من المستفيد من الانتخابات المُعادة في اسبانيا؟


مرتضى العبيدي
2016 / 7 / 2 - 18:21     

خلال شهر ماي 2015، وعلى خطى حزب سيريزا في اليونان، أحدث حزب بوديموس ولم يكن مضى على تأسيسه سوى عام نصف المفاجأة في الانتخابات البلدية والمحلية في اسبانيا حيث فاز برئاسة بلديات كبرى المدن الاسبانية، مدريد وبرشلونة. وأكّد تلك النتائج بفوزه في شهر ديسمبر من نفس السنة بـ 69 مقعدا في الانتخابات البرلمانية التي شارك فيها للمرة الأولى، محطّما بذلك أسطورة الاستقطاب الثنائي التي جعلت الحزبين الكبيرين حزب الشعب اليميني والحزب الاشتراكي الموحّد يفرضان سيطرتهما على المشهد السياسي في البلاد طيلة أربعين سنة أي منذ انتهاء نظام فرانكو الديكتاتوري.
وبما أن أيّ من الأحزاب الأربعة الأولى لم يحصل على أغلبية مطلقة، وبما أنّ برامجها متناقضة، فقد تعذر تشكيل حكومة تُحظى بثقة البرلمان طوال الستة أشهر الماضية، وتكفلت الحكومة اليمينية المتخلية بتسيير شؤون البلاد إلى أن قرّر الملك فيليبي السادس في شهر أفريل الماضي حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة في السادس والعشرين من الشهر الجاري. وقد توقّعت معاهد سبر الآراء إلى آخر لحظة من العملية الانتخابية أن يحقق حزب بوديموس تقدّما ملحوظا مقارنة بانتخابات شهر ديسمبر، وأحلّته جميعها بالمركز الثاني وراء حزب الشعب اليميني الذي أنهكته خاصّة قضايا الفساد التي علقت بعدد كبير من قيادييه وآخرهم وزير الداخلية في حكومة تسيير الأعمال المتخلية.

نتائج معاكسة للتوقعات

إلا أن النتائج المصرّح بها بعد عمليات الفرز جاءت مخالفة لعمليات سبر الآراء المذكورة بما فيها تلك التي أنجزت يوم الاقتراع عند مغادرة الناخبين لمكاتب الاقتراع والتي توقعت حلول بوديموس في المرتبة الثانية بعد حزب الشعب اليميني وأمام الحزب الاشتراكي ذي التاريخ الحافل والبالغ من العمر 137 سنة، ليصبح الحزب الآتي من "حركة الغاضبين" قوّة المعارضة الأولى في البلاد. فكيف كانت النتائج؟
ـ حلول الحزب الشعبي في المرتبة الأولى بحصوله على 33% من الأصوات و 137 مقعدا. وهو وإن لم يسترجع نتيجته المحققة في 2011 أي 44,7% و186 مقعدا أي الأغلبية المطلقة التي مكنته من الحكم بمفرده وتطبيق سياسته التقشفية والموغلة في الليبرالية، فإنه استعاد شيئا من عافيته بزيادة 14 مقعدا مقارنة بانتخابات ديسمبر 2015 وخاصة 700 ألف صوت إضافي، في الوقت الذي كان الجميع ينتظر انتكاسة جديدة لهذا الحزب تجعله بالكاد يحافظ على مركزه الأول.
ـ محافظة الحزب الاشتراكي الموحد على المركز الثاني بحصوله على22,7% من الأصوات و 85 مقعدا فقط أي بخسارة 5 مقاعد و100 ألف صوت مقارنة بانتخابات ديسمبر الماضي، وهو الذي تصدّر لائحة الانتخابات في عديد الدورات السابقة.
ـ حلول حزب بوديموس المتحالف هذه المرّة مع حزب "اليسار الموحّد" سليل الحزب الشيوعي الاسباني المجيد في المركز الثالث بحصوله على 21,1% من الأصوات و71 مقعدا أي بنفس عدد المقاعد التي كسبها الحزبان في الانتخابات الماضية (69 + 2) لكن بخسارة في الأصوات تقدّر بأكثر من مليون صوت. وفي أوّل تصريح له إثر الإعلان عن النتائج، قال بابلو إغليزياس: "لسنا راضين عن هذه النتائج، كنا نتوقّع الأفضل. لكن الأدهى والأمرّ هو حصول الحزب الشعبي على أصوات ومقاعد إضافية".
ـ حلول حزب "سويدادانوس" (مواطنون) وهو حزب حديث العهد يتموقع في وسط اليمين في المركز الرابع بـ 13% من الأصوات و 32 مقعدا أي بخسارة 8 مقاعد.
هل تسمح النتائج المعلنة بتجاوز حالة التعطّل التي تشهدها البلاد؟
إن النتائج المعلنة لا تختلف كثيرا عن سابقتها، إذ أنّ أيّا من الأحزاب الأربعة الأولى لم يحصل على الأغلبية المطلقة (176 مقعدا) التي تمكّنه من الحكم بمفرده. كما أنّ إمكانيات قيام ائتلاف حكومي ما ضعيف جدّا. فالتوجّه العام الذي قاد الناخبين الأسبان في انتخابات شهر ديسمبر أي الرغبة في تجديد المشهد السياسي والقطع مع هيمنة الحزبين الكبيرين مازال قائما. لذلك واصل التصويت بنسب محترمة للحزبين الوافدين حديثا: حزب بوديموس اليساري وحب "مواطنون" اليميني.
كما أن إمكانية تحالف الحزبين اليمينيين الأول والرابع يبقى ضعيفا، لرفض حزب "سويدادانوس" التحالف مع الحزب الشعبي إذا ما كلف هذا الأخير رئيسه ورئيس الحكومة المتخلية بتشكيل الحكومة. وهو وإن كان يساند السياسة الليبرالية لحزب "روخوي" فهو على طرفي نقيض معه بخصوص قضايا الفساد. وحتى في صورة التحالف فإن مجموع المقاعد التي حصلا عليه لا يوفّر لهما أغلبية مطلقة (133+32= 165).
كما أنه يصعب على حزبي اليسار اللذين احتلا المركزين الثاني والثالث إقامة ائتلاف قادر على الحكم نظرا للاختلاف العميق في البرامج ونظرا كذلك لكونهما وجّها السهام لبعضهما البعض خلال الحملة الانتخابية أكثر من توجيهها إلى أحزاب اليمين المنافسة. فالحزب الاشتراكي الذي يدافع على سياسة اقتصادية ليبرالية لا تختلف إلا في الجزئيات مع سياسة الحزب الشعبي، يرفض رفع قطعيا ما وعد به حزب بوديموس ناخبيه من وضع حد لسياسة التقشف وللفساد المستشري في البلاد وفي أجهزة الدولة ومن إعطاء دفع للنفقات الاجتماعية. كما أن نقطة خلاف أخرى جوهرية منعت تقاربهما بعد انتخابات ديسمبر تتعلق بحق تقرير المصير لشعب كاتالونيا الذي يؤيّده بوديموس ويرفضه الحزب الاشتراكي رفضا قطعيا. ومن ناحية أخرى فإن مجموع مقاعد الحزبين (85+71= 156) لا يوفّر لهما كذلك الأغلبية المطلقة.

ما الحلّ إذن؟

ويبقى الحلّ إذن في ما التزمت به جميع الأحزاب قبل خوض الانتخابات (وهو مجرد التزام أخلاقي) في عدم اللجوء إلى تعطيل عمل الحكومة مهما كان لونها وعدم الاضطرار إلى دعوة الشعب الاسباني إلى انتخابات ثالثة في حيّز زمني لا يتجاوز السنة. فمن المتوقع أن يصادق البرلمان الذي يجتمع في جلسته الأولى في التاسع عشر من جويلية على تشكيل حكومة أقلية يكون رئيسها من الحزب المتصدّر للائحة الانتخابية أي الحزب الشعبي وأن لا تعطّل تشكيلها بقية الأحزاب التي وإن لن تمنحها الثقة، فإنها لن تعارض قيامها وذلك باحتفاظ نوّابها بأصواتهم عند منح الثقة.

ما الذي جعل الحزب الشعبي يحافظ على موقعه ؟

ثلاث عوامل أساسية
ـ نسبة مقاطعة مرتفعة إذ أنّ نسبة الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم لم تتجاوز الـ 52% من جملة الـ 36 مليون ناخب، ومن المعلوم تاريخيا أنّ ناخبي اليسار هم الأكثر قابلية لممارسة المقاطعة كلما تراءى لهم عدم جدوى العملية الانتخابية وهو ما يفسر خسارة تحالف بوديموس واليسار الموحد لأكثر من مليون صوت من أولئك اللذين منحوهم الثقة في شهر ديسمبر الماضي.
ـ بعد السنوات العجاف التي تلت أزمة 2008 والتي تضرّرت منها اسبانيا ايّما ضرر، أمكن لحكومة ماريانو روخوي تحقيق نسبة نموّ قدّرت بـ 3,2% سنة 2015 وهو ما اعتبر في حدّ ذاته إيجابيا رغم أنها لم تقدر على خفض نسبة البطالة التي مازالت تقدّر بـ 21% من جملة اليد العاملة النشيطة في بلد يُعدّ القوة الاقتصادية الرابعة في الاتحاد الأوروبي، كما أن 22% من الشعب الاسباني مهدّد بالنزول تحت عتبة الفقر.
ـ محتوى الحملة الانتخابية ذاتها وطريقة خوضها إذ أن اليمين خاضها بشعارات بسيطة: من أجل المحافظة على نسبة النمو التي بلغت 3,2% المحققة سنة 2015 بعد سنوات عديدة من الأزمة، ضدّ السياسات الشعبوية التي ينادي بها "المتطرفون" (بوديموس) والشيوعيون (اليسار الموحّد)، ضدّ تهديد وحدة البلاد (في إشارة إلى الاستفتاء حول إسناد الحكم الذاتي لمقاطعة كاتالونيا الذي وعد به بوديموس في حالة فوزه).
وممّا لا شك فيه أن نتائج الاستفتاء في المملكة المتحدة الذي أدّى إلى خروجها من الاتحاد الأوروبي كان لها وقع مباشر على هذه الانتخابات إذ مباشرة بعد الإعلان عن نتائج الاستفتاء شهدت اسبانيا ارتفاعا في خدمة الدين العام بـ 5,1% كما شهد مؤشرها في البورصة انخفاضا بـ 12%. وهو ما قد يكون قد أثر سلبا على الناخبين وجعلهم يفضلون الاستقرار ولو يمينا عن "التجديد" غير محسوب العواقب.