العالم العربي في الإعلام الغربي اليوم وقبل 60 عاما


صادق البلادي
2017 / 7 / 8 - 01:24     

خاصة منذ إحتلال العراق في التاسع من نيسان عام 2003 ، وما تبعه من أحداث الربيع العربي ، وبألأخص بعد سقوط الموصل تحت سيطرة داعش ، ألدولة الإسلامية في العراق و الشام ، وتفجيرات الإنتحاريين و السيارات المفخخة والإعلام الغربي والعالمي ينقل أخبار الجرائم التي تفتخر داعش بها كأنها عرس ليلة الدخلة لمحروم جنسيا على الحوريات العين في الجنة التي وعد بها الله عبده الذي آمن به وعمل صالحا. وما من شرع أو عقل يقبل أن يكون قتل نفس بريئة لم تفسد بالأرض عملا من الأعمال الصالحة.
ولم تبق ساحة حرب داعش مقتصرة على العراق و الشام فحسب بل
انتقلت الى دول إسلامية أخرى في أفريقيا ، ومنذ أكثر من عام الى بلاد
الكفار في أوربا ، ولكن دون أن تمر بإسرائيل أو تلقي عليها حتى حجرا.
بدأت في فرنسا وبلجيكا وانتقلت في الأشهر الأخيرة الى ألمانيا. وانشغلت
وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث بجرائم داعش و توحشها وبربريتها وتحليل نشوئها والعوامل المؤدية لذلك ، ولكنها، إضافة الى جميع ساسة الأحزاب بضمنهم المستشارة ميركل – باستثناء اليمين الذي ينشر الإسلاموفوبيا - ، تؤكد على التفريق بين دولة داعش الإرهابية والإسلام دينا ، وحيث صار- الدين الإسلامي - يُعتبرجزءا من المجتمع الألماني ، بينما يوصف ارهاب داعش بالـ "إسلاموي " ، لكننا نرى البعض من دعاة المجتمع المدني ومن العلمانيين مع الأسف لا يعير أهمية كبيرة لهذا التفريق ذي الأهمية الجوهرية . ونرى البابا فرنسيس في زيارته الى بولندا قد أكد مرات عديدة ، آخرها في المؤتمر الصحفي في طائرة العودة ، أن الإرهاب ليس هو الإسلام .


هذا هي أخبار العالم العربي اليوم. لكن بم كانت وسائل الإعلام منشغلة في مثل هذه الأيام قبل 60 عاما؟ العالم العربي كان آنذاك يقترب من الذكرى الرابعة لثورة 23 يوليو ، التي جاءت على شكل إنقلاب ، أسماه کامل الچادرچي بانقلاب البكباشية ، حققت أمور عدة من بينها جلاء القوات البريطانية عن أرض مصر، وعقد صفقة أسلحة چيكية ، بدفع السوفييت طبعا، وكذلك كانت ثورة تنموية أيضا لكنها لم تتخذالديمقراطية نهجا فعليا، وكان عبد الناصر في تلك الأيام يسعى للحصول على قروض مالية من البنك الدولي و الدول الغربية لبناء سد أسوان ، ولا يريد الإقتراض من الإتحاد السوفييتي ، ولذلك كان يريد عقد القرض قبل زيارته المزمعة الى موسكو كي لا يبدو وكأنه يحمل قبعة أمام السوفييت. وكانت وسائل الإعلام الغربية تنشر تلك التحركات والأحداث ، فقد قام رئيس البنك الدولي آنذاك يوجين بلاك بزيارة الى مصر أكد فيها عزم البنك على تقديم قرض بمبلغ 200 مليون دولار إضافة الى قرض من أمريكا و بريطانيا ،كما زار موظفون أمريكان وبريطانيون كبار القاهرة ، واجروا محادثات بهذا الشأن. وفي منتصف تموز 56 عاد سفير مصر في الولايات المتحدة الى واشنطن بعد إجراء مباحثات في القاهرة ، عاد ومعه موافقة الحكومة المصرية على مساهمة البنك الدولي وأمريكا في تمويل السد العالي ،وأشار السفير فور وصوله نيويورك الى الموافقة المصرية على قبول العرض الغربي. ولكن عند زيارته الى دالاس في واشنطن يوم 19 تموز، وكان على يقين أن دالاس سوف يترك الباب مفتوحا لمفاوضات لاحقة بشأن العقد الغربي ، لكنه أعلن عن سحب المساعدة الأمريكية وفي اليوم التالي أعلنت الحكومة البريطانية عن سحب مساعدتها أيضا ، وهذا كان يعني سحب قرض البنك الدولي أيضا ، الذي كان مشروطا بتقديم المساعدة الأمريكية البريطانية .
وأثارسحب القرض هذا الغضبَ و النقمةَ في العالم العربي سواء من جانب الجماهير العربية في جميع بلدانها من المحيط الى الخليج ، أم من قبل الحكام العرب الرجعيين أيضا.
وحلت الذكرى الرابعة لثورة يوليو والقى عبد الناصر خطابا في القاهرة.
وبعد ثلاثة أيام ، في يوم 26 تموز،القى خطابا آخر في مدينة الإسكندرية أمام أكثر من مائة الف متظاهر أعلن فيه تأميم قناة السويس ، التي كان امتيازها سينتهي عام 1968 ، والإستفادة من عائداتها لتمويل بناء السد العالي ، مع التأكيد على التزام مصر بميثاق القسطنطينية المعقود عام 1888 والذي يضمن حرية الملاحة في القناة.
وانشغلت وسائل الإعلام الغربية والعالمية في نشر ردود الفعل الغربية
على التأميم ،خاصة تصريحات إيدن و تصريحات غي موليه رئيس وزارة فرنسا الإشتراكي. وظل الإعلام منشغلا بهذا الحدث الى أن قامت
فرنسا وبريطانيا واسرائيل بالعدوان الثلاثي في أكتوبر من نفس العام ، والذي كانت تخطط له من بداية العام للقضاء على الثورة المصرية.

فشتان بين العالم العربي في الإعلام بين قبل ستين يوما وهذه الأيام.
وختاما متى تصدق نبوءة الجواهري الكبير :
لا بد عائدة الى عشاقها تلك الليالي وإن بَدَوْنَ خواليا