معكم الله يا أطباء سوريا


محمد باليزيد
2016 / 8 / 12 - 09:53     

الأطباء في حلب في وضع لا يمكن وصفه ب"لا إنساني"، وإنما هو وضع "جنوني". جنوني لأن ما أوصلنا إليه ليس سوى "جنون" البشر الذي لم يعد يعرف ولعه بالقتل حدودا، و"جنوني" لأنه قد يؤدي إلى الجنون العقلي بطبيب يضطر مكرها لتقرير مَن مِن الأطفال يجب إنقاذه وعلاجه على حساب الآخرين الذين يقرر أن يهملوا...
قال الخبير الأمريكي حين سأله الصحفي،من الجزيرة(11/08/2016)، إن كان أوبما سوف يستجيب لنجدة هؤلاء الأطباء أم لا؟، قال إن "الرئيس الأمريكي ما يزال يعتقد أنه ليس عليه أن يدخل غمار الحرب الأهلية في سوريا". "حرب أهلية" إنها الوقاحة بكل معنى الكلمة. الطيارون الروس (وغيرهم)، حسب هذا المنطق، سوريون يتقاتلون فيما بينهم.
الأطباء السوريون فعلا في وضع لا يحسدون عليه إلى درجة أنهم، ومضطرين، يستنجدون من الرمضاء بالنار. لقد اتهم دونالد ترامب أوبما وشريكته كلينتون بأنهما من صَنع "داعش". هذا الرجل، ترامب، لا يصلح فعلا لقيادة الدولة العظمى USA، وكيف يصلح لهذه المهمة وهو، لمجرد تنافس انتخابي "ديمقراطي" يصل به جنونه إلى حد فضح كل السياسة الخارجية لبلاده وتلاعبها بمصير الشعوب؟ ومن هنا تخلى عنه حتى قادة من حزبه.
معكم الله يا إخوانا الأطباء السوريين في عالم بات واضحا فيه أن منطق القوة هو المنطق الصحيح وأنه لم يعد هناك لا منتظم دولي ولا ضمير شعوب العالم يتحكم في عربدة الأنظمة والدول الطاغية. أنظمة طاغية على مواطنيها ودول طاغية على دول ضعيفة أو أضعفها طغاتها.
سؤال حيرني منذ شهور: نسمع عن المعارك ضد داعش وعن انهزامها هنا وهناك، ولم نسمع مرة أن جماعة من داعش أُسرت وأن الاجراءات تناقش من أجل تسليم المرتزقة إلى مواطنهم الأصلية، الفرنسي لفرنسا والأردني للأردن... هل يعقل أن تمر كل هذه المعارك والكر والفر دون أسر داعشي واحد؟ مرة سمعت، ربما فيما يتعلق باليمن، أن الدواعش حوصروا ففروا جنوبا. مثل هذا القول "فروا" لم أعد أسمع به، ولكن لا أسير فهل هي خطة "المنتظم الدولي" أن "يترك الدواعش فارين من هنا إلى هناك"؟ لا أظن الأمر إلا كذلك وأتمنى أن يخيب ظني لأن المسألة في غاية الخطورة.
الأمم المتحدة تطلب من الروس ساعات لفك الحصار: "لا نريد السوريين الصامدين جثثا، بل نريدهم راكعين للعظيم بشار. اقصفوهم ليل نهار واتركونا سويعات نغثهم ببعض المؤن". هذا فحوى كل ما تسعى إليه الأمم المتحدة والحلف المؤيد للمعارضة السورية.
فمثلا تركيا التي كانت تقول باستحالة حل مع بشار صارت الآن، بعد أن قبل بوتن استغفارهم عن إسقاط طائرته، صارت تركيا تسير في اتجاه التوافق مع "الرؤية الروسية" وصارت لا توجه بعض اللوم إلا لإيران قائلة على لسان وزير خارجيتها: "على إيران أن تتخلى عن منطقها المذهبي في الموضوع السوري." والمنطق الاستعماري التسلطي الروسي؟ هذا يمكن لتركيا أن تغض الطرف عنه ما دام بوتن هو أول من ندد بالانقلاب الغولني الفاشل. وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ لقد كان على البلداء الأتراك أن يفهموا أن تنديد بوتن بالانقلاب كان أمرا طبيعيا وضروريا، ليس حبا في الديمقراطية، فبوتن أصلا، حاكم شبه عسكري، لا علاقة له بالديمقراطية لا من قريب ولا من بعيد وهو منطقي مع نفسه لإنه قليل التبجح بالديمقراطية مثل الغرب. بوتن ندد بالانقلاب وهو على صواب إذا كان ادعاء الأتراك، "أمريكا من وراء غولن وغولن من وراء الانقلاب"، إذا كان هذا الادعاء صحيحا. وكان من الممكن أن يدخل بوتن على الخط لإفشال الانقلاب لو علم بذلك في الوقت المناسب.
بشار، وبمساعدة روسيا، لا يريد أن يتخلى عن سلطة "منحه إياها الشعب" لأجل "شرذمة من المتمردين". والغرب "الديمقراطي" يرى بأم عينيه نظاما فاشيا لا يستند سوى لقوة الحديد والنار ويرى أنه، حتى من أجل مصالحه، لا يستطيع مواجهة روسيا مواجهة مكشوفة، والأمم المتحدة، التي ليست سوى سلاطة من هؤلاء وأولائك، عاجزة عن الفعل. لقد أشرفت الأمم المتحدة على انتخابات واستفتاءات في تجارب عدة، (أقرب مثال على ذلك هو بورندي حيث انتهت مهمة بعثة الأمم المتحدة لمراقبة الانتخابات في 18 نونبر 2015). لماذا لا تفكر الأمم المتحدة في اقتراح انتخابات رئاسية تحت مراقبتها ومراقبة جميع الأطراف المتدخلة، على أن يُضمن حق الترشح والتصويت لكل السوريين لاجئين وصامدين، وبعد ذلك تفرض نتائجها على بشار وعلى كل المعارضة وتساند الأمم المتحدة من أتت به الصناديق كان من كان؟ هل غاب هذا "الحل" على جميع الأطراف؟ هل طرح سرا ورفضه طرف من الأطراف القوية ولذلك لم يخبر البسطاء مثلنا بشيء؟