لنحارب الجهل في صفوفنا


أحمد أحمد حرب
2016 / 7 / 25 - 22:21     

التقيت مؤخرا بأحد الرفاق، فوجه الي خطابا اعتبرته نقدا حول استمراري في قراءة وإعادة قراءة كتيب " أربع مقالات فلسفية " لماو تسي تونغ وكراس ستالين المعنون بـ " المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية "، ونبهني الى ضرورة عدم هدر الوقت والانتقال مباشرة الى مواكبة أحدث الكتابات بشأن مجمل قضايا الفكر والسياسة الماركسية اللينينية الراهنة، وبالموازاة مع دفاعي عن أهمية هذه الكتيبات كان اللقاء مناسبة لفتح نقاش حول أهمية الوعي في العمل الثوري.

إننا نلتقي يوميا وفي كل ساعة بمناضلين يتميزون بدينامية نضالية هائلة وخبرات نقابية وسياسية متفاوتة المستوى، فتبعا لمنطق التراكم الكمي المؤدي لقفزات نوعية والنفي ونفي النفي في سيرورة حركة التناقض بين الممارسة والوعي نجد أن الكثير من رفاقنا قد حولوا نضالهم اليومي في هذه الواجهة أو تلك من واجهات صراع الطبقات بالمغرب الى واجب يومي لا يختلف عن المهام الغريزية للناس عموما، وهذا بطبيعة الحال شيء حسن ما دام يثبت تشبت أبناء شعبنا بحقهم في مجتمع الحرية والديمقراطية الحقيقية، لكن هذا الشيء الحسن يتحول في غالب الاحيان إلى شيء سيء في غياب البوصلة النظرية الماركسية اللينينية، أي غياب المنهج المادي الجدلي موجها للممارسة الميدانية اليومية، وهذا ما يفسر على سبيل المثال لا الحصر سقوط العديد من المناضلين في العمل الميداني المحض، دون قدرة على ربطه بالمهمة المركزية الملقاة على عاتق المناضلين الثوريين المغاربة – بل غياب حتى فكرة هذه المهمة - وهي العمل على بناء منظمة المحترفين الثوريين، النواة الصلبة للحزب الماركسي اللينيني القادر ولوحده على تنظيم نضالات الشعب المغربي وصب كل مجهودات المناضلين في اتجاه إنجاز مهامه الثورية متوسطة وبعيدة المدى، فالنتيجة العملية المباشرة للجهل بالقوانين هي وجود حركة دائمة بدون هدف، أي تصبح الحركة كل شيء والهدف لا شيء، وهذه هي الحلقة المفرغة المتحكمة لحدود اليوم في حركة العديد من الأفراد و المجموعات والتيارات الماركسية اللينينية.

وأستعرض مثالا آخر،

تنطوي نداءات ومقالات مجموعة من الرفاق على أهمية تقديم قراءة دقيقة للتشكيلة الاجتماعية والاقتصادية المغربية، وما يعنيه ذلك من تحديد للطبقات والفئات الاجتماعية المشكلة للشعب في المرحلة والطبقات الاجتماعية المسيطرة على وسائل الانتاج المادية والمناقضة للشعب، فهل يمكن تحقيق هذا الهدف من خلال العمل الميداني فحسب، أو من خلال قراءة الكتب الماركسية حول انماط الانتاج التاريخية ؟ بطبيعة الحال لا، فمن يحاول من الرفاق الفاقدين لبوصلة المنهج الجدلي قراءة كتب الاقتصاد السياسي الماركسي اللينيني سيواجه مشكلة عدم فهم أي فكرة أو على الأقل الأفكار الرئيسية، لأن كتابات معلمي الطبقة العاملة من طينة ماركس وانجلز ولينين وستالين وماو حول الاقتصاد السياسي أو البناء الاشتراكي نابعة من قدرتهم على تحديد وتتبع حركة قوانين مجتمعاتهم وبناء عليها أبدعوا في قيادة حازمة للجماهير الشعبية والظفر بالسلطة السياسية، وفي غياب المنهج الجدلي كذلك لن نستطيع تحديد وتتبع التغيرات والتحولات الواقعة في بناء الطبقات الاجتماعية ببلادنا وبالتالي لن يستطيع فهم لا السياسة الجارية ولا مواقف الأحزاب السياسية وغيرها من التغيرات والتحولات الطارئة في الصرح العلوي للمجتمع كنتيجة طبيعية للتحولات والتغيرات في البناء التحتي لهذا الأخير، ويمكننا تخيل النتيجة الكارثية التي يمكن أن ينطوي عليها أي عمل يدعي الثورية بهذا الشكل الفج.

إن مفتاح تقدم الحركة الماركسية اللينينية المغربية بكل تياراتها، وسر خروجها من قوقعة الفشل الذي أصبح كمسلمة، وتجاوز الذاتوية والإطاروية والزعماتية والكاريزمية والمجموعاتية...وغيرها من الأمراض البورجوازية الصغيرة الضيقة الأفق هو التشبت بالبراكسيس اللينيني " لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية " والتشبت بالخط الثوري للمنظمة الماركسية اللينينية إلى الأمام في إتقانه وتطبيقه للبراكسيس والعمل في صلب الممارسة على " تكوين وتربية كوادر البروليتارية من العمال ومن الفلاحين وفتح الفرص الأولى للاحتراف الثوري والتثقيف النظري" وهي " مهمة مركزية في بناء شرط موضوعي صلب لبناء الخط الثوري السديد وقيادة الجماهير. " ( إلى الأمام، من أجل خط ماركسي لينيني لحزب البروليتاريا المغربي – 1974 )، من خلال إفراز الأشكال اللازمة لتربية انفسنا وتربية أجيال من الثوريين على رؤية قوانين الجدل حتى في حياتهم اليومية ( في المشي، المطبخ، النقاش...) كعامل مساعد على ممارسة مملوءة بروح المسؤولية في العمل الثوري.

يجب ان يعلم أولئك الكاريزميين قالبا لا قلبا، أن بزوغ نور المنظمات الماركسية اللينينية المغربية بداية السبعينات لم يكن بقدرة إله خارق ولا بحكم الظروف الدولية التي لا تلعب في كل الأحيان سوى دور العامل المعرقل أو المساعد لتطور أحد نقيضي الذات، بل بقدرة المناضلين الثورين من طينة الشهيد عبد اللطيف زروال على تجاوز طروحات التحريفية المغربية ( الحزب الشيوعي المغربي ) والدولية ( الحزب الشيوعي السوفييتي إبان المؤتمر 20 سنة 1956... ) في مستوياتها الفلسفية والسياسية والتنظيمية.
علينا الإيمان بأن تلك الكتيبات الصغيرة ومثلها الكثير، هي الأساس النظري الأول لاستنهاض كل قوانا الثورية الموجودة الآن في الميدان لتحقيق وحدة الإرادة والفكر والتنظيم داخل صفوف الحركة الماركسية اللينينية المغربية وقطع الطريق أمام كل التيارات التحريفية ووضع الحدود الضرورية بيننا وبينها.

فلتكفوا عن تحويل الطاقات الثورية الى أتباع، ولتستوعب الطاقات الثورية أهمية النظرية في تجاوز تبعيتها والانتقال بذاتها ولذاتها الى العمل الثوري لا الحرفي، إلى العمل المنظم لا العفوي.