضفي على المواد الوقائعية قيمتها البرهانية. أما تناولها تناولا أحاديا انتقائيا، فهو علة انحطاطها إلى مجرد لُــعــبــة.

وبالإتساق الكامل مع هذا التصور النظري، كتب لينين في مقدمة كتابه ”الإمبريالية، أعلى مراحل الرأسمالية“، أنه لكي نبرهن على الطابع الإجتماعي للحرب..
”لا ينبغي أخذ أمثلة أو أدلة مــنــعــزلــة (ففي حالة كون ظواهر الحياة الإجتماعية في منتهى التعقيد يمكن على الدوام ايجاد أي قدر من الأمثلة أو الأدلة المنعزلة لتعليل أي فكر) بل ينبغي حتما أخذ مــجــمــل الأدلة..من جــمــيــع الدول المتحاربة في العالم كــلــه“.