باولو فريري..معلم و ثائر


مارك مجدي
2016 / 7 / 10 - 10:14     

باولو فريري,
متدين و معلم و ثائر.
ينتمي باولو فريري الي مدرسة فكرية مختلفة في الفكر اليساري , حيث دار حول افكارة نقاشات عديدة في الاحزاب و الحركات اليسارية الاوروبية و اللاتينية , فمنهم من وصفها بالتحريف و الاصلاحية و منهم من تصور فيها طريق الخلاص الذي لم يعد حزب الطليعة الثورية يمثلها نظرا لتغييرات عالمية عديدة اهمها انتهاء عصر الثورة الصناعية و بداية عصر الثورة التكنولوجية و المعلوماتية و تعاظم تاثير العولمة علي الثقافات المحلية . يعتبر فيريري اهم من اسهم في النهضة التعليمية لامريكا اللاتينية , كما طور تكتيكات مهمة ليستخدمها اليسار لنشر افكارة .
فمن ماركس و انجلز و لينين و لوكاش و مفكري مدرسة فرانكفورت و جرامشي و المدرسة البنيوية يصبح باولو فريري الوريث الحقيقي و المطبق العملي لمجموع افكار تنتصر للتغيير , فكما كان يدعو فريري للتعليم النقدي بالتاكيد لم تسلم افكار اليسار من نقدة الذي كان يهدف الي تجديد الفكر اليساري , اختلف كثير من اقطاب الفكر اليساري مع فريري في مسائل عديدة منها الفكرية و منها التكتيكية , فقد كان فريري مسيحيا لدية منظورا مختلف عن الله و الدين , حيث اعتقد ان الدين اصبح اسيرا لليبرالية الجديدة يرسخ الي الاتكالية و القدرية و الطبقية بينما الجوهر الحقيقي للدين عكس ذلك تماما .
نشأـة و حياتة :
ولد فريري عام 1921 ونشأ في مدينة رسيفي شمال شرق البرازيل ، كان أبواه ينتميان للطبقة الوسطى، لكنهما كانا يعانيان من مشاكل مالية ضخمة خلال فترة الركود الاقتصادي، وهو الأمر الذي جعل فريري يعايش الفقر والجوع منذ نعومة أظفاره. وبعد تحسن أوضاع الأسرة استطاع فريري أن يلتحق بكلية الحقوق في جامعة ريسيف، وفي الجامعة قام بدراسة الفلسفة وعلم نفس اللغة، بجانب دراسته الأساسية للقانون، بينما كان يقوم بالعمل لبعض الوقت كمدرس للغة البرتغالية في إحدى المدارس الثانوية، وفي نفس تلك الفترة أيضا انهمك في قراءة أعمال ماركس وعدد من المفكرين الكاثوليكيين أمثال ماريتين وبرنانوس ومنير الذين أثروا تأثيرا قويا في فلسفته التعليمية.
حصل على الدكتوراه سنة 1959 في تعليم الكبار، وعين منسقًا لمشروع محو أمية الكبار في المدينة نفسها، ونجح مشروعه نجاحًا كبيرًا، ولكن قبض عليه بعد قيام الانقلاب العسكري في مدينة البرازيل سنة 1964، فقد استشعروا خطر طريقته المفجرة للوعي أثناء محو أمية الكبار، ونفي خارج البرازيل بعد سجنه.
استقر فريري ببوليفيا بعد نفيه، وعمل مستشارًا لدى وزارة التربية ، ولكن انقلابا عسكريا جديداً دفعه إلى الفرار إلى شيلي، والتي أقام فيها قرابة خمس سنوات، وعمل في المكتب الخاص لتعليم الكبار ، وأستاذًا بالجامعة الكاثوليكية ومستشارًا خاصًا لدى مكتب اليونسكو الإقليمي بسنتياجو، وهناك قام بتحليل موضوعي: «الغزو الثقافي» الذي يتخفى مع التقنية الأمريكية المستوردة ، وموضوع «الإرشاد في الوسط الريفي». وأكد على مفهوم الاتصال المرتبط بالثقافة، وأن سبل التعلم ألا تتعارض المعرفة الجديدة مع الواقع المعيش، وشجع الحوار بين الفلاح والعالم الزراعي. سافر فريري إلى الولايات المتحدة عام 1967 ليلقي عدة محاضرات ، ثم تلقى عرضًا من المجلس المسكوني للكنائس بجنيف للعمل مستشارًا به، حيث أسس معهد العمل الثقافي، وفي عام 1975 تلقى دعوة من وزير التربية بغينيا بيساو للمساعدة في حملة قومية لمحو الأمية، فوجدها فرصة لتطبيق أفكاره ، كما عمل أيضًا في ساو تومي برنسيبي موزمبيق وأنجولا ونيكارجوا، ثم عاد إلى البرازيل نهائيًا في مارس 1980.

رؤيتة و افكارة حول التعليم النقدي :
"التعليم لا يكون محايدًا. إما أن يكون تعليما للحرية أو تعليما للاستعباد"

يرى فريري أن التعليم السائد في العالم الثالث هو التعليم المصرفي او البنكى، الذي يتحول الطلاب فيه إلى مصارف يقوم فيه الأساتذة بإيداع معارفهم، هو انعكاس لمجتمع القهر، وهو ما يقلل الإبداعية عند الطلاب ، من أجل خدمة أغراض القاهرين، ولا يطرح هذا النوع من التعليم حقائق العلم من وجهة نظر نقدية، بل يحول العلم الي المسلمات و يدخل في المتلقي روح الاستسلام لما هو سائد.
و تكمن عبقرية باولو فريري في طرحة للبديل عن التعليم التلقيني، تعليم القهر ، و هو التعليم الحواري الناقد مفتاح التغيير ، ذلك الحوار الذي يؤمن بإيجابية المتعلمين وإنسانيتهم ، بحيث يدخلون في علاقة حوار دائم مع المقهورين، وتتكفل هذه العملية بتخليص المتعلمين من الأوهام والأساطير التي صورها وصاغها النظام القديم .حيث ان وظيفة التربية إذن هي تنمية النقد والحوار، وتدريب الوعي الناقد ، لأنه يسلم بأن عقل الإنسان قادر على كشف الحقيقة. وانتقد فريري "ثقافة الصمت" الشائعة في بلدان العالم الثالث، في شكلين للتربية: تربية القهر، وتربية الحرية، وتطور هدف التربية عنده من التحرر الثقافي للإنسان إلى الإسهام في تغيير البنية تغييرًا جذريًا.

يري باولو فريري نفسه كمعلم رافضًا كل توجه نحو امتلاك الحقيقة المطلقة ، وحيث يتوجه إلى المعلم بصورة مباشرة لينقل إليه تجربته وقناعاته الفكرية بعد هذه الخبرة الخصبة . السؤال الأساسي الذي يحاول ان يجيب عنه فريري هو: ما الذي يجعل المعلم معلمًا ؟
يدمج فريري مكونات تربية الحرية وشروطها في الممارسة التعليمية من أخلاقيات ، والمكون الديمقراطي ، ومقاومة الشجاعة المدنية في مواصفاتها من أجل صياغة مجتمع جديد تستند إلى رؤية تقدمية تؤمن بأن الإنسان صانع تاريخه.
يقول فريري: " إن القيام بالممارسة التربوية بشكل عاطفي بهيج لا يقف دون تقديم التربية العلمية الجادة، أو دون تشكيل وعي سياسي واضح لدى المعلم. وحيث تشمل الممارسة التربوية كل ما تتضمنه من محبة، وبهجة، وجوية علمية ، وممارسة عملية في خدمة التغيير، وأيضا خدمة الحفاظ على الوضع القائم ".
و لم تقتصر اعمال و افكار فريري علي التعليم المدرسي فهو لة اهم بصمة في تاريخ تعليم الكبار و محو الامية حيث وضع منهجا و طريقة تطبيقية لتعليم الكبار بما يتماشي مع حياتهم اليومية و مطلبات مرحلتهم العمرية المتقدمة , فيعتبر فريري هو المسئول الاول عن انهاء الامية في امريكا اللاتيية .
اهم مؤلفاتة :
_ تربية القلب في مواجهة الليبرالية الجديدة .
_الاخلاق و الديمقراطية و الشجاعة المدنية .
_تعليم المقهورين .
_تربية الحرية .

توفي فريري عام 1997 تاركا ورائة تاريخ فكري و نضالي حافل , يغفل عنة كثير من اليساريين العرب نظرا لقطيعة اليسار العربي مع المدارس الفكرية اليسارية المختلفة .