مصر : ضرورة اتخاذ موقف مستقل ازاء الأوضاع الاقليمية المعقدة


صلاح السروى
2016 / 7 / 17 - 18:28     

صلاح السروى
مصر : ضرورة اتخاذ مواقف مستقلة ازاء الأزمات الاقليمية المعقدة

يزداد التوتر وتتعقد الأوضاع فى معظم أرجاء المنطقة العربية بما يكاد يجعل منها منطقة حرب متعددة الأطراف, بامتياز لا تحسد عليه. فمن ناحية, هناك الأزمة السورية التى تتعدد فيها القوى المتصارعة على نحو يجعل الأمر مختلطا حتى على كثير ممن يمتهنون التحليل والعمل السياسى (وسوف نأتى على ذكر المسألة السورية بالتفصيل بعد قليل), ومن ناحية أخرى هناك الحرب التى لا تكاد تبدو لها نهاية فى كل من العراق واليمن وليبيا. وظهور تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) فى كل هذه البلدان بكل همجيته وتوحشه.
ولعل القاسم المشترك الأعظم بين كل هذه الساحات هو أن أحد طرفى الصراع هو القوى الامبريالية العالمية وعملاؤهم من دول الاقليم ومن ثم الجماعات الموالية لهم من الارهابيين المحليين والمجلوبين من الخارج تحت دعاوى الجهاد وما أشبه. والهدف المعلن من قبل كل هؤلاء هو تمكين الارهابيين من المتأسلمين (المعتدلين), بمسمياتهم المختلفة, من الهيمنة على مقدرات تلك البلدان.
ولعل النموذج السورى يمثل تلك الوضعية أصدق تمثيل. فالامبريالية المتمثلة فى دول حلف الناتو متحالفة مع قوى الرجعية العربية من دول الخليج وعلى رأسها السعودية من ناحية, وتركيا من ناحية أخرى, كل هؤلاء يدعمون الجماعات الارهابية المتمثلة فى داعش والنصرة وجيش الفتح .. وهلم جرا, من جماعات لاتخرج فى مجموعها عن تيارات الاسلام السياسى المتطرف والذى تم تجييش عناصره من كل بقاع الأرض تحت دعوى "الجهاد" ضد قوات الدولة السورية.
ان الهدف المعلن من قبل كل هؤلاء هو اسقاط النظام الحاكم فى سوريا. ومهما كانت ملاحظاتنا على هذا النظام وعلى ممارساته, فان اسقاط هذا النظام بأيدى القوى الامبريالية والرجعية العربية والاقليمية (تركيا), لن يؤدى الا الى تدمير الدولة السورية وتشتيت جيشها وتقسيم سوريا الى كانتونات عرقية ومذهبية متقاتلة الى مدى لايعلمه أحد. وهو ما سيمثل كرة الثلج التى ستتدحرج لتأخذ فى طريقها معظم بلدان المشرق العربى من لبنان والأردن والعراق وربما السعودية. ولقد لاحظنا ذلك فى ما يحدث يوميا من اقتتال بين الجماعات المسلحة وبعضها. ولعل هذا المصير هو المستهدف بالنسبة لكل البلدان العربية, مهما كان موقعها الجغرافى ومهما كانت ولاءاتها السياسية, وخرائط برنارد لويس ونظريات المحافظين الجدد وتصريحات مفكرى ومسئولى الأمن القومى الأمريكى والاسرائيلى خير شاهد على ذلك.
ان المستفيد الوحيد من كل ما يحدث فى مختلف البلدان العربية, محل الصراعات الحربية, هو العدو الصهيونى وأربابه من دول الغرب الامبريالى, فالنتيجة المنتظرة هى بروز اسرائيل باعتبارها الدولة الاقليمية الأقوى فى وسط من فتات الدويلات المنهكة المتقاتلة, وعندها يمكن تحقيق الحلم الصهيونى العتيد : "من النيل الى الفرات". وكذلك احكام قبضة الغرب الامبريالى على مقدرات المنطقة بدون مقاومة أو ممانعة, وبصورة كاملة, بغية التفرغ للمعركة الرئيسية القادمة وهى المعركة مع الشرق الآسييوى الصينى والروسى.
ولعل هذا التحليل هو ما يمكنه تفسير الحماس الروسى الصينى للوقوف بجانب الدولة السورية بكل هذه القوة.
وبالاضافة الى ذلك, فان روسيا تستشعر خطر هؤلاء الارهابيين الذين يشكل المنتمون منهم لدول الاتحاد السوفيتى القديم (من شيشان وداغستان وأوزبيك وطاجيك .. الخ) نسبة لابأس بها من مجموع المقاتلين الأجانب لدى كل من تنظيمى داعش والنصرة. وهو ما ينذر بخطر داهم عند عودتهم الى بلادهم بعد الفراغ من الساحة السورية, كما كان الأمر فى حروب سابقة كحرب البوسنة وكوسوفو وأفغانستان. فضلا عن أن تلك هى الفرصة الأخيرة للحفاظ على موطىء قدم للوجود الروسى فى المنطقة, بعد سقوط كل من صدام حسين والقذافى. والأمر نفسه ينطبق عل الصين التى يشارك عدد ليس قليلا من مواطنيها المنتسبين الى مسلمى الايجور الذين يشكلون احدى اقلياتها العرقية والدينية فى هذا القتال.. كما يعد فرصة مواتية لابرازوجه آخر للقوة الصينية البازغة (السياسية وربما العسكرية فى هذه المرة).
ومن ناحية أخرى توجد ايران وحزب الله فى قلب الحلف المدافع عن النظام السورى فى مواجهة الحلف الامبريالى الرجعى المذكور أعلاه. وذلك نظرا لكون النظام السورى يمثل الجسر الوحيد الذى تعبر عليه امدادات حزب الله القادمة من ايران, وكذلك لكونه أحد الداعمين الرئيسيين بذاته لهذا الحزب. فلو سقط هذا النظام فان حزب الله سيفقد حليفا عسكريا ولوجستيا لايمكن تعويضه, وعمقا استراتيجيا لابديل عنه, ومن هنا فان معركة حزب الله الى جانب النظام تعد معركة حياة أو موت بالنسبة له, حيث سيتحدد مصيره بصورة نهائية فى ضوء نتائجها. اضافة الى أن ايران بدعمها للنظام السورى فانها تحقق توسعا فى نفوذها الاقليمى على حساب قوى تمثل العدو السياسى والنقيض الطائفى والمنافس الاقليمى .. الخ, ألا وهى السعودية التى تستقوى بالغرب الامبريالى فى مواجهة ايران. وأظن أن السبب ذاته يوجد لدى السعودية وباقى بلدان الخليج بالنسبة لموقفهم من ايران, والذى يحدد موقفهم من النظام السورى. فضلا عن خضوعهم التقليدى لاملاءات الغرب.
ان الأزمة السورية بكل تداعياتها السياسية والعسكرية وتعقيدات القوى المشاركة فيها لتعد نموذجا لكل التعقيد الذى نراه فى باقى الأزمات العربية. وحاجة مصر الى الارتباط بعدد من الأطراف المتناقضة هو الذى يجعل الموقف المصرى مواربا وخجولا, ان لم نقل متخبطا, فمن ناحية تعد مصر حليفا للسعودية فى حربها على اليمن, بيد أنها لاتود التورط أو أن تستخدم وقودا للاطماع السعودية فى هذا البلد. ومن ناحية أخرى هى لاتتفق مع السياسة السعودية ازاء دمشق وليبيا, ولا تخفى سعيها نحو ايجاد حل يحول دون سقوط النظام الذى سيؤدى بالحتم الى انهيار الجيش والدولة فى سوريا, وهو ما يخل بالمصالح الاستراتيجية المصرية والتوازن النسبى فى علاقات القوى داخل الاقليم (فيما يتعلق بالقوة الاسرائيلية), كذلك الأمر بالنسبة للوضع الليبى, كما سبق الايضاح. وهى من ناحية ثالثة لاتريد فض ارتباطها مع السعودية نظرا لحاجتها لدعمها المالى المتواصل وربما لموقفها فى مواجهة محاولات التزعم الايرانى لبلدان المنطقة, بما يؤثر على تصور مصر لدورها المقبل.
ويترافق ذلك كله مع نذر انتفاضة فلسطينية فى مناطق الضفة الغربية والقدس, نظرا لتصاعد الاجراءات العدوانية الصهيونية تجاه المسجد الأقصى وتعاظم النشاط الاستيطانى ومصادرة الأراضى .. الخ. بينما لاتريد القيادة المصرية التصعيد مع اسرائيل نظرا لوضع قواتها فى سيناء وحاجتها للاستقرار والاستثمار واستمرار الدعم الغربى على أصعدة متعددة, وفى الآن نفسه فانها لاتريد ابراز أى موقف عدائى تجاه تطور موقف الحليفين الروسى والصينى فى المنطقة, بل ربما كانت مرحبة بهذا التطور.
ان هذا الاتساع والتعقد فى رقعة القضايا وتشابك أطرافها على مستوى الاقليم انما تتطلب ضرورة التضحية ببعض المكاسب الوقتية, مهما كانت ملحة, لصالح المكاسب الاستراتيجية الكبرى التى لايمكن التخلى عنها. فلابد لمصر أن تقف بوضوح فى خندق العداء الواضح للمخططات الامبريالية والرجعية والارهابية وأن تعتبر نفسها ضمن الحلف المعادى لهم, وذلك حفاظا على الأمن القومى المصرى وضمان هزيمة هذه المخططات التى لن تكون مصر بمنأى عن تهديداتها. هذا اذا كانت قد خرجت حقيقة من ربقة التبعية التى تم تكبيلها بها فى اتفاقية العار فى كامب ديفيد.