المواقف والإجراءات الأخيرة للسلطة داخليا وخارجيا تؤدي الي تعميق التبعية، وتفاقم الأزمة الاقتصادية


الحزب الشيوعي المصري
2016 / 7 / 31 - 23:24     

شهدت الفترة الأخيرة حزمة من التوجهات والسياسات والتحركات والقرارات للسلطة الحاكمة في مصر، على الصعيدين الخارجي والداخلي، تتناقض جذرياً مع تطلعات الشعب التي عبر عنها في ثورتي 25 يناير و30 يونيو، والتي تتمثل في تحرير الإرادة والسياسات والقرار الوطني من قيود التبعية، وإحلال سياسات تحقق التنمية الشاملة المعتمدة على الذات أساساً، ووقف نزيف الاقتراض وخدمة الديون المتزايدة، وسياسات للعدالة الاجتماعية ترفع الأعباء الثقيلة عن الطبقات الكادحة وتحارب الفقر والبطالة والفساد والاحتكار، وإطلاق حريات الفكر والتعبير والاعتقاد ضمن منظومة لتجفيف منابع الإرهاب، وتطوير خدمات الصحة والتعليم والإسكان لصالح الغالبية العظمى من الطبقات الفقيرة.

فعلى صعيد السياسة الخارجية أقدمت الحكومة على خطيئة التخلي عن جزيرتي "تيران وصنافير" المصريتين في تحدي صارخ للإرادة الشعبية ، وفي تعارض مع مواد الدستور والحقائق التاريخية والوطنية ،ثم قام وزير الخارجية المصري بزيارة إسرائيل ولقاء رئيس وزرائها نتنياهو في منزله بالقدس في سقطة كبيرة للسياسة الخارجية المصرية ، وتقديم خدمة مجانية للإرهابي نتنياهو بدعوى استكمال عملية السلام وإعادة المفاوضات!!، وذلك رغم تصعيد العدوان الإسرائيلي في ظل حكومته الحالية اليمينية المتطرفة، والتوسع في بناء المستوطنات ومحاصرة الشعب الفلسطيني في غزة والضفة، ورفض العدو الصهيوني الالتزام بأي قرارات سابقة لمجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة وكل مبادرات السلام، ومواصلة سياسته العنصرية وجرائمه الوحشية ضد الشعب الفلسطيني.

وأعقب ذلك زيارة وفد سعودي لإسرائيل في زيارة معلنة لأول مرة برئاسة "أنور عشقي" مسئول المخابرات السعودي السابق، في إطار التقارب السعودي مع إسرائيل وتنسيق التحالف ضد ايران ودعم الجماعات الإرهابية في سوريا لتمرير مخطط التقسيم بمباركة أمريكية على حساب تدمير الدولة السورية والجيش السوري ، بينما يواصل النظام المصري الصمت أمام هذا الموقف الذي يهدد أمن المنطقة والأمن القومي المصري، ولا نشهد له تحركاً يدعم الحل السياسي الذي يحقق تطلعات الشعب السوري ووحدة واستقرار الدولة السورية، بل ويفتح الباب واسعاً لهيمنة سعودية، ومنح النظام السعودي الموالي لأمريكا الأفضلية والتسهيلات في المشروعات، خاصة في أخطر مناطق مصر الاستراتيجية في سيناء، خاصة في ظل المواقف السعودية وتمويلها لتنظيمات الإخوان والسلفيين وحماس والقاعدة وطالبان وداعش في الفترة السابقة، ومثلما تمول الآن جبهة النصرة (التي غيرت اسمها إلى فتح الشام) وجيش التحرير الإسلامي.

ويصر النظام المصري على اعتبار أمريكا حليفاً استراتيجياً، رغم ما أحدثته من جرائم في المنطقة وتقسيم للدول وتفتيت لجيوشها، ومساندة وتسليح وتدريب لجماعات الإرهاب، فضلاً عن الانحياز والدعم الكاملين والدائمين للعدو الصهيوني، بينما يتراجع النظام سريعاً عن سياسة الاستفادة من الانفتاح في العلاقات الدولية، خاصة على روسيا والصين ودول البريكس والقارة الأفريقية ودول أمريكا اللاتينية.

وعلى الصعيد الداخلي أعلنت الحكومة المصرية يوم الأربعاء الماضي (26 يوليو 2016)، عفب اجتماع رئيس الوزراء مع المجموعة الاقتصادية الأربعاء الماضي بحضور محافظ البنك المركزي، عن خضوعها بشكل كامل لشروط صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على قروض كبيرة بقيمة 21 مليار دولار خلال السنوات الثلاث القادمة، منها 12 ملياراً من صندوق النقد الدولي، والباقي من خلال طرح سندات دولارية في الأسواق العالمية، وذلك بدعوى سد الفجوة التمويلية التي يعاني منها الاقتصاد واستعادة الاستقرار في الأسواق المالية والنقدية، الأمر الذي يحملنا بمزيد من الأعباء، ويستنزف الاقتصاد القومي في تسديد فوائد الديون، ويخنق إمكانيات التنمية، ويشكل جريمة تجاه الأجيال الحالية والمقبلة، ويزيد من تبعية الاقتصاد المصري للإمبريالية العالمية لمصلحة الاحتكارات الرأسمالية العالمية والشرائح الرأسمالية المرتبطة بها داخل مصر على حساب الطبقات الكادحة والمنتجة.

وفي اليوم التالي مباشرة أعلن الرئيس السيسي، في لقاء مع نفس وزراء المحموعة الاقتصادية ومحافظ البنك المركزي، موافقته على هذا التوجه، رغم ما سبق أن أعلنه من قبل حول عدم اللجوء إلي القروض الخارجية إلا في اضيق الحدود وبعد التأكد من إمكانيات سدادها، وبذلك يتم تقديم خطاب الإذعان لوفد صندوق النقد الدولي الذي بدأ أمس "السبت 30 يوليو" زيارة لمصر تستمر لمدة أسبوعين لبحث تفاصيل تنفيذ هذا التوجه، ليس فقط من جانب الحكومة، بل ومن جانب البرلمان الذي ستملى عليه قوانين بعينها التزمت الحكومة والرئيس أمام صندوق النقد الدولي بإصدارها، بما يشير إلى فرض هيمنة الرأسمالية التابعة على توجهات وسياسات الدولة، وحسم الصراع داخل السلطة ومؤسسات الدولة لصالحها، هذا الصراع الذي تمثل من قبل في إصدار قوانين بقرارات جمهورية والتراجع عن تنفيذها كلياً أو جزئياً، مثل قانون الحد الأقصى للأجور وقانون الضريبة على الأرباح الرأسمالية في البورصة، بالإضافة إلى سلسلة من المواقف المتناقضة للوزراء في الشهور الأخيرة، والتي انتهت إلى سيطرة الفريق الذي يتبني السياسات النيوليبرالية بشكلها الفج، والممارسات التي تؤدي الي التبعية الكاملة للرأسمالية الاحتكارية العالمية ومؤسساتها الدولية، مما سوف يؤدي حتماً إلي كارثة اقتصادية واجتماعية، وإلي المزيد من الإفقار والتبعية، ذلك الطريق الذي فشل بشكل ذريع في معظم البلدان التي طبقته، كما أدى تطبيقه في مصر طوال الأربعين عاماً الماضية إلي طريق مسدود وكان سبباً رئيسيا ً في تفجر ثورة 25 يناير، كما أنه يتجاهل كل ما طالبت به الجماهير في ثورتي 25 يناير و 30 يونيو، بإسقاط نظام التجويع والفقر والبطالة والديون وتدمير الاقتصاد، والمطالبة بتحرير الإرادة والقرار الوطنيين من سياسات التبعية.

لقد أعلنت الحكومة عقب هذا الاجتماع عن طرح الشركات المملوكة للدولة للبيع في البورصة للمصريين والأجانب، أي الاستمرار في مخطط الخصخصة الذي توقف بعد ثورة 25 يناير 2011، وأن يشمل المخطط شركات القطاع العام وبعض البنوك، بل وشركات الخدمة العامة، بالإضافة إلى ما أسمته "ترشيد الدعم"، أي رفع الدعم عن السلع والخدمات الضرورية، وهو ما عبرت عنه تصريحات الحكومة الأخيرة بفرض إجراءات صعبة خلال المرحلة المقبلة، وبالطبع سوف يتحمل عبئها الاكبر الفقراء والكادحين، والإسراع في الضغط على البرلمان لإصدار حزمة من القوانين، على رأسها قانون ضريبة القيمة المضافة، وقانون الخدمة المدنية، وذلك إلى جانب تحرير سعر الصرف وتعويم الدولار، أي جعل سعره خاضعاً للعرض والطلب في السوق، كما صرح من قبل محافظ البنك المركزي ونائبه، مما يرفع عملياً سعر الدولار بشكل جنوني.

ولا شك أن تنفيذ هذه السياسات المعادية للشعب، والتي تثقل كاهله بالمزيد من الأعباء وارتفاع الاسعار بشكل جنوني، مما سوف يؤدي الى تصاعد مظاهر الرفض الشعبي لهذه السياسات ومن المتوقع أن يصاحب ذلك تشديد آلة الاستبداد الأمني والسياسي وقمع الفكر والحريات، الأمر الذي سيكون له تداعيات خطيرة على مظاهر التطور الديمقراطي كما سيوفر المناخ الأمثل لاستشراء الفساد داخل جسد المجتمع.

ومن جانب آخر، ومع السماح للجماعة السلفية بالعمل السياسي بالمخالفة للدستور، والتراخي أو التواطؤ في رفض إعلاء دولة المواطنة، اشتعلت الفتنة الطائفية في العديد من قرى الصعيد وتزايدت أعمال ترويع وإرهاب المواطنين المسيحيين وتهجيرهم من قراهم وبيوتهم وحرق الكنائس، وإحلال المجالس العرفية عقب كل جريمة محل القضاء ودولة القانون،مما يهدد بفتن طائفية وتفتيت التماسك المجتمعي. ورغم اتخاذ بعض الخطوات الإيجابية التي تمثلت في ابعاد مدير امن المنيا ومساعده ، والوعد بإصدار قانون حرية بناء الكنائس وحمايتها الذي نطالب مجلس النواب في الإسراع باقراره ، إلا أن هذه الخطوات لن تؤدي وحدها إلى تماسك مجتمع يهيمن الفكر الوهابي و السلفي على المؤسسات الدينية وعلى عقول قطاعات واسعة منه والكثير من المسئولين، كباراً وصغاراً، في مؤسساته وإعلامه ومناهج تعليمه، ذلك الفكر المعادي للعقل والإبداع، ولدولة القانون والمواطنة التي لا يمكن بدونها التصدى بحسم لتلك الجرائم الإرهابية، ولا بد من مواجهة هذا الفكر مواجهة شاملة ووضع سياسة متكاملة لتجفيف منابع الإرهاب الفكرية والاقتصادية والثقافية والتعليمية.

ويؤكد الحزب الشيوعي المصري أن ما يتم الآن يمثل نقطة تحول فاصلة، سوف تكون لها تداعيات خطيرة على مجمل السياسات الداخلية والخارجية، الأمر الذي يستدعي الأتي:

- ضرورة التعجيل بتشكيل جبهة الأحزاب والقوى الوطنية الديمقراطية ذات التوجهات التقدمية، وفي القلب منها اليسار، لفضح هذه السياسات والتصدي لها.وطرح رؤية وبرنامج بديل لهذه السياسات.

- حشد الحركات والاحزاب المنظمات الديمقراطية الشعبية، وكافة قطاعات الشعب حول السياسات البديلة والممكنة للسير على طريق تحقيق العدالة الاجتماعية، والتنمية الشاملة المعتمدة على الذات أساساً، عبر محاربة الفساد والاحتكار، ومصادرة المليارات المتراكمة في الصناديق الخاصة تحت سيطرة مافيا من كبار البيروقراطيين، والتي لا تخضع لأي رقابة حالياً، وفرض ضرائب تصاعدية على الأرباح الرأسمالية والثروات والملكيات العقارية، ووضع سياسات صارمة لترشيد الاستيراد لمنع استنزاف الاحتياطي النقدي على الواردات الترفية وغير الضرورية لصالح شريحة من المستوردين المرتبطين بالشركات والمؤسسات المالية الأجنبية، وتوجيه الاستثمارت الحكومية للقطاعات الإنتاجية للنهوض بالزراعة والصناعة والتعدين، والتي خربتها سياسات الانفتاح والخصخصة والتبعية، وذلك كله لتحقيق النهوض الاقتصادي والاجتماعي وتحرير الإرادة الوطنية والتخلص من سياسات التبعية والاستبداد والفساد، وتحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على الفقر والبطالة وتطوير خدمات الصحة والتعليم والإسكان، وخاصة للطبقات الفقيرة والكادحة.

القاهرة – 31 يوليو 2016

الحزب الشيوعي المصري

المكتب السياسي