ملامح الحرب الباردة الجديدة بين روسيا والغرب


فالح الحمراني
2016 / 7 / 8 - 15:11     


ملامح الحرب الباردة الجديدة بين روسيا والغرب
فالح الحمراني


يتحدث الخبراء من فترة طويلة عن بداية حرب باردة جديدة بين روسيا والغرب الذي تتزعمه الولايات المتحدة. والكلام يدور على وجه الخصوص عن سمات هذه الحرب واحتمالات تداعياتها على الامن الدولي والاقليميK وبالتالي ما الذي يميزها عن الحرب الباردة التي استمرت من 1945 وحتى ان وضع انهيار الاتحاد السوفياتي في بداية التسعينات حدا لها.
وتشير كافة الدلائل الى ان الفترة الحالية تشهد تصعيد المواجهة بين روسيا والغرب، ولكن اسبابها تختلف عن تلك التي دفعت للحرب الباردة السابقة. فاليوم تجري عملية اقتسام الاسواق الدولية ومناطق النفوذ، اي ان الاسباب الرئيسية على الاغلب اقتصادية وجيو سياسية وليست ايديولوجية (عقائدية). لقد كانت الحرب الباردة الكلاسيكية ليس فقط بين روسيا والغرب. وليس فقط بين دول حلف وارسو المنحل ودول حلف الناتو التي كانت الجبهة الأمامية في المواجهة. لقد كانت المواجهة بالاساس بين نظامين ، اشتركي ورأسمالي. وبعد عام 1991 ، وكما هو معرف، انهار احدهما. ان بعض الدول التي مازالت تتمسك " بالنهج الاشتراكي" لكنها لم تعد تؤلف نظاما موحدا.
ومازالت باقية الكثير من تركات عصر الحرب الباردة ، مثل انتشار اسلحة الابادة الجماعية، على خلفية تعاظم واشتداد مشاكل جديدة التي لم تحتل تكن سابقا الصدارة كالارهاب مثلا. ان الغرب يسعى للهيمنة على الساحة الدولية ويتصدى لروسيا كقوة صاعدة تسعى لأن تكون قطبا مستقلا، ينبغي احترام موقفه ومصالحه على الساحة الدولية.
وترى موسكو ان التوجه نحو حرب باردة ابتدأ منذ 1989 ، وتربطها بنهج السياسة الامريكية التي تقول انها تبغي ان تكون القطب الوحيد في العالم والتحكم بالقرار الدولي، وتسول لنفسها التدخل العسكري في شئون الدول الاخرى كما حدث في يوغسلافيا والعراق وافغانستان وليبيا. وقال الرئيس بوتين " اذا استمر الناتو في تصوير روسيا كعدو، ومضى بتحشيد قدراته العسكرية في تخوم روسيا، فان العالم سنزلق في حرب باردو جديدة." وعلى حد تقيم الرئيس الروسي فان تأجيج الاحداث في اوكرانيا " والخطوات التي تلتها كانت من بين قضايا اكثر تهدف الى البرهنة على اهمية وجود الحلف نفسه." ويرى بوتين "ان الاطلسي بحاجة لوجود عدو خارجي. وبخلافه فما هي الحاجة للحلف،حيث لم يعد موجود حلف وارسو ولم يعد وجود للاتحاد السوفياني. فضد من هو؟" (حلف الناتو). وتساور روسيا ايضا المخاوف من نشر الولايات المتحدة نظام الدفاع المضاد للصواريخ في دول اوروبا الشرقية. وقالت انها ستتخذ خطوات الرد حال دخول النظام حيز التنفيذ. وتستعد لنشر صواريخ متوسطة المدى في اقليم "كالينين غراد" الواقع على بحر البلطيق مقابل اوربا.
وترصد موسكو بقلق ان سفن الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو راحت في الاونة تكثف من حضورها في سواحل البحر الاسود وبحر البلطيق وان طائرات قوات السلاح الجوي الامريكية تحلق باستمرار على قرب الاجواء الروسية وترسل البيانات التجسسية، كما كانت تفعل في فترة الحرب الباردة.
من وجهة نظر الولايات المتحدة ان النظام الدولي الحالي ظهر بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وان روسيا في النظام الجديد الذي حل محل عالم القطبين والحرب الباردة، لا تمتلك حقوق متبقية ولا امتيازات، ويحق للدول ان تختار بنفسها الاحلاف والروابط التي تنضم لها. ان نظام القطب الواحد الذي هيمنت عليه الولايات المتحدة اتاح لدول حلف وارسو المنحل الانضمام للناتو بزعم حماية نفسها من "النقمة الروسية." وبهذا يتضح الخلاف بين موسكو والغرف حول الاتفاق على تجميد الحالة التي كانت قبل انهيار الاتحاد السوفياتي.
كما تتجلى مؤشرات الحرب الباردة الجديدة، في تباين سياسة الطرفين ازاء اوكرانيا وسوريا. وتقول روسيا انها ترد وحسب على التهديدات الخطرة على امنها وعلى مصالحها الوطنية التي تشكلها سياسة واشنطن ضيقة الافق والمزعزعة للاستقرار. ففي اوكرانيا تقوم بحماية منطقة مصالحها الحيوية من دخول الغرب، وفي سوريا تعرقل تغيير النظام بالقوة، الذي ستعقبه الفوضى كما حصل في ليبيا، وتتصدى لمخاطر الارهاب الفعلية من قبل الدولة الاسلامية وتدافع عن الحكومة السورية المشروعة.
وتنظر واشنطن في تصرفات روسيا من منظار آخر. فبرأي الولايات المتحدة ان سياسة موسكو هي التي تزعزع الاستقرار، وان تحرك روسيا في اوكرينا وخاصة انضمام القرم هو تحدي خطير للنظام الدولي وانهيار قاعدة عدم تغيير الحدود من طرف واحد، كما ترى في دعم الرئيس الاسد في محاربة الدولة الاسلامية، على انه عامل في تعميق ازمة اللاجئين الناجمة عن استمرار الحرب الاهلية في سوريا.
ولا يستبعد المراقب العسكري "الكسندر شاركوفسكي" في مقالته " الحرب الباردة بدأت" اندلاع نزاعات قصيرة الاجل بين روسيا والناتو. ويقول ان خطورة ظهورها مشروط بالنشاط العسكري للطرفين وتركيز القوى بصورة مفرطة في منطقة البلطيق الصغيرة. ولكنه في الوقت نفسه يستبعد تطور الوضع هناك الى حرب واسعة.