النهج الديمقراطي على طريق تأسيس الحزب المستقل للطبقة العاملة وعموم الكادحين


مرتضى العبيدي
2016 / 7 / 30 - 21:12     

تحت شعار من أجل بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين، التأم بالدار البيضاء المؤتمر الوطني الرابع للنهج الديمقراطي أيام 15، 16 و 17 جويلية الجاري. وقد تميزت الجلسة الافتتاحية التي انعقدت بمسرح محمد السادس بالدار البيضاء بحضور جماهيري كبير لمناضلين من كل الفئات والجهات كان حجم العمال والنساء والشباب بينهم لافت حيث لم تتسع لهم القاعة رغم فساحتها، إذ تابع العديد منهم فقرات الحفل من خارجها عبر مضخمات الصوت التي نقلت لهم فعاليات الحفل التي تميّزت بالمراوحة بين المداخلات السياسية و الإبداعات الثقافية التي برع في تقديمها مناضلون من شبيبة النهج الديمقراطي وقوبلت باستحسان كبير من جمهور الحاضرين.
أمّا المداخلات السياسية، فقد افتتحها الرفيق مصطفى البراهمة الكاتب الوطني للنهج بكلمة رحّب فيها بالمناضلين الحاضرين والقادمين من مختلف مناحي البلاد وكذلك بالوفود الأجنبية التي جاءت تشارك النهج الديمقراطي عرسه. كما قدّم فيها قراءة سريعة للظروف الموضوعية والذاتية التي ينعقد فيها المؤتمر. وتوجّه بتحية خاصّة إلى المناضلة وفاء شرف التي كانت عانقت الحرية منذ خمسة أيام فقط بعد قضاء سنتين وراء القضبان في قضية لفّقها لها أعوان المخزن. وقد اهتزّت القاعة لحظة صعودها إلى الركح تقديرا لصمودها في وجه جلاديها.
ثم تداول على الكلمة ممثلا الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين اللذين أبلغا تحيات قيادات المنظمتين ومناضليها في الداخل والشتات لمؤتمر النهج ومناضليه، وخاصة تحيات القائد الأسير أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية الذي فوّض لنائب الأمين العام الرفيق أبو أحمد فؤاد تمثيل الجبهة في هذا المؤتمر، إلا أن سفارة المملكة المغربية ببيروت قابلت طلبه لتأشيرة الدخول بالمماطلة والتسويف لمنعه من الحضور. كما تعرض الرفاق الفلسطينيون إلى معركة الأمعاء الخاوية التي يخوضها حاليا أسرى المقاومة في سجون الاحتلال منذ ما يزيد عن الشهر.
كما تناول الكلمة منسّق فيدرالية أحزاب اليسار بالمغرب الذي هنّأ مناضلي النهج الديمقراطي بعقد مؤتمرهم وأكّد على أهمية العمل المشترك بين القوى اليسارية والتي تمثل الفيدرالية لبنة على طريق توحيدها وثمّن العلاقات النضالية القائمة بين الفيدرالية والنهج متمنيا أن تنحُو إلى مزيد من التطور.
وكانت كلمة الرفيق حمّة الهمامي الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية هي مسك الختام. فتوجّه بالتحية باسم قيادات الجبهة ومناضليها إلى مناضلي النهج الديمقراطي، كما حيّى نضالات الشعب المغربي الشقيق والتي يحتلّ فيها النهج الديمقراطي وبقية فعاليات اليسار موقعا متقدما. كما ذكّر بالوعد الذي كان قطعه باسم مناضلي الحرية والتقدم في تونس عند حضوره المؤتمر الثاني للنهج سنة 2008 بأنّ الشعب التونسي ماض نحو الانتصار على الديكتاتورية في وقت كانت فيه هذه الأخيرة تبسط نفوذها على كامل مفاصل الدولة والمجتمع وتمعن في قمع أيّ نفس يجرؤ على معارضتها، خاصة في تلك السنة بالذات التي شهدت فيها انتفاضة الحوض المنجمي أبشع مظاهر القمع الدموي، لكنها مثلت بالنسبة للشعب التونسي وقواه الحيّة بريق أمل، فانتهى إلى الانتصار على جلاديه. ثمّ تعرّض للوضع الراهن للمسار الثوري المتميّز بتكالب القوى الرجعية على الالتفاف عليه وبتصدّي القوى الثورية وعلى رأسها الجبهة الشعبية لمخططاتها والنضال من أجل استكمال مهامّ الثورة. وقد قوبلت كلمة الرفيق حمّة الهمامي باستحسان الحضور الذي قاطعه مرارا بالتصفيق وبترديد النشيد الوطني التونسي. أمّا بقية الوفود الأجنبية التي حضرت أشغال المؤتمر فقد جاءت من فرنسا وإسبانيا وتركيا وبلجيكا والاكوادور، وقد أعطيت لها الكلمة خلال فعاليات المؤتمر.
أمّا أشغال المؤتمر فقد اتسمت بروح رفاقية ونضالية عالية إن في الجلسات العامّة أو في أشغال اللجان. فبعد النقاش العميق والثري للتقرير المقدّم إلى المؤتمر من اللجنة الوطنية والذي بقدر ما ثمّن المكاسب المحقّقة منذ المؤتمر الأخير، وقف مطوّلا على النقائص التي على المؤتمر والقيادة الجديدة التي ستنبثق عنه صياغة الخطط المناسبة لتجاوزها وهي تتعلق بالخصوص بمزيد الانغراس في صلب الطبقة العاملة والشعب الكادح وإحلال العمّال والنساء والشباب المكانة التي يستحقون في هياكل الحزب على اختلاف مستوياتها. وفي اليوم الثاني، وبعد جلسة ترتيبية تمّ خلالها حسم بعض الاشكاليات العالقة، تواصلت أشغال المؤتمر ضمن خمس لجان اهتمت بالقضايا التالية:
1ـ قضايا الاستراتيجيا والتكتيك والهوية وقد تناولت بالتحليل طبيعة التناقضات التي تحكم المجتمع المغربي باتجاه بلورة استراتيجيا التغيير الجذري المنشود. وقد تداولت اللجنة انطلاقا من المرجعية الماركسية للنهج بخصوص تحديد التناقض الأساسي والتناقض الرئيسي وطبيعة الدولة المنشودة وهي المسائل التي من شأنها المساعدة على صياغة البرنامج العام للتغيير الوطني الديمقراطي الشعبي ذي الأفق الاشتراكي. .
2ـ أمّا اللجنة الثانية فقد اشتغلت على تحديد المهامّ الراهنة للنهج الديمقراطي والتي تتصدرها مهمة بناء الحزب السياسي المستقل للطبقة العاملة وعموم الكادحين، والتي لا تقل عنها أهمية المهمة الثانية المتمثلة في تطوير وتوسيع وتوحيد الحركة النضالية عبر بناء وتطوير وتنويع تنظيماتها الذاتية. أمّا المهمة الثالثة فتتمثل في بناء جبهة الطبقات الشعبية.
3ـ أمّا لجنة التحليل السياسي فقد اهتمّت برصد أهمّ التطوّرات الطارئة على الأوضاع دوليا وإقليميا ومحليا في أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية وإلى استخلاص التداعيات المنظورة لهذه التغييرات في قادم السنوات.
4ـ وتكفّلت اللجنة الرابعة اعتمادا على مشاريع الوثائق المقدّمة للمؤتمر وعلى النقاشات التي دارت خلال أشغاله بصياغة البيان العام الذي يصدره المؤتمر في نهاية هذه الأشغال والتي تعبّر على التوجهات التي تمّ إقرارها في مختلف مجالات النضال.
5ـ وتناولت اللجنة الخامسة بالدرس السمات البارزة للأوضاع الدولية الراهنة وآفاق تطوّرها، وخصصت حيّزا مهمّا من مداولاتها لنضالات الشعب الفلسطيني التي تمرّ ثورته بأوضاع عسيرة في الظرف الراهن. وقد صدر عن هذه اللجنة بيان أوّل يوصّف هذه الأوضاع ويثمّن نضالات الشعوب من أجل التحرر الوطني والانعتاق الاجتماعي وبيان ثان خُصّص للمحاولة الانقلابية التي جرت في تركيا إبّان انعقاد المؤتمر. وقد أمضى البيانين جميع الأحزاب الصديقة والشقيقة الحاضرة وعددها أربعة عشرة.
وانتهت أشغال المؤتمر في يومه الأخير بانتخاب اللجنة الوطنية الجديدة للنهج الديمقراطي والمتكوّنة من 83 عضوا كان للمرأة والشباب حضور مميّز فيها إذ شكل حجم كل من الفئتين 17℅ من مجموع القياديين المنتخبين. كما حرص المؤتمرون على تمثيل العنصر العمّالي ضمن القيادة الجديدة التي اتسمت كذلك بصعود مناضلين من الجهات الداخلية ومن المهجر. وفي أول اجتماع لها التأم مباشرة بعد صعودها، انتخبت اللجنة الوطنية كتابة وطنية من 21 عضوا حافظت على نفس نسب التمثيل داخلها للعنصر العمّالي والنسائي والشبابي، إلى جانب ضمان الخبرة والاستمرار بإعادة انتخاب مناضلين من جيل المؤسسين وقد بلغت نسبة التجديد في اللجنة الوطنية 48℅. كما أنّ الكتابة الوطنية أعادت انتخاب الرفيق مصطفى البراهمة كاتبا وطنيا للنهج والرفيقين عبدالله الحريف ومعاد الجحري نائبين له.
نجاح باهر لأشغال المؤتمر الرابع للنهج الديمقراطي التي تميّزت بعمق النقاشات وبسيادة الروح الرفاقية خلال كامل ردهات المؤتمر بعيدا عن المجاملات المجانية أو التشنّج رغم عمق الاختلافات أحيانا والتي كانت تُحسم بالصيغ الديمقراطية بعد استيفاء النقاش بشأنها. فهنيئا لرفاقنا بالنهج على هذا النجاح الباهر وإلى الأمام على طريق تحقيق طموحات الطبقة العاملة المغربية وعموم الكادحين في التحرّر الوطني والانعتاق الاجتماعي.