ما هو الخطأ في الإجابة الكينزية حيال مسألة التقشف؟

مايكل روبرتس
2016 / 7 / 10 - 23:16     


الكاتب/ة: مايكل روبرتس.
ترجمه‫/‬ته الى العربية‫:‬ وليد ضو

في وقت تلسعنا فيه تدابير التقشف يتواصل الاقتصاد بالتراجع، تكتسب الحجج القائلة إن الركود يتطلب استجابة كينزية جاذبية. الاقتصادي الماركسي مايكل روبرتس يلقي نظرة نقدية على حالة الكينزية، معتبرا أنها تسيء فهم أسباب الأزمة الرأسمالية.

بدأت خلية تفكير راديكالية جديدة بنشر أفكارها بقوة منذ العام الماضي [2012] في المملكة المتحدة. وتحمل اسما عظيما: مركز الدراسات العمالية والاجتماعية. تبدو اشتراكية، وحتى ماركسية، أليس كذلك؟ للأسف، في اجتماعها الأول كان المتحدثون، وخاصة الاقتصاديون منهم، كانوا كينزيين. كل الحجج المستعملة ضد التقشف كانت كينزية. على ما يبدو، التحليل الماركسي لا مكان له في شرح الركود العظيم وما أعقبه من كساد طويل الأمد- أو ما يجب فعله حيال ذلك.

وأعتقد أن ذلك يشكل نقصا خطيرا بالنسبة لأولئك الذين يناضلون من أجل العمال ضد رأس المال، والحاجة للتوصل إلى سياسات صحيحة، معتمدين بدلا من ذلك على النظرية والسياسة الكينزية.

لماذا أقول ذلك؟ حسنا، اسمحوا لي بأن أبدأ مع أساس المساهمة الكينزية في الاقتصاد: أراد كينز منا التركيز على الاقتصاد الكلي من خلال تجانس الحسابات الوطنية. الدخل الوطني= الإنفاق الوطني، إنها مسألة سهلة. ومن ثم يمكن تقسيم الدخل الوطني إلى= الربح + الأجور، والإنفاق الوطني يمكن تقسيمه إلى= الاستثمار + الاستهلاك. لذلك الربح + الأجور= الاستثمار + الاستهلاك. إذا افترضنا أن الأجور تنفق كلها على الاستهلاك ولا يتم ادخارها، عندها تكون الأرباح = الاستثمار.

ولكن هنا تكمن المشكلة. هذه المعادلة لا تقول لنا الاتجاه السببي الذي يمكن أن يساعدنا على تطوير نظرية. بالنسبة لكينز، الاتجاه السببي هو أن الاستثمار يحقق الربح بكل بساطة. ولكن ما هي أسباب الاستثمار؟ حسنا، الأمر يتعلق بالقرارات الشخصية لأصحاب المشاريع الفردية. ما الذي يؤثر على قراراتهم؟ حسنا، "الغرائز الحيوانية"، أو توقعات متفاوتة من عائدات الاستثمار… أي أن كل المسألة هي ذاتية.

العودة إلى الواجهة

على كل حال، فكرة أن الأرباح تعتمد على الاستثمار تعود إلى الواجهة. بالنسبة للماركسيين، المسألة هي عكس ذلك: الاستثمار يعتمد على الربح- والربح يعتمد على استغلال قوة العمل والاستيلاء عليها بواسطة رأس المال. وهكذا لدينا تحليل سببي يقوم على نموذج معين من المجتمع الطبقي، وليس استنادا إلى بعض التحاليل النفسية الغامضة للسلوك الإنساني الفردي.

الآن إذا كان الاستثمار في اقتصاد ما يعتمد على الأرباح، وإذا جرى تثبيت الأرباح في المعادلة ولا يمكن للأخيرة أن تزداد، عندها الاستثمار لن يزداد. لذلك سيعتمد الاستثمار الرأسمالي (أي الاستثمار لجني الأرباح) الآن على سحب الأرباح من الاستهلاك الرأسمالي و/أو الحد من الاستثمارات غير الرأسمالية، أي الاستثمارات الحكومية. إذا الرأسمالية تحتاج إلى المزيد من الإنقاذ الحكومي، وليس إلى المزيد من الإنفاق. وذلك هو على العكس من خلاصة السياسة الكنزية. الإنفاق الحكومي لن يزيد الأرباح، إنما على العكس- الأرباح هي المُهمة في ظل الرأسمالية. حتى الإنفاق الحكومي هو سلبي بالنسبة إلى الاستثمار الرأسمالي.

ولكن الكينزيين لا يأخذون بعين الاعتبار الربح. إنما ينظرون فقط إلى الناتج. ويقولون إن عند كل تغيير في الإنفاق الحكومي في الاقتصاد، يؤدي إلى تغيير مماثل في الاستهلاك والناتج الوطني. حتى إذا تم خفض الإنفاق الحكومي، فسيكون هناك انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي. وهذا هو ما يسمى المضاعف المالي. وهو أساسي، تبعا للكينزيين.

وفي وقت باتت فيه التعاليم الكينزية مهيمنة في العالم، كتب بول كروغمان في مدونته: "أنا وآخرون نعتبر لفترة من الوقت أن تجربة التقشف في منطقة اليورو تشير بوضوح إلى آثار كينزية كبيرة جدا". فصندوق النقد الدولي يوافق على ذلك. حيث يظهر على أن المزيد من خفض الإنفاق الحكومي تقوم به حكومة كاليونان (بنسبة -16 بالمئة)، الأسوأ من ذلك هو انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في اليونان (بنسبة -19 بالمئة).

في الواقع، لقد التقط هذه الفكرة مؤتمر نقابات العمال، الذي يحسب أن المضاعف المالي في المملكة المتحدة مرتفع بمقدار 1،3 - في وسط تصنيف صندوق النقد الدولي الجديد- وبالتالي فإن التخفيضات الحكومية المالية قد خفضت الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في المملكة المتحدة بنسبة 2 بالمئة منذ عام 2010.

ولكن مهلا. قبل أن ننحني أمام المضاعف المالي الكينزي، علينا النظر في عدة أمور. أولا، هل دليل صندوق النقد الدولي قطعي؟

حسنا، ليس تبعا لتحليلات صحيفة الفاينانشال تايمز. وكما قالت هذه الصحيفة، "تفحص الفاينانشال تايمز لتقييم عمل صندوق النقد الدولي، ومع ذلك، تشير النتائج إلى مضاعفات عديدة- العلاقة بين الجهود المبذولة لخفض العجز والنمو- لا تقف بسهولة لخيار آخر لبلدان أو فترة زمنية أخرى". تكمل الفاينانشال تايمز، "بالنسبة للبلدان التي تتوفر فيها بيانات كاملة على موقع صندوق النقد الدولي على الانترنت، تفقد النتائج ذات الدلالة الإحصائية إذا استبعدنا اليونان وألمانيا. بالإضافة إلى ذلك، النتائج جرى عرضها على نحو عام ولكن تقتصر على فترة زمنية محددة ومختارة. وكانت توقعات العام 2010 للعجز غير جيدة لتوقع بأخطاء توقعات النمو لعام 2010 أو عام 2011 عندما تم تحليل السنوات كل سنة على حدى. وتوقعات عام 2011 لم تتنبأ بشكل جيد أي شيء".

وعندما نعود إلى الوراء ونحلل التقديرات السابقة للمضاعف الكينزي، نجد أن المضاعف المالي يختلف على نطاق واسع إذا تغيرت الفترات الزمنية. في الواقع، يشير صندوق النقد الدولي في تقريره أن "تحليلا سابقا لموظفي صندوق النقد الدولي يشير إلى أن متوسط المضاعف المالي كان يناهز 0،5 في الاقتصادات المتقدمة خلال العقود الثلاثة التي سبقت عام 2009". وهذا يعني أن لزيادة أو خفض في الإنفاق الحكومي والضرائب تأثير قليل على النمو خلال تلك السنوات.

علاقة سببية

ولكن، بعد ذلك، هناك مسألة أخرى: العلاقة السببية. هذه الدراسات لا تقول لكم ماذا يسبب ماذا. هل الركود سبب ارتفاعا في العجز وزاد الديون وبالتالي أجبر الحكومات على اعتماد التقشف، أو العكس؟ بالتأكيد، لم يكن التقشف المالي هو الذي قاد إلى الركود العظيم، إنما الركود العظيم هو الذي أدى إلى التقشف المالي. رد كروغمان غير مقنع إلى حد ما- أي أنه، كما أخطأ صندوق النقد الدولي، وكان أثر تخفيض الإنفاق الحكومي أسوأ مما كان متوقعا، وهذا يدل على أن التقشف يجب أن يكون السبب والنمو البطيء أو الانكماش الاقتصادي هما النتيجة.

حسنا، هناك مجموعة من الدراسات التي تقول العكس: إن العجز الكبير في الميزانية وارتفاع الديون من شأنها أن تتسبب في تعثر نمو الناتج المحلي الإجمالي. أشهر الدراسات أجراها رينهارت وروغوف. حيث أظهرا فيها أن مستويات الدين العام كانت بين 85 إلى 90 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي (كما هو الحال في معظم اقتصاديات الدول المتقدمة)، ثم يمكن أن تستغرق المسألة سنوات (5 إلى 7 سنوات أو أكثر) لاستعادة نمو اقتصادي طبيعي. وهذا يعني أنه كلما جرى تخفيض نسب الديون العامة بسرعة، يمكن تحقيق نمو مستدام بشكل أسرع.

ولكن العلاقة السببية ليست واضحة: 1) الركود يسبب ارتفاعا في الديون، وبالتالي فإن الطريقة الوحيدة لتحقيق انخفاض الديون هو عبر تعزيز النمو (الكينزيون) أو 2) يسبب ارتفاع الديون ركودا، وبالتالي إن الطريقة الوحيدة لاستعادة النمو هو عبر خفض الديون (مؤيدو المدرسة النمساوية). الدليل أو الطريقة أو غيرها من كل هذه الدراسات ليس هنا.

لقد أجريت بحثا إحصائيا صغيرا بشأن هذه المسألة لمقارنة متوسط العجز في الميزانية إلى الناتج المحلي الإجمالي لليابان والولايات المتحدة ومنطقة اليورو مقابل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي منذ عام 1998. هذا العام، هو التاريخ الذي يعتبره معظم الاقتصاديين الفاصل حيث كسرت السلطات اليابانية النموذج الكينزي لسياسات الإنفاق الحكومي لاستعادة النمو الاقتصادي. هل نجح ذلك؟

حسنا، ما بين عام 1998 و2007 كان متوسط العجز في الموازنة اليابانية حوالي 6،9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، في حين بلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نسبة 1 بالمئة فقط. وفي نفس الفترة كان العجز في ميزانية الولايات المتحدة 2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، أي أقل بنسبة الثلث مقارنة مع اليابان، ولكن كان نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي 3 بالمئة في السنة، أي ثلاث مرات أسرع من اليابان. في منطقة اليورو كان العجز في الميزانية أقل وكان بحدود 1،9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ولكن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي كان لا يزال عند متوسط 2،3 بالمئة بالسنة، أي أكثر من ضعف النسبة المسجلة في اليابان. إذا المضاعف الكينزي لا يبدو أنه يقوم بعمله في اليابان على مدى 10 سنوات. مرة أخرى، في فترة طفرة الائتمان بين 2002- 2007، كان متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في اليابان أدنى مستوى على الرغم من أن العجز في الميزانية كان أعلى من ذلك المسجل في الولايات المتحدة أو منطقة اليورو.

يقيس المضاعف الكينزي تأثير زيادة أو نقصان الإنفاق (الطلب) على الدخل (الناتج المحلي الإجمالي). ولكن هناك المضاعف الماركسي. هنا العلاقة السببية تقوم بين الأرباح والاستثمار الرأسمالي ومن ثم بين الاستثمار وتوظيف العمال، والأجور والاستهلاك. الإنفاق والنمو في الناتج المحلي الإجمالي مرتبطان بمتغيرات ربحية الاستثمار، وليس العكس. المضاعف الماركسي يقيس التغيرات في الربحية، وبالتالي تأثيرها على الاستثمار والنمو.

الربحية

وإذا كان المضاعف الماركسي هو الطريق الصحيح لقراءة الاقتصاد الحديث، بالتالي يجب أن ننظر إلى مدى تأثير الإنفاق الحكومي وزيادة الضرائب أو خفضها على زيادة أو انخفاض الربحية. إذا لم يحصل ذلك، فإن أي زيادة في المدى القصير في الناتج المحلي الإجمالي بسبب زيادة الإنفاق الحكومي لن يكون إلا على حساب فترة أطول من النمو المنخفض والعودة في نهاية المطاف إلى حالة الركود.

إذا كان المزيد من الإنفاق الحكومي يذهب أساسا إلى التحويلات والرعاية الاجتماعية، والتي من شأنها أن تخفض الربحية، ويزيد تكلفة على القطاع الرأسمالي ولا يضيف أي قيمة جديدة على الاقتصاد. إذا سارت الأمور لصالح الخدمات العامة مثل الصحة والتعليم (الرأسمال البشري) فإنه قد يساعد على رفع إنتاجية العمال مع الوقت، ولكنه لن يساعد الربحية. إذا سارت الأمور لصالح المزيد من الاستثمارات الحكومية في البنية التحتية، فإن ذلك قد يعزز الربحية في تلك القطاعات الرأسمالية الحاصلة على العقود، ولكن إذا دفعت هذه الأموال بفعل فرض ضرائب مرتفعة على الأرباح، فإن ذلك لن يحقق ربحا بشكل عام. وحتى لو جُمِعَ التمويل من الضرائب على الأجور أو تخفيض بعض الإنفاق فإن ذلك سيرفع فقط الربحية الإجمالية إذا كانت ستكون من نصيب القطاعات ذات نسبة أقل من رأس المال للعمل (ليس من المعتاد في مشاريع البنية التحتية، وإذا تم تمويله عن طريق المزيد من الاقتراض، سوف يقيد ذلك الربحية بسبب ارتفاع أسعار الفائدة). إذا لا يوجد أي ضمانة بأن المزيد من الإنفاق يعني المزيد من الربحية- بل على العكس تماما.

التوقع الماركسي

لننظر الآن إلى نفس الفترة التي درستها أعلاه لملاحظة أثرها على نمو المضاعف الكينزي، من وجهة نظر المضاعف الماركسي. بعد عام 1997 بدأ معدل الربح في معظم دول العالم الرأسمالي المتقدم بالانخفاض. المضاعف الماركسي عندئذ توقع أن نمو الاستثمار سيبدأ بالتباطؤ وكذلك لنمو الناتح المحلي الإجمالي. حسنا، في السنوات الأربع التي تلت عام 1998 وصولا إلى الركود المعتدل لنمو الاستثمار الحقيقي في الولايات المتحدة عام 2001 حين بلغ نسبة 6،1 بالمئة بالسنة، في حين نشرت الحكومة ميزانية بفائض قليل وكانت نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي تبلغ 3،6 بالمئة في السنة. ولكن بعد فترة من الركود عام 2001، وأثناء فترة طفرة الائتمان في الفترة الممتدة بين عام 2002- 2007، تباطأ نمو الاستثمار الحقيقي في الولايات المتحدة إلى نسبة 2،2 بالمئة بالسنة، ولكن الحكومة نشرت ميزانية بعجز فيها بلغ معدل 3،6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي وتباطأ النمو المحلي الإجمالي الحقيقي إلى نسبة 2،6 بالمئة بالسنة. القصة عينها تنطبق على أوروبا.

حتى ما هو أكثر دلالة هو الاستثمار الرأسمالي في القطاعات الإنتاجية للاقتصاد (المتشكل من الرأسمال الحقيقي الخاص غير السكني بحسب مصطلحات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية). بين عامي 1998 و2001، ارتفع الاستثمار الحقيقي للولايات المتحدة في القطاعات الانتاجية بنسبة 7،2 بالمئة بالسنة، ولكن بين عامي 2001-2007 ارتفع بنسبة 3،5 بالمئة فقط بالسنة (أي نصف معدل الفترة الزمنية السابقة). مرة أخرى الأمر عينه حصل في أوروبا.

لا يبدو أن هناك أي دليل على أن زيادة أكبر للانفاق الحكومي أو عجزا أوسع في الميزانية سيؤدي إلى تسريع الاستثمار أو النمو الاقتصادي على مر الزمن في الاقتصادات الرأسمالية. في الواقع، الأدلة تظهر العكس في الكثير من الأحيان. المضاعف الماركسي للربحية والاستثمار يبدو أكثر إقناعا.

لا تسيئوا فهمي. هذا لا يعني أن التقشف هو السياسة الصحيحة. فالاقتراح الأخير للمديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، (وتقبض 470 ألف دولار دون أن تدفع أي ضريبة) يقول أن سياسة التقشف قد نجحت، وقد أوردت لاتفيا وإستونيا كمثلين، وكلامها يحتاج إلى الكثير من الصدق. هاتان الدولتان الرأسماليتان الصغيرتان في شرق أوروبا في حالة أفضل لأنهما تلقتا تحويلات مالية ضخمة، أكثر من اليونان (إقرأ/ي تعليقات كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي والنصف كينزي، أوليفييه بلانشارد). حوالي 20 بالمئة من ميزانية إستونيا تكون من تمويل الاتحاد الأوروبي. لم تنقذها البنوك لأنها مملوكة من السويد وغيرها من بنوك أوروبا الشمالية المهتمة بشكل كبير بالدول الاسكندنافية، حيث تحقق بشكل عام نجاحا أفضل بكثير. والدين الحكومي لم يكن أبدا مرتفعا أصلا.

ما ساعد حقا هذه الاقتصادات لتجاوز المشكلة، كما فعلوا، لم يكن التقشف المالي، إنما تدمير حقوق العمال للسماح لأرباب العمل لزيادة أرباحهم بالإضافة إلى الهجرة. هناك نسبة كبيرة من الشعب البلطيقي يهاجرون من بلادهم للبحث عن عمل في بقية دول أوروبا. وقد اختفى العمال المهرة هناك. ولاتفيا تعاني من تراجع هائل في عدد السكان، فقد فر الشباب منها. عام 1991 كان عدد سكانها 2،7 مليون نسمة، ويظهر التعداد الأخير للسكان أن عددهم قد انخفض ليبلغ مجموعهم 2 مليون نسمة، ولكن ربما أقل من ذلك بسبب استمرار الهجرة.

الحكومة البريطانية ما زالت مصرة على سياسة التقشف غير الناجعة. ولكن التقشف ليس لوحده، أو حتى الرئيسي، ما يسبب الركود الاقتصادي في المملكة المتحدة. تظهر دراسة حديثة أن التكيف المالي أكثر صرامة نسبيا في المملكة المتحدة بالمقارنة مع الولايات المتحدة وقد ساهم بأقل قليلا من نصف نسبة 5 بالمئة التي تشكل الفارق في نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بين البلدين على مدى السنوات الثلاث الماضية [ما قبل عام 2013]. السبب الحقيقي هو في فشل الاقتصاد "الريعي" ما هي عليه الرأسمالية البريطانية. الانتاجية في القطاعات الانتاجية في الاقتصاد في حالة ركود والاستثمارات فيها تنهار. أصحاب الرساميل يراكمون نقودهم، ويرسلونها إلى الخارج أو يشترون الأصول المالية. لكنهم لا يستثمرون. حتى ركود الاقتصاد الحقيقي لا يمكن للسلطات أن تفعل شيئا بشأنه لأن القطاع الرأسمالي هو المهيمن.

تراجع مستمر

السبب بأن الشركات البريطانية لا تستثمر في بلدها هو أن أرباحها لا تزال أقل بكثير من الذروة التي بلغتها عام 2007، والملفت أكثر، أن معدل الربح في القطاع الانتاجي في الاقتصاد، كالتصنيع، لا يزال في انخفاض مطرد منذ عام 1997، واليوم انخفض إلى أدنى مستوياته منذ ركود بداية الـ 1990ات.

وليس مستغربا أن تُضْرِب الشركات البريطانية عن الاستثمار.

فما هي الاستجابة السياسية الصحيحة تجاه الكساد الطويل؟ التحليل الماركسي، برأيي، يقر بأن السبب الكامن وراء الأزمة في الدرجة الأولى موجود في فشل الانتاج الرأسمالي في توليد المزيد من الأرباح. ثم، إلى أن تتمكن الرأسمالية من تدمير ما يكفي من الرأسمال القديم أو "الميت" (عمال، التكنولوجيا القديمة والشركات الرأسمالية القليلة الربح) لاستعادة الربحية وبدء كل شيء من جديد، فستعاني من ذلك. في هذا الكساد الطويل أعتقد أن الأمر يتطلب أيضا انهيارا كبيرا آخر.

يمكن على غرار الكينزية لبرامج الإنفاق الحكومية تخفيف بعض الألم عن العمال ويمكن للاستثمارات الحكومية أن تساعد في خلق فرص عمل جديدة. هذا لن يعزز الربحية، ولكن بدلا من ذلك، سيكون على حسابها. وطالما أن الرأسمالية هي الشكل السائد للانتاج الاجتماعي، فإن ذلك سيعني أن المزيد من الإنفاق الحكومي سيؤخر الانتعاش الرأسمالي، ولن يسرعه. وإذا أردنا وضع حد لحالة الركود الطويلة وتجنب الانهيار الكبير، نحن بحاجة إلى وضع حد لنمط الانتاج الرأسمالي واستبداله بانتاج اجتماعي مخطط ومسيطر عليه ديمقراطيا.

--

* نشر النص باللغة الانكليزية في موقع Socialist Review العدد 379 تاريخ نيسان/ابريل 2013

للكاتب مدونة: thenextrecession.wordpress.com