من دبر الانقلاب في تركيا؟


فوزي بن يونس بن حديد
2016 / 7 / 17 - 21:25     


هاج الناس وماجوا في تحليل عملية الانقلاب التي حدثت في تركيا، فالمهووسون بشخصية أردوغان ذموا عملية الانقلاب وانتقدوها بشدة وعبروا عن استيائهم الشديد لما حصل في تركيا الإسلامية ونزهوا أردوغان وأتباعه عن أي خطأ يمكن أن يقع فيه وكأنه النبي المرسل في عصر العولمة،هؤلاء جرفتهم العاطفة كالذي جرفت الصحابي الذي رأى الرجل المضروب بسهم في عنقه انه من أصحاب الجنة فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا وما يدريك؟
وظلوا يراقبون المشهد بخوف وقلق وحذر شديد لما سيحل بتركيا العظيمة ويدافعون عن أردوغان بكل شراسة سوى أنه كان يقول كلاما عن الإسلام والمسلمين ولم ينظروا إلى عديد سلبياته وأولها التطبيع مع إسرائيل واستسلامه لروسيا وتقديم اعتذار رسمي وفتح حدوده للإرهابيين لتدمير سوريا من الداخل والحرب على سوريا وتجنيه على المعارضين، نظروا إلى الاقتصاد ونسوا السياسة التي هي الأساس في النظر الديمقراطي، لم يسألوا أنفسهم كيف تشبث أردوغان بالسلطة، ولم يترك مجالا لأقرب منافسيه ومن حزبه الذي ينتمي إليه لعلكم تذكرون إقالته لاوغلو وتبادل السلطة بينه وبين الرئيس السابق كل ذلك لا يرى في عين المحب لاردوغان المعصوم من الخطأ السياسي بل إن ذلك لا يعد القشة التي قصمت ظهر البعير.

من قاد الانقلاب في تركيا؟ أتكون أوروبا التي رفضت سياسات أردوغان ولم تسمح له بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لكونه مسلما يدافع عن المسلمين أو الغرب عموما وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية الذين رأوا فيه الزعيم المنتظر وصاحب الكاريزما الخارقة التي سيطرت على كل مفاصل الدولة في تركيا؟ أو هي إسرائيل التي تريد أن تمرغ أنف أردوغان في التراب وتربك سياسته المعادية لبني إسرائيل ظاهرا؟ أو هو الفيلم الاردوغاني العثماني حتى يمرر سياساته القيصرية في التشبث بالسلطة والتوسع الميداني في جذب الأنظار نحوه؟
كل ذلك وارد في السياسة وليس هناك خيط رفيع يتمسك به أردوغان ليعلي سياسته أمام شعبه والعالم ولكن النفاق السياسي مطلوب أحيانا حتى تتغير الحقائق وتنفصم عرى الشعب ويظل يتمسك بالوهم الاقتصادي والوحي السياسي، وأيا كانت سياسة أردوغان فإن من يتابع الأحداث بإتقان عليه أن يحلل بحياد ولا ينجر إلى عاطفة دون برهان وقد حذرنا الإسلام من تزكية الإنسان قبل التيقن والتثبت وإلقاء الأحكام حتى نقع في البهتان الذي ذكره القرآن.
وحتى أولئك الذين اهتزت أفئدتهم لانهيار أردوغان في بداية الانقلاب لم يكونوا على حق عندما بانت لهم حقيقة الانقلاب وانطلقت عليهم حيلة التغيير في تركيا والتخلص من نظام أردوغان بل هناك من يعتقد أن أردوغان هو نفسه من دبر عملية الانقلاب حتى يقضي على كل معارضة من الداخل ويصف خصوماته مع معارضيه وتخلو له ساحة الحكم في تركيا.

لم يفشل الانقلاب ولم ينجح أردوغان، بل هي السياسة في كل مكان تهيّج الشعوب نحو فنائها السياسي وترسّخ عقيدة التهوّر والتخبّط في الظلام، فكيف تنتصر أمة اتخذت العاطفة منهجا وطريقا وسبيلا تبيح من خلاله كل أنواع الاعتداء اللفظي والجسدي والله لا يحب الفساد؟
وكيف تستطيع تركيا أن تعيش بأمن وأمان وهي التي تعيش كل أنواع الاضطراب بعد أن غرس أردوغان عقيدتها في نفوس من يريد تدمير سوريا وغيرها من البلدان.
من صفق للانقلاب مخطئ ومن صفق لاردوغان مخطئ كذلك لأن كلا الفريقين جرته عاطفة ولا يمكن أن تبنى الدول على عاطفة سرعان ما تثور ثم تخبو وتفور، استعملوا عقولكم أيها الشعوب فالمسألة ليست أردوغان المهدي المنتظر ولكنها النظر إلى تغيير واقعنا المأساوي،
نصفّق اليوم لاردوغان وغدا لغيره، فليس هو المطلوب، واقعنا يسير نحو الهاوية ماذا فعل أردوغان لغزة الأبية وماذا فعل في سوريا الجريحة وماذا قدم للعالم الاسلامي ؟ إنه يعمل من أجل تركيا فقط فلا تحسبوا أيها الناس أنه سيحرر القدس من أيدي اليهود المجرمين.
عذرا تلك هي الحقيقة الغائبة عن الفريقين، ينبغي التوقف عندها بكل تأن وتأمل وتفحص وتدقيق وعذرا أن جرحت بعض المتهورين والمهووسين بشخصية أردوغان العظيمة.