فتنة الخطبة المكتوبة


أمينة النقاش
2016 / 8 / 7 - 08:24     



بات الاعتقاد السائد الآن فى الساحة السياسية، أن صدور أى إجراء أو قانون، أو تشريع، لتنظيم فوضى سائدة فى أى مجال، سوف يقابل بالرفض، والسجال العنيف فى وسائل الإعلام المختلفة، التى تصبح منصة لتبادل الاتهامات، وإعلان المواقف العنترية، التى تغلف رفضها، بزعم الدفاع عن الحقوق والحريات، بينما هى تكرس فى الواقع لانتشار الفوضي، والإبقاء عليها راسخة رسوخ الجبال. حدث ذلك قبل عدة سنوات، حين أصدر وزير الصحة قرارا عقب مؤتمر السكان الدولي، يحظر ختان الإناث إلا بإشراف طبي، فقامت الدنيا ولم تقعد، وتم اتهام الدولة والوزير بالترويج للفسق والفجور، وكان التيار الدينى بكل فصائله هم حملة لواء التصدى لحظر الختان بذرائع دينية، مع أنه عادة أفريقية لم تعرفها دول الخليج والسعودية على سبيل المثال. وحدث ذلك حين أقر البرلمان قوانين منع زواج القاصرات،وقانون الطفل وإنشاء محاكم للأسرة وغيرها من القوانين التى تيسر إجراءات التقاضى فى قضايا الأسرة.

الشيء نفسه حدث مع قانون تنظيم الحق فى التظاهر، الذى سماه معارضوه منع التظاهر، وقانون الخدمة المدنية الذى يعيد تنظيم شئون العاملين فى الدولة على أسس موضوعية.

ولا أدرى ما الجناية التى ارتكبها وزير الأوقاف، ليقود الأزهر، وهيئة كبار العلماء التابعة له ومشايخه والدعاة، حملة تمرد على قراره بإلقاء خطبة الجمعة من ورقة مكتوبة تعممها الوزارة على نحو 108 مساجد وزوايا فى أنحاء الجمهورية، وكأننا لا نعلم ما الذى يفعله دعاة التطرف والتحريض على الفتن الطائفية والنساء، حين يعتلون منابر المساجد والزوايا.

الذرائع التى يسوقها المتمردون على تنفيذ قرار وزارة الأوقاف بالخطبة المكتوبة، تدعو للدهشة والرثاء، إذ يقولون إنها تجمد الخطاب الديني.. يا سلام.. وما هو التجديد الذى أدخله هؤلاء على الخطاب الدينى المجمد فى فريزر منذ عقود، ويخشون عليه من الخطبة المكتوبة؟ وهل الدعوة إلى تثقيف الأئمة وتدريبهم، تتعارض مع قراءتهم لخطبة مكتوبة؟ أليس ملاحقة الأزهر وشيوخه لإسلام البحيرى ليجدد حبسه هذا الأسبوع تجميدا للخطاب الديني؟

هذه معركة تدور دفاعًا عن مصالح فردية، ولا شأن لها بالصالح العام، ولا لوضع حد لجهل عدد لا يستهان به من الدعاة وتعصبهم وتطرفهم الديني، الذين صمت شيوخ الأزهر ومؤسسته عليهم حتى استفحل نفوذهم فى الأحياء والقرى دون أى تفكير لا فى تثقيفهم، ولا تدريبهم ومدهم بالكتب التى تحارب التطرف كما يدعون.

إنها معركة على النفوذ وصراع سلطة صغير لا يليق بمشيخة الأزهر وإمامها الجليل أن يخوضها، بدلا من أن تسعي لدعمها، وتقديم حلول مبتكرة لتطويرها، إذا كانت المشيخة تقف حقا ضد التطرف الديني، ودعاة الفتن الطائفية، بعدما فقدنا الأمل كليًا فى خوضها معركة تجديد الخطاب الديني.