تيران وصنافير ... والطبقة الوسطي ..!!


محمد دوير
2016 / 6 / 26 - 06:17     

يبدو أن المواطن المصري " البسيط " لم ينشغل كثيرا بقضية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للعربية السعودية، ليس لكونه منسحق من أجل لقمة العيس فقط ، ولكن لما ترسب بداخله عبر قرون من الزمان بأنه ليس صاحب رأي أو مشورة من قبل السلطة الحاكمة .ويبدو ثانيا أن المواطن المصري " البسيط " لم ينشغل أيضا بالخلافات الفقهية بين رجال الدين السياسي ورجال الدين الرسميين حول الموقف الشرعي من الخروج علي الحاكم أو الموقف الشرعي من تعطيل أحكام الشريعة بالصورة التي يروج لها أنصار الاسلام السياسي.ويبدو ثالثا أن المواطن المصري " البسيط " لم ينشغل بحملة الاعتقالات الأخيرة لشباب خرق قانون التظاهر في أكثر من مناسبة ، وربما رأي الغالبية من المواطنين أن هؤلاء المعتقلين يعملون ضد مصالح البلد ، ولكن كيف .؟؟ ليس لديهم اجابات مقنعة ، وهو ليس دليل جهل بقدر ما هو دليل عدم اهتمام. ويبدو رابعا .. أن الطبقي الوسطي لم تزل لديها ما تقوله وتفعله عبر ممارستها الضاغطة من أجل اثبات وجودها الفاعل حتي بدا الأمر وكأنها تقسم نفسها بين المعارضة والمولاة ، بين الفعل ورد الفعل ، فالصراع السياسي واضح جدا في هذه الطبقة ، وربما إن أردت أن تعرف كيف تفكر مصر ، فليس أمامك سوي متابعة النقابات المهنية وتصريحات الشخصيات العامة ورجال الاعلام والحقوقيين وبعض كتاب الأعمة الصحفية وكثير نم نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي...الخ .. هنا فقط ستجد ضجيجا محترما يليق بتسلية شخص مثلك وستجد مساحة أخبار لا بغار عليها، ضجيج لا يخلو من مكسبات طعم وسبايسي وجدل عنيف احيانا وعقلاني أحيانا أخري ، إنه حوار يليق بالفعل بطبقة تقف في منتصف السلم الاجتماعي وقادرة علي أن تحدث ارجحة مناسبة للمتابعة وأخذ العقول .. انصت جيدا ... ستسمع الطبقة الوسطي فقط هي التي تتكلم ، هل لإنها القادرة علي الكلام بحكم وعيها .. أم المجبرة علي الكلام بحكم مصالحها ؟ الحقيقة الاحتمالين معا ، فهي التي تملك مساحة للفهم والوعي والتفكير ونقل تلك المعارف الي الآخرين ، وفي الوقت نفسه تفترض مصالحها التي العمل في مناخ حر ومنهج عمل مستقل وظروف نضال تحفظها قواعد قانونية ودستورية ، لذلك يطغي الوطني علي الطبقي ، والعام علي الخاص ، فقضية تيران وصنافير هي قضية وطنية بالدرجة الأولي تخص سيادة " دولة " علي أراضيها ، وقضية تطبيق الشريعة الاسلامية قضية مركزية في الفقه الإسلامي لا يجب انكارها ، ونقاط الخلاف بين مؤيديها تكمن فقط في التوقيت ، هل تتم فورا أم بعد أن نحقق الكفاية لدي الغالبية من أبناء " الوطن ".
..لفت انتباهي.. وبشدة .. تنامي الروح الوطنية والإندفاع الديني في سباق السلطة ، بحيث صارت ثنائية الوطن / الدين هي المهيمنة علي الصراخ الثقافي الراهن ، وبقيت ثنائية الطبقة المستغلة / والطبقة المستغلة في هامش الحياة السياسية ، ولا أعتقد أن هذا المسار صحيحا علي هذا النحو ، إلا لو كنت من المؤمنين بأن التاريخ يمكنه أن يعيد نفسه في أوربا / النهضة مرة ، وفي عالمنا العربي / التبعية مرة أخري. فالدفاع عن الأرض والشريعة يتم وفق ابجديات الطبقة الوسطي ذاتها ، وفق منظورها ، ثقافتها ، طموحاتها ، وأهدافها ، وتحكمه عوامل كثير أهمها درجة وعيها بواقعها ، واقعها الذاتي كطبقة مهترئة ، وواقعها الموضوعي كطبقة معاونة ، تحتل موقع الجيوش الاحتياطية في كل المعارك .
ما لفت انتباهي.. أيضا .. أن تحتل قضية تيران وصنافير تلك الأهمية القصوي لدي الطبقة الوسطي ، إذ ما زلت أعتقد أن الطبقة المترفة لم تنشغل كثيرا بالموضوع نظرا لثقتها في تصدي السلطة لإنهاء هذا الملف ، إضافة الي أنها ليس لديها الاستعداد لمضيعة الوقت في قضية لن تنجني منها شيئا ذو شأن ، هذا بخلاف موقفها من قضايا متعلقة بالملكية وحقوق صاحب العمل ومالك العقار في دفع الدولة لاتخاذ قرارات ورسم قوانين تشجع علي تطوير علم إدارة الاقتصاد بما يصب في مصلحتهم المباشرة ..وما زلت مصرا علي أن الطبقات الدنيا في السلم الاجتماعي لم تنشغل هي أيضا بالقدر الكافي ، وفي حدود درجة انشغال الاعلام المصري بالموضوع ، إذ من الصعب توقع خروج بعض أهالي إحدي القري النائية بمظاهرة وقطع الطريق السريع من أجدل الدفاع عن الاتفاق المبدئي ... القضية بلا شك هي قضية الطبقة الوسطي ، من دافع عن الإجراء الذي اتخذته الدولة ، ومن هاجمه ، كلا الطرفان قادم من تلك الطبقة .. ومثلما بدأت رحلة أسلمة المجتمع عبر النقابات المهنية في أوائل الثمانينات ، وقدمت الطبقة الوسطي كل ما تملك من خبرات وامكانات لدفع عجلة " الاسلام هو الحل " من أجل كسب أكبر مساحة من أرض الوطن ، واستطاعت أن تحقق نجاحات اعجازية ، ويخطيء من يحسب قوة الاسلام السياسي عدديا أو كميا ، فأخطر ما قدمه الاسلام السياسي بمعاونة مثقفي الطبقة الوسطي هو أنه استطاعوا أن يغيروا في السمات العامة لثقافة المصريين ..ولإنني ادرك معارضة هذا الرأي من قبل كثيرين سأضرب مثالين خاطفين ( انظر لصلاة التراويح اليوم ومنذ 40 عاما ... انظر لزي المرأة اليوم وقبل أربعين عاما ) ..
السؤال.. وهل هذا يمثل إشكالية ؟؟ ما المانع أن تتقدم الطبقة الوسطي صفوف الوعي الاجتماعي ، وهي المؤهلة لذلك ؟؟ وهل قضية تيران وصنافير لا تستحق كل هذا الدعم ؟؟ الاجابة علي السؤال الأول .. ستلعب الطبقة الوسطي دورها التاريخي في قضايا أمتها ، ولكن ليعلم الجميع أنها طبقة بحكم تكوينها وبنيتها تنشغل دائما بقضايا الحريات العامة والخاصة ،وبالكليات مثل فكرة الوطن والدين ، وبالوعي الجمعي في الحد الأدني المشترك للمجتمع ، وبالقيم الاخلاقية في متوسطها الحسابي ، بمعني فيما هو متفق عليه ومن ثم يبقي العرف والتقاليد والدين والجذر الثقافي العام جزءا في قرارها الاعترافي بالقيم ، وبالثورة في اطارها القانوني ، أي في قدرتها علي تحريك المياة الراكدة ، ولكنها ابدا ليست طبقة انقلابية ، ولا ثورية حتي النهاية ، انها طبقة وطنية بلاشك ، ولكن لا يشغلها التكوين الطبقي الذي هي جزء منه ، بقدر ما يشغلها وجود البناء الاجتماعي ، انها باختصار طبقة تناضل نضالا أفقيا ، وليس رأسيا.. تسعي الي رد الحقوق المعترف بها ، وليس خلق نمط حقوقي جديد ، تسعي الي محاربة الفساد ، وليس خلق منظور اقتصادي مضاد للفساد ، تعمل علي ضمان الحريات العامة ، ولكنها قد تجلس في موقع الحكم بين طبقتين احدهما تمتص دماء الأخري ، تجلس وتحكم بدم بارد ..
اما الإجابة علي السؤال الثاني .. هل قضية التنازل عن الأ{ض تستحق كل هذا الدعم ؟ نعم تستحق..ولكنها ليست بمفردها التي تستحق ذلك، فكشف الوجه الطبقي السافر للسلطة يستحق ، لكونه الأصل الذي تفرع عنه موضوع التنازل ، وكشف تنازل الدولة عن جزء كبير من أراضي مصر الخصبة للطبقة المترفة وأمراء الخليج ، قضية تستحق النضال، وتخصيص ألاف الفدادين للقوات المسلحة بقرارات جمهورية قضية تستحق النضال.. لماذا التفت الطبقة الوسطي حول تيران وصنافير بهذا الكم الهادر ؟؟ باختصار لإنها قضية منزوعة التحليل الطبقي ...لذلك هي طبقة منزوعة السلاح الطبقي ، وستبقي كذلك.
أريد أن أقول .. بقدر سعادتي من تحقيق نجاح قانوني في قضية تيران وصنافير ، ولكي أكون منصفا ثمة نجاح أخر سبقه هو نجاح قانوني بحظر جماعة الإخوان ..وحزبها ..الخ ، بقدر ما أنا حزين علي عدم قدرة تلك الطبقة بمثقفيها علي التقدم خطوة أبعد من القضية الوطنية أو الدينية ، وهي القضية الطبقية ...سيقول قائل ،، الطبقة الكادحة لها مثقفيها والمفترض حزبها ..!! أليسوا هؤلاء المثقفين من الطبقة الوسطي ؟؟ ما معني أن تجمع ما يقرب من خمسة ملايين جنيه لشباب معتقل ، ولا يملك عمال مصر المفصولين صندوقا ماليا يسد حاجاتهم ؟ ما معني أن تسبق قضية الحرية لفلان ، قضية العودة للعمل للعامل فلان ؟ ما معني أن يظل النضال مركزيا امام كاميرات الإعلام الذي يسيطر عليه رجال المال ؟ ما معني هجرة المثقفين من قراهم ومدنهم الي العاصمة بحثا عن دور في نقاط الضوء ؟؟ ما معني أن لدينا احصائيات كافية لعدد المعتقلين ونعرف كثيرا عن الحياة الشخصية لهم.. ونكاد لا نعلم شيئا عن ظروف العمل والفصل التعسفي والطرد من الأراضي للفلاحين ؟
أري أن النضال في القضايا الوطنية ، له بعده الطبقي كما أن الصراع مع الاسلام السياسي له بعده الطبقي أيضا ، فالوعي ليس عملا ترفيهيا نختار منه ما نريد ، إنه عملية كلية يحكمها جدل الفكر والواقع ، ولا يجب أبدا " لبرلة " التحليل الاشتراكي ، أو اسملته ،، مهما كانت مغريات التحليل البرجوازي .
اتمني ،،، أن يبقي النضال الوطني والتنويري قائما ، ولكن دون أن نعزل القضية الوطنية أو التنويرية عن بعدها الطبقي ..ابدا.