هل من مبارز


قاسم علي فنجان
2016 / 7 / 31 - 19:06     

اعتزم هنا أن أثير تساؤلات قد تتوارد إلى كل مراقب للمشهد السياسي, وبالأخص فأن هذه التساؤلات تهم القوى المدنية والتقدمية واليسارية, فمنذ أحداث عام 2003, وهذه القوى في تراجع مستمر, وكأن أفكارهم غريبة عن المجتمع, أو أنها لا تلاؤم طبيعته, أو هكذا بدا لهم, فاكتفوا بحلقات تثقيفية منعزلة هنا وهناك, تظهر على السطح بشكل خجول بين فترة وأخرى, وسرعان ما تندثر, وتكاد تختفي تماما من واقع الأحداث, هذه التيارات اليسارية والمدنية عموما, تطالب في أقصى حالاتها وفي أي محفل يتواجدون به, أو أي مؤتمر تأسيسي يعلنون عنه, تطالب الحكومة والبرلمان بإلغاء المحاصصة الطائفية والقومية, والحكومة هذه وبرلمانها ليستا سوى استبداد طائفي وقومي مسلح, والشكل الطائفي والقومي هما جوهرا وجودهما, ولا يكتسبان جدارة هذا الوجود إلا بهما, وتأمل هذه القوى بأن تحصل على مطاليب كهذه -والتي هي مطاليب وهمية لدى الجانب الآخر- بوسائل شرعية, فتراهم يرددون دائما في المظاهرات كلمة (سلمية, سلمية), حتى أنهم بدئوا بتخدير الجماهير الغاضبة, وأخذ اليساريون والمدنيون في الفترة الأخيرة مواقع رجال الدين, وأصبحوا أفيون الشعب, ولكثرة نشدانهم السلام قاربوا أن يكونوا بوذيين.
سلمية المظاهرات شيء جميل, من منا لا يرغب بذلك, لكن كيف؟ وأنت تعيش داخل مجتمع كله مسلح, والنظام القائم فيه والذي يعمل به يقوم على فصائل ومليشيات مسلحة, من فتاوى رجال الدين الحربية, إلى معارك العشائر الشرسة, لا قوانين تحميك من هؤلاء, إلا إذا انتميت لأحدهم, فهم يتواجدون في كل المدن, بل هم المسيطرون الفعليون عليها, فعندما تخرج إلى الشارع فحتما ستواجهك لافتات مكتوب عليها على سبيل المثال:
سرايا السلام - اللواء الأول, الفوج الثاني.
قوات بدر - اللواء الثالث, الفوج الأول.
عصائب أهل الحق - فوج النخبة.
كتائب حزب الله- كتيبة الكرار.......الخ,
وهناك كما يقول العبادي مئة فصيل مسلح, ولا ننسى البيشمركة والتي أخذت الاعتراف الكامل بأنها ليست مليشيا, وأصبح الداعم الأول لها الناتو, وأيضا الحشد العشائري, والحشد الوطني, والصحوة, وكتائب بابليون للمسيحيين, وأيضا مجاميع مسلحة للتركمان والأيزيدين, وهم أيضا يتناقشون على كيفية أخراج قانون الحرس الوطني, هذا غير الجيش والشرطة, والتي هي بالنتيجة النهائية فصائل مسلحة كما يراها الأمريكيون والإيرانيون, الرعاة الرسميون لهذا الواقع.
أذن الكل مسلح, والكل يطالب بصرف الرواتب لمجموعته, ويطالب بالدعم العسكري, وبأن يعترف بشرعية سلاحه, والحكومة والبرلمان والقضاء هم متكونين من هذا الخليط المسلح, والذي يطالب اليساريون والمدنيون بإسقاطهم بشكل "سلمي", كيف ذلك؟ لا تدري, وأي منطق هذا!.أنها لأساة أن لا ترى هذه القوى الواقع وجها لوجه.
لا يوجد أي جناح مسلح لأي قوة يسارية أو مدنية في العراق, سواء كانت هذه القوة متطرفة أو معتدلة, ذات تاريخ طويل, أو تأسست قبل سنوات, لديها جمهور كبير أو فقط نخبة من المثقفين, تمتلك أموال كثيرة أو تعتمد على تبرعات أعضائها, لديها مقرات عديدة أو لا تملك مقرا واحدا, فسواء كان هذا أم ذاك فهم لا يملكون جناح عسكري, بل أنهم لا يفكرون حتى في تثقيف جمهورهم كيفية الدفاع عن النفس, أو طرح نظرية العنف, والتي هي واجبة الوجود للذي يفكر بالعمل السياسي, سواء كان هنا في العراق أو في فرنسا, عاجلا أم آجلا.
هذه القوى تريد تصدير وعيها ومعرفتها إلى الجماهير, من خلال عقد الاجتماعات الندوات والمؤتمرات التي يقيموها, ليمرروا رؤاهم وأفكارهم عن الشكل البديل للنظام السياسي, لكن كيف ذلك؟ وما هي الإلية لذلك؟ لا تدري! إذا كانت هذه القوى لا تحتل أي موقع لها داخل هذا الصراع الدامي, فكيف ستصدر رؤيتها؟ أو إذا كانت لا تفكر أبدا في إلغاء النقيض السياسي, بل تريد مصاحبته ومشاركته وإصلاحه وتقويمه, وهو الذي يصر على إلغائها وحذفها بكل الطرق والوسائل.
أن الواقع الذي نعيشه هو في حالة فوضى, ((لو أن حقبة من التاريخ طليت بلون رمادي على رمادي لكانت هي هذه الحقبة)) "ماركس", وهذا الواقع كما يقرأه الكثير وما تشير أليه الدلائل متجه لا محالة إلى فوضى أكبر, فهل نستطيع أن نستوعب هذه اللغة, لغة العنف والسلاح, الذي يلوح بها الآخر دائما, ونقوم على الأقل بتوعية الجماهير بأن العنف, هو أحد وسائل النضال, أي نعطيهم استعدادات نفسية, ونكف عن ترديد شعارات (نقد السلاح بسلاح النقد), و(العنف وسيلة غير إنسانية أو حضارية), في الوقت الذي تقاتل فيه فصائل مسلحة على المستوى الإقليمي, وينزل مسلحيها إلى الشارع إذا ما أحست بخطر, والقوى اليسارية والمدنية تردد (لا نريد بغداد أن تكون قندهار), مع أن قندهار لا يحكمها هذا العدد من الفصائل والمليشيات.
أخيرا فبعد اللقاءات التي عقدها المنسق ألأممي للصراع في العراق يان كوبيش مع قادة تيارات الإسلام السياسي أثناء المظاهرات التي قادها التيار الصدري, كان عندما يخرج من اجتماعه مع أحد هذه القيادات يبدي تشاؤمه, وهو لا يريد أن يخفي أن الصراع ممكن أن يأخذ أبعادا أكبر, فكأن كل الذين أجتمع بهم يريدوا أن يوصلوا رسالة لبعضهم البعض مفادها, (نحن موجودون, فهل من مبارز).