الديمقراطية أولا، الديمقراطية، الديمقراطية دائما


محمد باليزيد
2016 / 7 / 24 - 17:44     

الديمقراطية أولا، الديمقراطية، الديمقراطية دائما(*)
في استجواب له مع صحفي من فرانس 24 (1) قال أردوغان بأنه يستغرب طلب أمريكا منهم الحجج لتسليم فتح الله غولن، في حين مرارا سلمت تركيا أمريكا أشخاصا من دون أن تطلب الأولى من الأخيرة أية وثيقة
نحن هنا أمام إشكالية كبيرة أثارها (فضحها) السيد أردوغان وما كان ليفضحها بهذه البساطة لو لم يكن ما يزال تحت تأثير صدمة الخوف وفرحة الانتصار... إن دولة تحترم نفسها يجب أن تعامل اللاجئ لديها (الفارَّ إليها) كما تعامل مواطنيها فتخشى على سلامته وأمنه وتحفظ كرامته ولا تفرط في شيء من هذا أو تعرضه لعقوبة إلا إذا ثبتت إدانته. وتسليم تركيا أمريكا أشخاصا دون طلب توضيحات له أكثر من معنى:
- فأولا هذا يمكن أن يؤول على أساس أن دولة تركيا، ككل الدول الضعيفة رغم أنها تمني نفسها بالانضمام للاتحاد الأوروبي تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية دولة لا يجب مساءلتها عن القانون وأنها هي أدرى بالقانون .... دولة لا يجب أن يرد لها طلب لأننا (نحن الدول الضعيفة) لا بد أن نحتاج مساعدتها في يوم من الأيام... للسكوت على اضطهاد أقلية أو معارضين وعدم تنبيهها الرأي الدولي إلى تصرفنا اللا ديمقراطي.... وهذا المنطق هو ما قاد إلى فضيحة كوانتنامو حيث تمكنت الولايات المتحدة، بتواطؤ كثير من الدول بما فيها الدول القوية، تمكنت من التصرف مع مواطني دول كثيرة ك"أشخاص قردة" لا وطن لهم ولا دول تحميهم.
- ثانيا أن هذه الدول المتخلفة لا تعير قيمة حتى لمواطنيها فكيف تعير قيمة لضيوفها؟ فلنقارن مثلا رد فعل إيطاليا ضد مصر في قضية الطالب الإيطالي، نقارن هذا مع رد فعل تركيا ضد إسرائيل في قضية الأتراك الذين قتلوا على متن مرمرة.
- إيطاليا...................تركيا
- ضحية واحدة ...... عدد من الضحايا (9 قتلى و 3 مفقودين)
- عملية معزولة لم يتضح فيها بعد لا التعمد ولا التحدي.... عملية منظمة ومعلن عنها مسبقا بكل تحد واستكبار .
- تصعيد في توتر العلاقات حتى تظهر الحقيقة ..... الحقيقة ظاهرة منذ اللحظة الأولى لكن يكفي تعويض عائلات الضحايا لترجع المحبة متبادلة كما كانت.
يجب أن لا أنسى هنا مثلا مشابها تماما لقضية الطالب الإيطالي، إنه الطالب المغربي المرحوم سليمان حنين. لقد قتل هذا (الطالب المهندس في المعهد العالي للفضاء والطيران بفرنسا)، في سنته الأولى في الدراسة وكان جد متفوق، لكن حتى خبر وفاته لم يصل أسرته إلا بفضل أصدقاء، وفي غياب تام للدولة المغربية حاولت الأسرة تكليف محام هناك لإشفاء غليلها ومعرفة السر لكن محدودية إمكانية الأسرة ومحدودية محيط هذه الأسرة أنهى القضية بالنسيان حتى قبل أن تتسلم الأسرة جثة لدفنها. (انظر الرابط: http://www.hespress.com/videos/250329.html )
لكن الديمقراطية بنية تاريخية مستمرة. ولا يكفي أن تنظم الانتخابات (رغم أهمية هذا) في بلد ما كي نقول أن هذا البلد بلد ديمقراطي. إن دولة ديمقراطية هي:
- دولة تخشى محاسبة مواطنيها.
- دولة تعتبر حقوق مواطنيها وكرامتهم(ولو أفرادا لأن الكرامة لا تتجزأ)، في علاقتها مع دول أخرى، هي البوصلة الوحيدة.
- دولة تعتبر التفاف مواطنيها حولها ودعمهم لها هو الدرع الواقي لها من أطماع دول أخرى وتدخلاتها.
فلنأخذ مثلا يتعلق بالنقطة الأخيرة: أثارت العدالة الفرنسية، إثر تدخل جمعيات حقوقية، قضية تعرُّض المسمى النعمة أسفاري للتعذيب أثناء التحقيق معه في ما سمي بقضية اكديم إيزيك . وهذا الشخص مواطن مغربي(صحراوي) اعتقل إثر الأحداث المذكورة. (انظر الرابط: http://www.yabiladi.com/articles/details/45166/gdim-izik-justice-francaise-autorise.html ). نتساءل هنا: هل تعتقد الجمعيات المذكورة أن أصحاب قضية اكديم إيزك وحدهم من تعرضوا للتعذيب؟ الجواب بسيط جدا وهو أن الانفصاليين هم من يحظى بقدر أكبر من الاهتمام من طرف الجمعيات الحقوقية التي تخدم بهذا أجندة الدول الكبرى اللاعبة بمصير الدول القزمة المتخلفة. وما يهمنا هنا هو أنه:
من جهة أولى لو لم يكن المغرب متهما مسبقا بممارسة التعذيب على أبنائه إثر التحقيق، خاصة في القضايا السياسية، لكانت ادعاءات هؤلاء مجرد هراء.
من جهة ثانية على المغرب أن يعول على أبنائه، ولا أقصد هنا الببغاوات التي تردد الخطاب الرسمي، وإنما أبناؤه الذين ليسوا دائما راقصين مع الجوقة الرسمية، هؤلاء إن فسح لهم المجال في إبداء رأيهم مهما كان مخالفا، لرأي الحاكم أو لرأي الأغلبية، هؤلاء هم الذين لهم المصداقية كي يقولوا، ويُعتد بقولهم، بأن المغربآنذاك بلد ديمقراطي. وبهذا سوف لن يبق المغرب محل ابتزاز من طرف اللاعبين الكبار بواسطة "حقوق الإنسان.
قال الصحفي: "لقد ألغيتم حكم الإعدام منذ سنة 2004(أعتقد) من أجل الانضمام للإتحاد الأوربي، ألا ترون أن إعادة إقرار هذا الحكم سوف يخلق مشاكل أخرى؟"
أجاب أردوكان: لقد جعلَنا الاتحاد الأوربي ننتظر على أبوابه حوالي 53 سنة. ولقد انضمت للاتحاد دول أقل منا استعدادا لذلك...إذا أراد شعبي إرجاع حكم الإعدام.....
لقد ألغي حكم الإعدام، في الدول التي ألغي فيها، نتيجة سيرورات وعي وثقافة وحس إنساني وقانوني. لكن دولة تلغي حكم الإعدام، ليس من أجل مواطنيها وإنما رضوخا لمطلب خارجي، هي دولة/وشعب لن يستغرب أحد رجوعها له. فالشعب الذي كان من المطلوب منه أن يقف ضد رغبة الدولة/أو الطاغية في هذا الأمر هو الآن، في حالة تركيا، يطالب الرئيس المنتصر بالانتقام من أعدائه. هم حزب هذا الرئيس من يساير ويؤجج حماقات هذا الرئيس ذلك أن في تركيا، كما في الوطن العربي، ما تزال جل الأحزاب مجرد قبائل وراء شيوخها. وما تزال هذه القبائل على فطرة أن الطرف الآخر "فيروس يجب تطهير الوطن منه" على حد تعبير أردوكان. ف"الجهاز الموازي" كما يسمونه هو فئة من الأتراك ترى المسائل السياسية بمنظار يشابه منظار فتح الله غولن ويخالف منظار أردوكان. وهذا "الجهاز الموازي" ليس سوى حزبا سياسيا سواء كان منظما بشكل حزب أو لم يكن كذلك. ومعلوم أنه، حتى لو اعترف غولن من تلقاء نفسه أو اعترفت جماعة من أتباعه، بأنهم هم من هيأ للانقلاب ونظمه ونفذه، حتى مع هذا يبقى مفهوما من الجميع أنه لا يمكن أن يوضع سر الانقلاب منذ البداية إلا لدى عدد جد محدود من القادة سواء كانوا سياسيين أو عسكريين. ولهذا فقواعد حزب قادته مسؤولون عن الانقلاب، هذه القواعد بريئة من الانقلاب بحكم طبيعة الانقلاب نفسه. فكيف إذن يصل الانتقام 36000 (ست وثلاثون ألف) رجل تربية وتعليم؟ إن هذا المنطق لدى أردوكان وجوقة العدالة والتنمية يعطي مواطني الدول المتخلفة درسا مستقبليا مهما: حذار من الانضمام لأي حزب معارض أو يحتمل أن يصير معارضا لأنه لا قدر الله إذا جن جنون قيادة هذا الحزب يوما ما وارتكبت حماقة فإن كل الأتباع سوف يحاسبون على هذا الجنون. ألا تهدم إسرائيل البيوت على رأس الأسر التي خرج منها فدائي ما؟ لقد حصلت في عدد من الدول العربية انقلابات لكن القادة آنذاك لم يصلوا هذه الدرجة من الجنون، فالله إنجينا من الآت.

*) "الديمقراطية أولا، الديمقراطية دائما" هو عنوان كتاب لعبد الرحمان منيف.
1) صباح 23/07/2016، إن لم يكن ذلك مجرد إعادة.