قراءة في شعار -الشعب يريد اسقاط النظام-


محمد علي الماوي
2016 / 6 / 22 - 01:07     

قراءة في شعار "الشعب يريد اسقاط النظام"

-1- رفع شباب انتفاضة 17 ديسمبر 2010شعار " الشعب يريد اسقاط النظام"في العديد من مناطق البلاد (وكذلك في بعض البلدان العربية) وبرز هذا الشعار بصفة علنية في اعتصام القصبة 2 على بعض اللافتات وحتى على لافتة منظمة الهلال الاحمر بالشكل التالي:"اعتصام اعتصام حتى يسقط النظام" ورفعت الجماهير هذا الشعار انطلاقا من معرفتها الحسية دون الوعي بابعاده الوطنية والطبقية لانها ترى ان المتسبب المباشر في فقرها وحرمانها من ابسط حقوقها هو النظام العميل والفاسد وإن تستّر بالدين وبالديمقراطية التشاركية وبالرغم من ان البعض قد يخلط بين النظام والحكومات فان الجماهير ادركت ان التغيير يمر حتما عبر "اسقاط النظام" وليس عبر تغيير الوجوه او الحكومات.

يعبّرهذا الشعار الاستراتيجي عن طموح الجماهير نحو التخلص النهائي من هذا النظام كما يعكس شعورها العميق بالحقد الطبقي العفوي الذي طبع المسيرات والمواجهات خلال الانتفاضة.وقد صاحب هذا الشعار العديد من الشعارات الاخرى المعبرة عن رفض الجماهير للاوضاع السائدة نذكر منها :"تونس ارض احرار لانهضاوي لاسمسار- لاتحرير لاحرية دون قيادة عمالية- لاخوف لارعب السلطة ملك الشعب-يا نظام صبرك صبرك الشعب يحفر قبرك-الشهيد خلى وصية ثورة ثورة وطنية- فلسطين عربية لااستعمار لارجعية..." يتضح اذا ان الجماهير لم تقتصر على رفع شعارات مطلبية آنية بل كذلك شعرات تجاوزت حتى مستوى تجربتها الميدانية التي عرفت نقلة نوعية في مواجهة الاجهزة القمعية والقناصة خلال الانتفاضة مقارنة بالانتفاضات السابقة التي كانت تقتصر على رفض بعض الوجوه فقط دون المطالبة باسقاط النظام ككل على غرار "خبز وماء ونويرة لا – يامزالي يا بغل رجّعت الخبزة بو رطل"
وقد لعب اليسار الثوري عامة دورا لايستهان به في عملية تجذير الشعارات من خلال تضمينها في مناشير وتوزيعها في شكل اوراق طائرة وكتابتها على الجدران كما انخرط النقابيون الاحرار وحتى قواعد اليسار الليبرالي في رفع مثل هذه الشعارات مما ادى بقيادات هذا اليسار الى الاستدراد والتعديل اكثر من مرة من خلال التأكيد على ان المقصود من "اسقاط النظام" هو اسقاط الحكومة الفاشلة .
-2- جسّد هذا الشعار الاستراتيجي رغم عفويته الصراع العنيد بين البديل الثوري الذي يدعو الى سلطة ديمقراطية شعبية من جهة والبديل الاصلاحي الداعي الى جمهورية مدنية ذات البعد الاجتماعي وهو صراع تاريخي وقفت فيه القيادات الانتهازية دوما الى جانب النظام بتعلات سخيفة فزكت مثلا نقابة عبيد المنصبة سنة 1978 باسم تكتيك الافتكاك ورحبت "بالتحول" عام 1987 وزارت قصر قرطاج لمصافحة بن علي وتحالفت مع النهضة باسم محاربة الديكتاتورية ثم مع نداء تونس لمواجهة "حكومة الترويكا" والتفت على شعارات الانتفاضة منذ الوهلة الاولى بالادعاء انها ثورة ويجب العمل الان على دعم الانتقال الديمقراطي التي انخرطت في كل مراحله وزكت كل الحكومات المنبثقة عنه وعن الحوار "الوطني" وهي الان مستعدة للمشاركة في حكومة "الوحدة الوطنية" بشروط "مضحكة" وببرنامج لايختلف في جوهره عن برنامج السبسي.
لقد افتضح امر قيادات اليسار الليبرالي لدى الجماهير الواعية كما عرفت تجارب مثل هذا اليسار "الاشتراكي الديمقراطي " الفشل الذريع في فرنسا وفنيزويلا وتجربة سيريزا في اليونان وظل هذا اليسار عجلة خامسة بالنسبة للامبريالية تعتمده في عمليات الانتقال الديمقراطي لتشوه اليسار الثوري من جهة وتروّض الحركة الشعبية من جهة اخرى وقد سبق للامبريالية ان اعتمدت على التحريفية-راسمالية الدولة والحزب المسمى زيفا شيوعي- لتشويه الشيوعية وتقديمها كنظام ديكتاتوري.
اثبتت الممارسة العملية كما اثبتت اطروحة الجمهورية المدنية من قبل ان قيادات اليسار الليبرالي تقف ضد شعار "الشعب يريد اسقاط النظام" ورغم متاجرتها بكلمة ثورة وكلمة شعبية (كما يتاجرالائتلاف الحاكم بالدين والديمقراطية) فانها ترفع شعار "انقاذ النظام" بما انها ممثلة في "برلمان المنتخبين" وتتقنص الفرص للمشاركة في الحكم دعما لامتيازاتها ودفاعا عن اللوبيات التي تقف وراءها وتدعم حملاتها الانتخابية.
-3- يجسد شعار "الشعب يريد اسقاط النظام" القطيعة مع الائتلاف الحاكم ويعكس بالتالي التناقض العدائي بين الشعب والنظام وهو تناقض يطبع مرحلة التحرر الوطني تبلور خلال العقود المنقضية واتخذ اشكالا عدة وبما انه تناقض عدائي فهو لايحسم بالحوار ولا بالتوافق و المصالحة الوطنية ولا بانتخابات المال السياسي ولابحكومات "الوحدة" التي تهدف في الحقيقة الى انقاذ النظام. وخير دليل على ذلك هو تعاقب الحكومات وتعدد المناورات والتوافقات وتشريك كل اصناف الوصوليين والانتهازيين لكن التناقض لم يحسم ولن يحسم الا بالثورة الوطنية الديمقراطية ذات الافق الاشتراكي.
لا يتضمن شعار "الشعب يريد اسقاط النظام" الحس الاستراتيجي فقط بل كذلك يرسم ضمنيا الخط التكتيكي بما انه يدعو الى القطيعة العلنية مع اجهزة النظام الفاسد ويطرح بصفة غير مباشرة ضرورة مقاطعة المؤسسات "المنتخبة" بفضل المال الفاسد وهو بالتالي لايعترف حتى بقانون الاحزاب الذي وضع على قياس الائتلاف الحاكم ومشتقاته وحرص على عزل كل من لايعترف "بالمؤسسات المنتخبة وبالنظام القائم ".
لقد عبر شباب الانتفاضة بطريقته عن ضرورة قيام الثورة لكن رغم توفر الظروف الموضوعية وتفجر الاوضاع وتفكك الائتلاف الحاكم فان شعار "اسقاط النظام" لن يتجسد الا بتوفير الشروط التالية: -قيادة ثورية منصهر في اوسع القطاعات الجماهيرية قادرة على تشكيل جبهة واسعة تساهم في عزل النظام وتعمل على تأطير النضالات وضمان استمراريتها وفق خطط محكمة التنظيم تدفع بالصراع الطبقي الى ارقى اشكاله وتشكل حكومة ثورية مؤقتة تشرف على انتخابات شعبية فعليا تفضي الى الاعلان عن الجمهورية الديمقراطية الشعبية.
محمد علي الماوي
تونس 21 جوان 2016