هل مصر علي أبواب انقلاب عسكري ؟


محمد دوير
2016 / 6 / 27 - 08:46     

بالعين المجردة ، يبدو أن الأوضاع في مصر غير مستقرة ، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ، وأن نسبة رضا الناس علي آداء الحكومة والرئيس والمعارضة تهبط بمعدلات سريعة ، ويبدو أن الأفق ضبابي بما لا يسمح بتوقع خطوات المستقبل القريب ، فلا أحد يعلم الحقيقة في أي شيء ، فقط تكهنات وتشظي وخدع سياسية ومناورات وألعاب سيرك تعزف علي أوتار مخيفة منها شبح سوريا والعراق ، وهياكل وأصنام لشخصيات ساهمت فيما وصلت إليه الأمور الآن .. وحالات تشيع وتشنج أقيمت علي معايير خيالية ، ووصلات مديح في غير أهله وذم فيما لا يستحق وتشويه متواصل وسب وقذف وانحلال غير مسبوق وتوتر متلاحق يصعب السيطرة عليه ، وخيانات علنية ، وأنين عالي الصوت من هؤلاء القابعين في أدني السلم الاجتماعي مصاحب بتفاوت طبقي يصرخ في وجوهنا ، ودعوات هجرة لا تنقطع . إنها سحابات سوداء تضيق الخناق علي أي قيمة ممكنة ، أو أي تصور عقلاني لبناء مستقبل يشارك فيه من يؤمن بالدولة المدنية.
والسؤال الآن .. هل هذه الحالة هي مقدمة لانقلاب عسكري صريح وواضح المعالم يخرج علينا ذات ليلة ببيان يقول فيه .. بني وطني ..لقد تفشي الفساد في البلاد ، وتدهورت أحوال الناس بسبب قلة حاولت احتكار السلطة والثروة ومقاليد الأمور وسيرت دفة الحياة السياسية كما تريد ، وجاءت اللحظة التي ادركت فيها قواتكم المسلحة أنه لابد من تدخلها حتي لا تزداد الأمور سوءا .....الخ "...
اعتقد أنه لا مجال لانقلاب عسكري بهذا الوضوح ، فلا الوضع الدولي يسمح به ، ولا الشارع السياسي مستعد لتحمل تبعاته ، ولا كاهل الوطن بقادر علي تحمل المسئولية التاريخية عن مزيد من تدخل الجيش في السياسة الي حد تعطيل الدستور وحل الأحزاب السياسية وايقاف كل ما من شأنه المشاركة في تفعيل الحياة السياسية العامة وما يترتب عليها ..بيد أن مثل هذه الاستحالة لن تحل مشكلة الشرايين المسدودة للمجتمع ، ولن تصل بنا الي تنامي الرغبة في الحل الديمقراطي والبحث عن بناء جسور ثقة بين الشعب والسياسة ، وجسور مصداقية بين النظام والمعارضة ، وخلق مناخ ملائم لمحاربة الفساد واعادة النظر في منظومة القوانين المرسخة للتفاوت الطبقي ...فلا الانقلاب حل موضوعي ، ولا التطور الديمقراطي حل ميسور بسبب غياب رؤية السلطة في التعامل مع الشأن الوطني بوضوح وشفافية ، ولا المعارضة مؤهلة – علي الاقل في المدي المنظور – لبناء علاقة وطيدة مع الواقع الذي تعيشه أي انتشال نفسها من الحلقية المقيتة والبحث عن سبل عمل مشترك تنقذ به ما يمكن انقاذه ...وبالتالي – و أمام كل هذه الاستحالات – تصبح الاستحالة الإنقلابية هي الأكثر عملية في ظل مجتمع تصعب السيطرة عليه بالوسائل التقليدية ..
ولكن .. هل هذه دعوة لانقلاب عسكري ؟؟!! اخشي ان يعتقد البعض ذلك ،، فستكون الكارثة ..ولكنها تنبيه لواقع يتأزم كل يوم ، وقد تمتلك النخبة القدرة علي الصبر النضالي ، فهي في النهاية تجد قوت يومها بصورة ما ، ولكن الطبقات الشعبية الفقيرة والمعدمة والتي تقع في تماس يومي مع صور بلاغية ومبالغ فيها في استعراض القوة البرجوازي المصري، قد تدفعها الي التمرد والهبة الشعبية التي قد تظهر في البداية في صورة هبات محلية وجزئية هنا وهناك كنوع من التمرد علي القانون ، وسرعان ما تتلاصق كرات اللهب ويخرج الجميع الي حيث لا يدري أحد ... في تلك اللحظة . سيصبح الانقلاب ظرفا ذاتيا يستدعية الظرف الموضوعي ، فالواقع لا يستدعي أكثر الحلول عقلانية ، ولكنه يستدعي أقرب الحلول واقعية .. ولذلك فهذا تحذير شديد اللهجة ..ليس للنظام ..فالأنظمة المستبدة لا تسمح سوي نفسها ، إنه للجزء المتبقي من ضمير لدي المعارضة السياسية التي تؤمن بدولة مدنية دستورية ..لو لم تسابقوا الزمن .. سوف تسبقكم الجماهير ، ولكن الانقلاب سيكون أسرع من الجميع ، منكم في سعيكم لدولة مدنية ، ومن الجماهير في سعهيا للبحث عن ذاتها بأي طريقة وفي أي اتجاه...وقتها سوف يعلن قادة الانقلاب أنهم قضوا علي سيناريو الفوضي الخلاقة ، وسوف يصدقهم الناس.