حول الخطين المتعاديين في الحركة النقابية العالمية (فيليب كوتا)


محمد علي الماوي
2019 / 4 / 9 - 09:51     

لقد بدا في الربع الاخير من القرن التاسع عشر يظهر في صلب الطبقة العاملة خطان مختلفان اخذا في التباعد تدريجيا هما: الخط الانتهازي وخط صراع الطبقات البروليتاري.ولذلك عندما اصبحت الحركة العمالية والنقابية تمثل قوة منظمة اكتسبت وزنا اكبر على الصعيد السياسي والاجتماعي.ويشكل هذان الخطان المتناقضان اليوم كما كانا بالامس ارضيتين سياسيتين وايديولوجيتين مختلفتين.
-1 الخط الاصلاحي والانتهازي
لقد حددت سلسلة من الظروف الموضوعية الاقتصادية منها والاجتماعية نشأة الانتهازية والاصلاحية وتطورها في صفوف الحركة العمالية والنقابية ويمكن ان نذكر منها:
اولا: ظروف تطور الراسمالية السلمي نسبيا وقت لم تكن كل التناقضات الملازمة للمجتمع الراسمالي بعد ظاهرة بنفس الحدة التي ستكون عليها في مرحلة بعد الازمة العامة للراسمالية وجنت البرجوازية من استغلالها البلدان المستعمرة استغلالا وحشيا ونهبا فضيعا ارباحا طائلة.فقد ادى تطور الراسمالية السريع –ولو انه تطور صاحبته ازمات-الى تحسين ظروف الطبقة العاملة تحسينا نسبيا ووقتيا من ذلك:تخفيض ساعات العمل,وزيادة الاجور,واقرار قوانين صيانة العمل والضمان الاجتماعي وغيره...وهكذا مثلا فان اجور الجمهور العريض من الشغالين في المانيا ارتفعت بنسبة 15 بالمائة خلال العشرية الاخيرة من القرن التاسع عشر اما اجور الشغالين المختصين فقد ارتفعت بنسبة 50بالمائة
ثانيا:
ان صغار المنتجين- وهم الشرائح العريضة من الحرفيين والفلاحين والبرجوازية الصغيرة المتدهورة اوضاعها-التحقوا اثر تطور الملكية الراسمالية الكبرى بالبروليتاريا فضخموا صفوفها وعفنوا-تحت قوة ضغط البرجوازية وايديولوجيتها- الطبقة العاملة والحركة النقابية بافكارهم البرجوازية الصغيرة ونشروا بينها الاضطراب والفوضى والتردد.كما جلبت هذه الشرائح الجديدة المتسربة الى صفوف الطبقة العاملة مفاهيم واوهاما اصلاحية.
ثالثا:
ان قسما من العمال وهو مايعرف بارستقراطية الطبقة العاملة افسدته البرجوازية فشكل نخبة انفصلت عن جمهور الطبقة العاملة واصبحت-من حيث وضعها الاقتصادي وطريقتها في التفكير-لاتختلف الا جزئيا عن البرجوازية اذ هي تمثل في الواقع مصالح البرجوازية وتصورها للعالم وقاعدتها الاجتماعية وسندها الاساسي في الحركة العمالية والنقابية.
وهكذا فان الذي افضى الى ميلاد التيار الانتهازي الاصلاحي وتطوره وبروز ارضية سياسية للطبقة العاملة والحركة النقابية هي الاوضاع التالية: اولها الظروف المتعلقة بقانونية الحركة العمالية والنقابية وثانيها اتساع صفوفها نتيجة انضمام عديد العناصر المتأتية من البرجوازية الصغيرة وثالثها جو انتصارات بعض الاحزاب العمالية في الانتخابات حتى ان برلمانات عشر دول متطورة صناعيا كانت تضم اكثر من مائتي نائب عن هذه الاحزاب.
ورابعها بعض المكاسب الجزئية في الميدان الاجتماعي.ولقد شاهدت هذه المرحلة بعض النظريات والطرحات التي سرعان ما طبقها انتهازيون في الحركة النقابية.فاحتلت الاتجاهات الحرفية الترودونيونية الضيقة مكانة في النقابات وحصرت نشاطاتها في بعض المطالب الاقتصادية وجمع الاشتراكات بل تحولت في بعض الاحيان الى منظمات ثقافية وتعاونية واصبح مبدأ الوفاق الطبقي اساسيا في الحركة النقابية وصار "الزعماء"النقابيون يعتبرون منبر البرلمان وسيلتهم الاساسية في النضال.
-2- حول بعض المبادئ الاساسية في الحركة النقابية الطبقية
لقد كان اول من وضع للحركة النقابية الطبقية قواعدها النظرية والتطبيقية والتنظيمية هما ماركس وانجلس مؤسسا الشيوعية وفلسفة المادية الجدلية والتاريخية الثوريتين لانهما يعتبران النقابة مدرسة البروليتاريا في صراعها كما ان ماركس حدد بوضوح دور الحركة النقابية ومهامها حينما قال:"ان الترودونيونات-وهي مراكز مقاومة لتجاوزات راس المال-لتقوم بدور ناجح ,لكنها تخطئ جزئيا هدفها بمجرد كونها لاتوظف قوتها الا بقدر ضئيل من الذكاء وتخطئ تماما هدفها بمجرد كونها تقصر نشاطها على حرب مناوشات ضد نتائج النظام القائم بدل ان تعمل في نفس الوقت على تغييره وعلى استعمال قوتها المنظمة اداة تحرر الطبقة العاملة تحررا نهائيا.اي من اجل القضاء نهائيا على نظام الاجرة"(1)
لقد وضع ماركس في تقريره:"حول دور النقابات واهميتها ومهامها الذي تقدم به الى المؤتمر الاممية الاولى المنعقد سنة 1866 بجيناف الاسس الاولى في التصور الماركسي للنقابات باعتبارها منظمات طبقية من واجبها حسب هذا التقرير ان تكون مراكز تنظيم الطبقة العاملة وان تكون مهمتها النضال من اجل تحريرها الكامل ومساندة كل حركة ثورية"
فمن واجب العمال اذا الا يهوّلوا من قيمة النضال الاقتصادي (وهو ما كان يلاحظ لدى العمال الانجليز) ولا ان يستهينوا بشأنه(مثلما كان الامر لدى العمال الفرنسيين والالمان...)
فلم تكن النقابات –حسب هذا التقريرظاهرة شرعية فحسب- بل هي-زيادة على ذلك- ظاهرة لاغنى عنها لتنظيم الطبقة العاملة في مواجهة الاستغلال الراسمالي.
وقد صاغ لينين فيما بعد- في معرض تحليله لصراع الطبقات صياغة علمية برنامجا عريضا للنقابات سياسيا وايديولوجيا وتنظيميا فزاد في تطوير النظرية الجديدة للحركة النقابية الثورية ودعمها بحجج نظرية وحدد لها مايجب ان تضطلع به من دور ووظائف ومهام طوال المراحل الثلاث:مرحلة الامبريالية ومرحلة التحول من الراسمالية الى الاشتراكية ومرحلة بناء المجتمع الاشتراكي.فقد كان لينين يعتبر النقابات في مرحلة الراسمالية منظمات اساسية بالنسبة للطبقة العاملة –فهي مراكز مقاومة وتنظيم ووحدة في مواجهة البرجوازية كما انها تدرب من اجل ان يتربى العمال تربية طبقية حيث يكوّنون وعيهم الطبقي ويطوّرونه ويناضلون بحزم ضد الاستغلال والاضطهاد الراسماليين.
كما ابرز لينين- في معرض رفضه للطرح الاصلاحي والانتهازي حول "حياد" النقابات تجاه احزاب الطبقة العاملة السياسية – ضرورة ان لاتبقى النقابات بعيدة عن الايديولوجيا والسياسة بل يجب ان يكون لكل منظمة ولكل حركة اجتماعية مفاهيمها الخاصة السياسية والايديولوجية المناسبة للطبقة التي تمثلها.
وهكذا اذا يحتم على النقابات –وهي منظمات الطبقة العاملة ان تسيّرها الايديولوجية البروليتارية. ويواصل لينين:"ان العمل في النقابات يجب ان لايسير في اتجاه الحياد وانما في اتجاه اوثق فاوثق صلة بين النقابات والحزب الاشتراكي الديمقراطي"(2)
فقد كان لينين يعتبر النقابات حلقات صلبة واداة رابطة بين الحزب وجماهير الشغالين العريضة كما ان الحزب البلشفي في روسيا هو الذي اسس الحركة النقابية الثورية وذلك بخلاف مما كان في غيرها من البلدان الراسمالية الاخرى.
كما قاد لينين من ناحية اخرى نضالا لاهوادة فيه ضد الانحراف النقابي والانحراف الفوضوي في صفوف الحزب الشيوعي البلشفي وتمثل هذين الانحرافين الجماعة المسماة ب"المعارضة العمالية"التي كانت تعتبر النقابات الشكل الارقى لتنظيم الطبقة العاملة وتعتبر ان تسيير كل الاقتصاد الوطني يجب ان يوكل الى "مؤتمر المنتخبين الروس" المجتمعين في النقابات.
اما بعد الثورة الاشتراكية العظمى فقد وضح لينين للمرة الاولى الضرورة التاريخية للنقابات في ظرف ديكتاتورية البروليتاريا وحدد دورها ومهماتها في مرحلة بناء المجتمع الاشتراكي باعتبارها منظمات تشمل اوسع جماهير الطبقة العاملة....
وهكذا فان لتعاليم لينين-نظرا الى ما فيها من صحة وقدرة على مواكبة العصر- كبير الاهمية النظرية والتطبيقية في الحركة النقابية سواء بالنسبة الى البلدان الراسمالية او البلدان الاشتراكية. ان لها قيمة شاملة الى يومنا هذا قيمة اكدتها التجربة ونضال الحركة العمالية والنقابية عل الصعيد العالمي وتاريخهما كما اكدتها الممارسة الاشتراكية وبناؤها بالاتحاد السوفياتي بقيادة لينين وستالين من بعده.
(1)تقرير الندوة التاسيسية للجامعة النقابية العالمية ص 323
منشورات كنفدرالية الشغل العاملة الايطالية ض36
(2)تقرير الندوة النقابية العالمية "كونتي هول" لندن 1945 –الطبعة الفرنسية
(ترجمة من كتاب "خطان متقابلان صلب الحركة النقابية العالمية- فيليب كوتا)
يحتوي الجزء الاول على العناوين التالية:
ظروف نشأة الطبقة العاملة والحركة النقابية وتطورها-
-مختلف تيارات الحركة النقابية العالمية وسمات تطورها:-الترودونيونية-الفوضوية النقابية-
التعدد النقابي-
-الاممية البروليتارية والتضامن العمالي:مبادئ اساسية في الحركة النقابية الطبقية
-الجامعة النقابية العالمية...