جحا والدجاجة وحكومة السبعة نجوم


عديد نصار
2016 / 7 / 26 - 02:42     

زعموا أن جحا كان مسافرا على حماره فمرّ بكوخ، فقرر أن يستريح لدى أهله. فوجدهم يأنّون جوعا وبؤسا، وكان عندهم دجاجة واحدة، فقال لهم مستغربا: أتئنون جوعا ولديكم هذه الدجاجة السمينة؟ فرد الزوج قائلا: وماذا نفعل بها وهي تعطينا كل يوم بيضة نتقاسمها غداء لنا مع بعض الفتات. فبادره جحا بالقول: سنذبح هذه الدجاجة غداء لنا، واستبشِروا خيرا فغدا سيكون لديكم سرب من الدجاج والديوك يكفيكم بيضا ولحما لسنة كاملة. ثم أخذ الدجاجة فذبحها وناولها للزوجة كي تنظفها وتطهوها وجلس منتظرا مع العائلة المسكينة. ولما فرغت الزوجة من التنظيف والطهو قدمت الدجاجة في قدر، فأمسك جحا بالدجاجة وانتزع رأسها والرقبة والجناحين والمؤخرة وأعاد تلك الأجزاء الى القدر وقال: لا بأس بهذه وجبة لكم مع المرق فكلوها هنيئا مريئا، ولكني لن أستطيع تناول غدائي معكم في ظل أسراب الذباب التي تحوم هنا، سأتناوله في مكان بعيد وغدا سيكون الدجاج والديوك عندكم. ثم أخذ صلب الدجاجة بفخذيها وانصرف. والعائلة المسكينة لازالت تنتظر سرب الدجاج الذي وعدها به جحا حتى اليوم!
لقد مر عام كامل على أزمة النفايات الصلبة في لبنان، الأزمة التي جعلت من شوارع بيروت وسواها من المدن ومن ساحاتها مكبات هائلة للقمامة وبيئة حاضنة لكل اشكال الحشرات والزواحف والقوارض المؤذية ومصدرا هائلا للروائح القذرة والجراثيم، مع ما رافقها من حراك شعبي واسع وفضائح صفقات ألغيت وأخرى لم يعلم بها أحد ولا بنتائجها الحقيقية. وأعيد فتح مطامر ثم أضيفت مطامر جديدة، بعد أن رُشّحَت بلدان كثيرة لاستقبال نفاياتنا الصلبة التي فشلت "النفايات السياسية" الحاكمة بحسب رئيس الحكومة نفسه، تمام سلام، في إيجاد حل بيئي وجذري لها نتيجة فشل مافيات المحاصصة في الاتفاق على تقاسم مغانمها.
يتزامن هذا مع انعقاد القمة العربية في العاصمة الموريتانية نواكشوط، والتي يشارك فيها وفد لبناني رسمي يرأسه رئيس الحكومة نفسه تمام سلام ويتشكل من الوزراء وائل أبو فاعور وجبران باسيل ورشيد درباس ومستشارين اقتصاديين وماليين ودبلوماسيين ووفد إداري وآخر إعلامي. كل ذلك أمر عادي وطبيعي. ولكن المفاجئ أن يقرر الوفد نقل مكان مبيته الى المغرب! بحجة أن الفندق الذي كان من المقرر لهم أن ينزلوا فيه في نواكشوط غير مطابق للمواصفات الصحية والبيئية! ما أثار موجة سخط عارمة لدى الصحفيين والمدونين الموريتانيين الذين طالب بعضهم بطرد الوفد اللبناني معتبرا ما صرح به أحد أعضاء الوفد في هذا الشأن إهانة لموريتانيا ولشعبها تفرض عدم استقبال الوفد في أقل تقدير. كما اثار ذلك موجة استهجان وسخرية لدى اللبنانيين الذين لا يأمنون الحكومة على لقمة طعامهم بحيث قال البعض: في لبنان، حتى رغيف الخبز غير مضمون!
وإذا كان جحا قد ذهب بعيدا لنهش الدجاجة الوحيدة مصدر غذاء تلك الأسرة الفقيرة وتركها على وعد منه بالدجاج الكثير والبيض الوفير، تاركا لها المرق وبعض الحواشي، فإن حكومتنا التي تمثل قوى مافيوية ناهبة وغاصبة للسلطة ابتلعت البيضة والـ"تقشيرة" ولم تترك للبنانيين إلا جبال النفيات وبرك المياه المبتذلة والشواطئ والأنهار الملوثة والجبال التي نهشتها الكسارات.
وعليه، لم يبق أمامنا إلا أن نقترح على حكومتنا وعلى مافيات النهب التي تتمثل فيها أن تنقل مقر إقامتها إلى إمارة ليشتنشتاين أو موناكو حيث البيئة النظيفة والصحية، حرصا على صحة ورفاهية أعضائها لعلهم بذلك يحسنون إدارة النهب والتقاسم ويتقنون تنفيذ تعليمات اسيادهم الإقليميين والدوليين.
لقد كانت آخر إنجازات هذه الحكومة على الصعيد الاجتماعي أنها حسمت مبلغا وقدره 4000 ليرة لبنانية من الأجر اليومي للعمال المياومين غير المشمولين بأية ضمانات اجتماعية أو صحية والذين يرزحون في أسفل السلم الاجتماعي والممنوعين من العمل النقابي وذلك حرصا على المال العام والذي يجد طريقه للإنفاق على الرحلات السندبادية لأهل السلطة وفي تنقل أعضاء الوفد الحكومي الميامين بين نواكشوط والمغرب كي يناموا قريري الأعين بما سينجزونه للشعب اللبناني في عملهم الشاق في بيئة غير صحية في نواكشوط! في حين يموت المرضى في لبنان على أبواب المستشفيات!
إن من يعمل على سرقة لقمة العيش من فم من ساهم في إفقارهم لا يعول عليه في أن يحترم أي شعب من الشعوب حتى لو كان شقيقا أو صديقا.
عذرا موريتانيا، عذرا أهلنا في نواكشوط! هؤلاء مجرد غاصبي سلطة يمثلون عصابات مافيا الفساد والنهب والتبعية. ولا يمثلوننا من قريب أو بعيد. ولن يزعجنا مطلقا رفضكم لاستقبالهم.