ليليان داود.. تاني


فريدة النقاش
2016 / 7 / 13 - 23:11     

قضية للمناقشة .. ليليان داود.. تاني


قبل عام قام عدد من الصحفيين.. وبعضهم يتلقى الأوامر للأسف من أجهزة الأمن بشن حملة ظالمة ضد الإعلامية “ليليان داود” متهما برنامجها “الصورة الكاملة” الذى كانت تقدمه على قناة “أون تى في” بأنه منصة لمعارضة النظام، وطالب هؤلاء بوقف البرنامج، وقال لى أحد قادة حركة الفلاحين إن “ليليان” لبنانية وليس من حقها أن تتدخل فى شئون مصر، فهل من حقنا نحن المصريين أن نتدخل فى شئون لبنان، ولمست فى حديث الرجل نزعة شبه عنصرية وتعصبا “مصريا” فضلا عن أنه لم يناقش أبدا مضمون ما تقدمه “ليليان” والتى يدل اسم برنامجها عليه.. فالصورة الكاملة تعنى التعامل مع موضوع البرنامج من كل جوانبه، أى بطريقة عقلانية وموضوعية تخاصم إعلام الإثارة وتسعى للوصول إلى الحقيقة.

وعلى ما يبدو فإن الجهات التى تراقب الإعلام علنا أو سرا قد استفادت كثيرا من هذه الحملة ومن ما كتبه الكتاب صحفيين كانوا أو مخبرين حتى جاءت اللحظة الحاسمة بعد انتقال ملكية قناة “أون تى في” لمالك جديد انتهز فرصة إنتهاء عقد “ليليان” القديم مع القناة ليتخلص منها، وتربصت بها الأجهزة فور انتهاء العقد وانتهاء مدة إقامتها فى مصر لتقوم بترحيل “ليليان” بطريقة مهينة لكل من مصر والإعلامية المرموقة والتى ارتبط بها جمهور واسع وانتظر برنامجها وصدقها.

وبدت عملية الترحيل كأنها تخليص لثأر قديم، وانتقام شرس من إعلامية شريفة ومخلصة، وهو انتقام يبعث برسالة إلى كل الإعلاميين الذين يتعاملون مع الرسالة الإعلامية بجدية ومسئولية، ويحتكمون فقط للأسس المهنية ولما يمليه عليهم الضمير، ويضعون مواثيق الشرف الصحفية والإعلامية فى القلب من عملهم، فلا يخضعون للإملاء أو التطبيل أو التزوير.

ومن قبل جرى معاقبة مجموعة من الإعلاميات والإعلاميين لأنهم انتهجوا هذا النهج ملتزمين بالحقيقة وحدها دون تزويق، وجلهم كانوا من الذين شاركوا فى الموجات المتعاقبة للثورة وعارضوا كل من حكم “مبارك” و”مرسي”، وكانوا ينشدون الوصول إلى العدالة والديمقراطية، وأسهم عملهم الشريف فى بلورة الأهداف العليا لموجات الثورة “عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية.. لا للدولة الدينية”.

ولا يعرف الذين لاحقوا “ليليان” باعتبارها “أجنبية” التاريخ الناصع والمجيد للعلاقات الثقافية المصرية العربية، والدور الذى لعبه مفكرون ومثقفون وكتاب رجالا ونساء لاذ بعضهم بمصر هاربين من النير العثماني، ولعبوا أدوارا مجيدة فى تأسيس الصحف وإنشاء الفرق المسرحية وفى نشأة السينما، وبالطبع كان بينهم من تعاون مع الاحتلال كما فعل بعض المصريين.

وحدث ذلك كله بداية من القرن التاسع عشر أى قبل قرن من انطلاق الدعوة القومية العربية، ولعب هؤلاء دورا مهما وعمليا فى نشر الوعى العروبى فى مصر التى كانت مكتفية بذاتها.

والآن وبينما يتجه نظام الحكم لإحياء التضامن العربي، وخلق أطر جديدة للتنسيق فيما بين البلدان انطلاقا من وعى عميق لا فحسب بوحدة المصير بين البلدان العربية وإنما أيضا وعى بجدية المخاطر المحدقة بالأمة العربية إذ يستهدف المخطط الإمبريالى الصهيونى تفتيتها على أسس دينية طائفية وعرقية، وهو ما فات الذين اتخذوا هذا الإجراء المهين ضد الإعلامية “ليليان” أن يضعوه فى الاعتبار، ويضاف مثل هذا الإجراء لعمليات أخرى تسير عكس الاتجاه العام، وكأنها تستهدف تعويقه أو السخرية منه، وهو ما يخدم بوعى أو بدون وعى المخطط الذى يسعى لاستنهاض قوى الثورة الكامنة بموجاتها المتعاقبة.

تبرز فى هذا السياق قضية الحريات العامة إذ أن المستهدف الأصلى من ترحيل “ليليان” هو إسكات صوت نقدى عاقل وموضوعي، وإفساح المجال العام لمزيد من المطبلين والمزمرين للتغطية على المشكلات دون السعى للبحث عن حلول، واستعادة الرقابة الأمنية التى طبعت مراحل سابقة من حياتنا السياسية والاجتماعية وقادتنا إلى الكوارث حين خنقت المجال العام فى محاولة لفرض نظام السمع والطاعة، وينسى الذين يخططون وينفذون هذه الاستراتيجية أن تغيرا عميقا قد حدث فى وعى المصريين، ورغم كل المظاهر السلبية فى السلوك والأخلاق والتى أنتجها اليأس والتضليل، فإن المصريين لن يقبلوا بعد الآن أن يزيف أحد وعيهم أو يمارس عليهم الإملاءات والتزوير.

ولن تضار “ليليان داود” مما حدث لها فهى إعلامية تمتاز بالكفاءة والقدرة، ولكن ما أضيرت هى صورة الحريات فى بلادنا وهو ما توافق عليه الكتاب الجادون والقلقون على مصير الديمقراطية فى مصر.