نحتاج الى رؤية ماركسية لاعادة انتاج التضامن والمصير الطبقي المشترك بين العمال في مختلف البلدان


سامان كريم
2016 / 6 / 27 - 01:38     

سؤال: منذ ثلاثة اشهر والتظاهرات الأحتجاجية مستمرة ضد مشروع قانون العمل الجديد في فرنسا.. بدا الحراك الأحتجاجي في البداية من قبل العمال والطلاب حيث شارك الملايين في التظاهرات وفي أكثر من 100 مدينة فرنسية.. التظاهرة الأخيرة في باريس تحولت قبل قيامها الى صراع بين الحكومة الفرنسية والنقابات العمالية الفرنسية، حيث رفضت الحكومة الفرنسية في البداية أعطاء موافقتها على التظاهر، لكنها تراجعت وأعطت موافقة مشروطة تحدد حركة التظاهرة ومكان تواجدها.. الملاحظ منذ بداية الأحتجاجات العمالية في فرنسا ضد مشروع قانون العمل الجديد والى اليوم، لم نجد هناك اي دعم لهم من قبل العمال أو النقابات والتشكيلات العمالية في الدول الأخرى وخاصة دول الأتحاد الأوربي، يعني بصورة اقرب لم يخرج العمال أو النقابات في ألمانيا أو بريطانيا أو اسبانيا أو غيرها من الدول الأخرى بتظاهرات لدعم العمال الفرنسيين في مطالبهم.. ماذا نستنتج من هذا الأمر؟؟.. هل أن التواصل بين العمال في مختلف دول العالم مفقود اليوم؟؟.. الرأسمال متحد فيما بينه وعلى كل بقاع الأرض ويدافع متحد وبشراسه عن مصالحه في اي بقعة من الكرة الأرضية.. بالمقابل ليس هناك اي صلة ترابط بين العمال في مختلف بقاع الأرض رغم وجود أكثر من تشكيلات عمالية عالمية؟؟!!.

سامان كريم: سؤال وجيه ومهم. سؤال لم نتطرق اليه مطلقاً. النقابات والاتحادات العمالية السائدة التي رسخت جذورها بعد انتصار الثورة العمالية في روسيا 1917 - 1924.. واستقواء تشكيلاتها المختلفة خصوصا في البلدان اوروبا الغربية، عبر دولة الرفاه والقومية الاصلاحية السائدة بعد الحرب العالمية الثانية، التي قادتها الحركات والاحزاب الاشتراكية الديمقراطية والقومية الاصلاحية في البلدان المختلفة.. رسخت جذور هذه المنظمات والاتحادات والنقابات كسند قوي ومؤثر في النضال الجاري العمالي في تلك الحقبة أو هكذا تظهر اجتماعيا, ولها تاثيراتها على صعيد الصراع الطبقي في تلك الفترة. علاقة هذه النقابات والاتحادات والكونفدراليات المختلفة وتشكيل وعائها العالمي عبر اتحاد العمال العالمي والكونفدراليات المهنية والحرة العالمية.. كان بقوة الثورة العمالية وخوفا من البرجوازية العالمية من تكرار التجربة البلشفية من جانب ومن جانب اخر وهو الاهم، هذا التوجه نابع من فشل الثورة الروسية في تحقيق اهدافها وتحويل اقتصادها الى الاقتصاد الاشتراكي او تحويل ثورتها الى الثورات الاخرى في البلدان الاوربية على الاقل، خلال الفترة الممتدة بين 1917 - 1924.. تراجع وفشل الثورة واستحواذ البرجوازية القومية الروسية على مصيرها اي مصير الثورة ادى الى اختلال كافة التقاليد الثورية، بالتالي ايجاد اطروحات مرادفة لها تحت "اسم الشيوعية والماركسية واللينينية" بقيادة ستالين البطل القومي الروسي القوي. كانت هذه الاتحادات والنقابات بمثابة منفذ وثقوب مختلفة الأحجام لأمتصاص نقمة العمال وغضبهم، وكان مفيدا الى درجة مناسبة للطبقة البرجوازية الحاكمة حينذاك.
حينذاك العلاقة بين مختلف الاتحادات موجودة ومنظمة وفق تقليد وسياسة الاشتراكية الدولية وعبر افق ورؤية الاشتراكية الديمقراطية. بمعنى ان الوعي السائد لدى القيادات العمالية في تلك الفترة بصورة عامة "وليس حصرا أو تحديداً" كانت رؤية وأفق اصلاحي, ولكن الاصلاح ليس بمعنى النضالي الشامل كحلقة لابد منها في ظل النظام الرأسمالي السائد، بل كأفق وهدف لتقليل مصائب الراسمال وجعله اكثر مرونة لحياة ومعيشة العمال وباقي الفئات الكادحة او الموظفين الصغار.
اليوم وفي هذه المرحلة اي مرحلة العولمة. العولمة بمعاني الخاص والعام, بمعنى السياسية والاقتصاد والثقافة والتقاليد والسيادة ايضا. الراسمالية منذ نشؤها هي نظام عالمي بامتياز, المرحلة التي تتميز بها العولمة في هذه المرحلة هي عولمة نموذج من الراسمال: "اقتصاد السوق", وفكرة ليبرلة الاقتصاد ومشاربها المختلفة ومنها الليبرالية الجديدة السائدة بقيادة امريكا. الاقتصاد المعولم والمندمج عالميا بشكل لا ينفصم, يتطلب ثقافة عالمية ورؤية عالمية... البرجوازية لديها هذه الرؤية الليبرالية الجديدة, واشكال مختلفة من ليبرالية قومية ومناطقية. وفق هذه البنية والرؤية السياسية والاقتصادية تتحرك البرجوازية العالمية لسيادة عالمية ايضا, وهي سائدة كطبقة, هذه السيادة الاقتصادية لكبريات الاقتصادات العالمية وشركاتها العالمية الكبرى يتطلب سيادة سياسية او التدخل المباشر لتحديد سيادة سياسية معينة يتوافق مع نهج الليبرالية الجديدة وفق امريكا وحلفائها بصورة عامة, على الاقل هذا نهجها ورأيناه ونراه الان في ظاهرة "الربيع العربي" او في بلدان اوروبا الشرقية وثوراتها الملونة.. هكذا تتحرك البرجوازية وقواها العالمية.. ناهيك عن صولاتها المباشرة ضد العمال عبر التقشف والثورات التكنولوجية والحروب والتضليل والتحميق والاعلام والقمع..
التوجه الاممي لدى الطبقة العاملة ضعيف جداً. ضعيف لا يقارن باية مرحلة من المراحل التأريخية من عمر الرأسمالية. جعلوا من سقوط الاتحاد السوفيتي, سقوط الشيوعية, جعلوا من ستالين والستالينية لينينا او ماركسا, سقوط الحركة القومية والدولة القومية السوفيتية روجوا لها عالميا كسقوط الشيوعية. رسخ هذا التوجه وهذه الرؤية البرجوازية الغربية في عقول مئات الملايين من العمال وعامة الناس, بل اكثر من هذا العدد ايضا. بعد هذا السقوط وقبل هذا بمدة, بدأت البرجوازية بصولاتها العالمية في امريكا اللاتينية وبريطانيا عبر تاتشر وامريكا عبر ريغان.. حيث اصبحت الليبرالية واقتصاد السوق راس الرمح البرجوازي لضرب راسمالية الدولة طبعا تحت "اسم الشيوعية"، وضرب المكتسبات العمالية وسحبها من تحت اقدام العمال، تارة بالقوة وتارة اخرى بالتحميق وفي الوقت الحاضر تحت مسميات سخيفة ومضللة مثل "الاصلاح".
منذ الثورة العمالية في روسيا اي بعد انتصارها في اكتوبر 1917 والبرجوازية العالمية تحاول بكل ما لديها من القوة الاعلامية والثقافية والايدلوجية التحميقية والتفكيكية, والهجوم العسكري والحروب وطبعا عبر ممارسات قانونية ايضا.. سلب الفكر والثقافة والتقالد الاجتماعية والنضالية الشيوعية من الطبقة العاملة وعامة الناس.. في سبيل ذلك وضعوا جيوشا من المفكرين والمحلليين وملايين من الجرائد والاذاعات الصوتية والمرئية وفي مرحلة التطورات التكنولوجية عبر الفضائيات والنيو ميديا, عبر امطار الخزعبلات والأوهام والافكار التفكيكية القومية والطائفية والدينية والعرقية والجنسية، وعبر خزعبلات الشمال والجنوب والغرب والشرق, وسياسات "اوروبا - محور" وتعدد الثقافات. سلبت البرجوازية شيوعية ماركس عبر سياسات ومسارات عديدة منها: الدعاية والتحريض لظاهرة ستالين كانها ظاهرة شيوعية وعرفوا اعمالها وسلطانها وقمعها وقسوتها وقتل رفاقها كانها ممارسات شيوعية وحشية.. تدرس هذه المسائل في العلوم الاجتماعية والتاريخية في المدارس الاعدادية في اوروبا.. هذا جانب من القضية اما الجانب الاخر ان سلب الثقافة والفكر الماركسي يتطلب تغير البنية الطبقية, بمعنى تشيئ حركة معينة كانها حركة شيوعية او طبقية عمالية.. وعملوا على هذا المنوال وجعلوا من الحركات الشبابية والنسوية والقومية العالمثالثية.. كحركات شيوعية وماركسية, وتم تطعيم او أقحام ماركس والشيوعية ولينين وطبعا ستالين في كل الحركات التي تنادي برأسمالية الدولة.. حتى اصبحت لدينا الاشتراكية العربية والشيوعية الاوروبية والشيوعية العالمثالثة, والاشتراكية اللاتينية.. هذا ناهيك عن تشعبات الشيوعية من الماوية الى الستالينية. كل هذه المسائل تمت في خضم صراع طبقي مرير تارة خفي باوسع صوره وتارة اخرى واضح وعلني.. عبر تاريخ ومرحلة تمتد الى سبعة عقود.
سقوط الاتحاد السوفيتي كان سقوطأً مدويا وقع على كاهل الطبقة العاملة وشوعية ماركس, هذا هو الواقع. الواقع التاريخي الذي تشيئ وعاكس التاريخ الفعلي في الوقت نفسه. التناقض التأريخي واضح, لكنه واقعي كذات التاريخ.

النتيجة هذه: اي سلب الثقافة والفكر الماركسي من العمال يعني سلب لحمتهم الطبقية ووحدتهم الطبقية وحتى تضامنهم الطبقي بين قطاعات عمالية مختلفة اصبحت إستثناءات، ناهيك عن التضامن الطبقي بين الطبقة العاملة في مختلف بلدان العالم.. وهي ظاهرة اصبحت قليلة... حيث نرى الان في قلة او إنعدام التضامن الطبقي مع الحركات النضالية والاحتجاجية في فرنسا. احتجاجات طبقية نضالية كبيرة مليونية ومؤثرة على المجتمع بشكل مباشر بامكاني ان اقول تقودها نطف او خلايا من التيار الشيوعي داخل صفوفها.. حيث نرى تقاليد طبقية راقية من حيث التنظيم واساليب العمل والتلاحم الطبقي. لكن مع الاسف الشديد لا نرى تكاتفا وتضامنا طبقيا من العمال في البلدان الاوروبية مثل المانيا او بريطانيا او ايطاليا.. او العمال في بلدان اخرى في روسيا او امريكا او الصين او مصر او المغرب او تونس والجزائر.. هذه هي حصيلة عمل برجوازي جبار عبر عقود من الزمن.
المهزلة في تمرير او محاولة تمرير هذا القانون وهو قانون لسلب مكتسبات الطبقة العاملة ليس في فرنسا فحسب بل في اوروبا بأجمعها.. هي عدم مرورها في البرلمان او الجمعية الوطنية الفرنسية خوفا من رفضها ووفق المادة 3-49 من الدستور الفرنسي. من هنا لا تظهر عيوب الديمقراطية فحسب بل تظهر تناقضها مع تطلعات واهداف الطبقة العاملة.. الديمقراطية الفرنسية العريقة تحاول منع التظاهرات وقضية قمعها هي مسالة وقت والخوف من ضبابية نتجيتها.. هنا الديمقراطية كفكر وكسياسة واسلوب عمل وممارسة عمل للسلطة البرجوازية تقف عائقا جديا أمام حرية التظاهر والاحتجاج.
نحن كشيوعين امام جملة من المسائل والعوائق التي حالت دون ازالة تاثير مصائر البرجوازية واعمالها.. لعل اولها في هذه المرحلة الاجابة على طروحات مفكري البرجوازية والرد الماركسي الثقافي والفكري على الفكر السائد عالميا ومحليا طبعا.. ناهيك عن رفع الاستعداد التنظيمي والسياسي لقادة الطبقة العاملة وفق رؤية ماركسية لهذه المرحلة. بمعنى وفق رؤية ماركسية واجابات ماركسية على مسائل وقضايا فكرية وسياسية مطروحة عالميا ومحليا للشيوعين في اي بلد كان.. لاعادة انتاج التضامن والمصير الطبقي المشترك بين مختلف قطاعات العمال وفي مختلف البلدان، علينا ان نجعل من الفكر الماركسي فكرا متداولا في البداية، وبالتالي فكرا مؤثرا عبر النضال الطبقي بوجهه الرأسمال وسلطته في كافة ميادين المواجه. في عالم اليوم في هذه المرحلة التي سميت بالعولمة.. هي قضية عالمية ومحلية في انٍ معاً.