الدين والدولة العلمانية: ماركس


أنور نجم الدين
2016 / 6 / 21 - 23:04     

كارل ماركس

لا تفقد المسألة اليهودية مدلولها اللاهوتي وتصبح مسألة علمانية، إلاَّ في دول أميركة الشمالية الحرة، أو على الأقل في بعض هذه الدول، ولا تستطيع أن تنجلي علاقات اليهودي، وبصورة عامة علاقات الرجل الديني بالدولة السياسية وبالتالي علاقات الدين بالدولة، في طابعها الخاص وفي كل صفاتها، إلا في البلاد التي توجد فيها الدولة السياسية في تطورها الكامل. ونقد هذه العلاقة يكف عن أن يكون نقداً لاهوتياً، منذ أن تكفّ الدولة عن أن تقف من الدين موقفاً لاهوتياً، منذ أن تتخذ وجهة النظر السياسية وتتصرف بوصفها دولة بالفعل. ويصبح النقد عندئذٍ هو نقد للدولة السياسية. ومن هذه الناحية، حيث تكفّ المسألة عن كونها لاهوتية، يكفّ نقد باور عن كونه نقداً.
« فليس ثمة في الولايات المتحدة دين للدولة، ولا دين معلن بوصفه دين الأغلبية، ولا تفوّق لدين على آخر. فالدولة مستقلة عن جميع الأديان.» (ماري، أو الرق في الولايات المتحدة، الخ، تأليف ج. دي بومون، باريس 1835، ص214). بل ثمة في أميركة الشمالية ولايات « لا يفرض فيها الدستور العقائد الدينية وممارسة عبادة من العبادات بمثابة شرط للامتيازات السياسية.» (المرجع المذكور- 225) ورغم ذلك « فلا يُعْتَقَدْ في الولايات المتحدة أن رجلاً لا دين له يستطيع أن يكون رجلاً شريفاً (المرجع ذاته- ص224). ومع ذلك فأميركة الشمالية تظل هي لبلاد التدين بصورة خاصة، كما يؤكد كل من بومون، وتوكفيل، والانجليزي هاملتون.
بيد أن دول أميركية الشمالية لا تخدمنا إلا بمثابة مثال. والمسألة هي هذه:
ما هي علاقة التحرّر السياسي الكامل بالدين؟ فإذا كنا لا نجد الدين وحسب في بلاد التحرر السياسي المكتمل، وإنما « وجوده المفعم بالحياة والقوة أيضاً»، تكون الحجة قد أقيمت على أن وجود الدين لا يتعارض في شيء مع اكتمال الدولة. ولكن لما كان وجود الدين هو وجود النقص. فإن أصل هذا النقص لا يمكن أن يُبْحَثَ عنه إلا في جوهر الدولة نفسه. ولا يعود الدين بالنسبة لنا أساساً، بل فقط ظاهرة للمحدودية الدنيوية، لهذا السبب نفسر الضيق الديني للمواطنين الأحرار بالضيق الدنيوي. ونحن لا نزعم أبداً أن عليهم إلغاء حدودهم الدينية مند أن يُلْغُوا حواجزهم الدنيوية. فنحن لا نحوّل المسائل الدنيوية إلى مسائل لاهوتية، بل إننا نحوِّل المسائل اللاهوتية إلى مسائل دنيوية. وبعد أن انحلَّ التاريخ زمناً طويلاً في الوهم، سوف نحل نحن الوهم في ضوء التاريخ.
إن مسألة علاقات التحرّر السياسي بالدين تصبح بالنسبة إلينا مسألة علاقات التحرّر السياسي بالتحرّر البشري ...
ونحن نمنح التناقض بين الدولة ودين معين من الأديان، اليهودية مثلاً، نمنحه عنصراً بشرياً، من خلال التناقض بين الدولة وعناصر دنيوية معينة، وبتحويل التناقض بين الدولة والدين بصورة عامة، إلى تناقض بين الدولة وأسسها بصورة عامة ...
إن حد التحرّر السياسي يظهر فوراً في هذا الواقع، وهو أن الدولة تستطيع أن تحرّر نفسها من حاجز دون أي يكون الانسان متحرّر منه فعلاً، وفي أن الدولة تستطيع أن تكون حرَّة دون أن يكون الإنسان فيها حرّاً ...
فالدولة تستطيع أن تكون قد تحررت من الدين، حتى ولو كانت الغالبية العظمى ما تزال متديِّنة، من حيث أنها تكون كذلك في حياتها الخاصة.
ولكن موقف الدولة، والدولة الحُرَّة بخاصة، إزاء الدين ليس إلا موقف الناس الذين يؤلفون الدولة، إزاء الدين ...
... إن الدولة السياسية، هي إزاء المجتمع المدني، على مِثْل روحانية السماء بالنسبة إلى الأرض (كَارل مَاركس، المَسْــألة اليَهُوديـّــة، طبعة «ألفريد كوست» باريس 1952 *******

ان لوثر قد انتصر ، على الأرجح ، على العبودية عن تقى بتعويضها بعبودية عن اقتناع. لقد حطم الإيمان بالسلطة بترميمه سلطة الإيمان.
لقد حول رجال الاكليروس الى علمانيين بتحويله العلمانيين الى رجال اكليروس. حرر الإنسان من الورع الديني الخارجي جاعلا من الورع الديني وعيا للإنسان. حرر الجسد من أغلاله محملا القلب أعباءها:
لكن اذا لم تكن البروتستانتية الحل الصحيح، إلا إنها كانت الطريقة الصحيحة لطرح القضية. منذ ذلك الحين لم نعد أزاء كفاح العلماني ضد الكاهن، الخارجي عنه، بل الكفاح ضد كاهنه ألصميمي هو ذاته، ضد طبيعته الاكليركية هو نفسه. وكما ان استحالة تحول العلمانيين الألمان الى رجال دين – وهو ما فعلته البروتستانتية – قد حرر أولئك البابوات العلمانيين، الأمراء، مع كل اكليروسهم المؤلف من أصحاب امتياز وجهولين, كذلك فان استحالة الألمان المكهنّين clericalises, بواسطة الفلسفة, الى بشر سوف يحرر الشعب. لكن كما ان الانعتاق لم يقتصر على الأمراء، فان دَنيَوة الأموال والممتلكات لن يتوقف عند نهب الكنيسة، الذي مارسته بروسيا المنافقة بالدرجة الأولى. في ذلك العهد, أخفقت حرب الفلاحين، الواقع الأكثر جذرية في تاريخ المانيا، أمام عقبة اللاهوت ...

ان النشاط التجريدي في جهة يناظر الألم المجرد في الجهة الأخرى. لذلك سوف تجد ألمانيا نفسها يوما في دائرة الانحطاط الأوربي، قبل ان تكون قد بلغت مستوى التحرر الأوربي -(التحرر السياسي)-. ويمكن تشبيهها بوثني تنخره أمراض المسيحية.

ليست الثورة الجذرية التي هي حلم طوبوي بالنسبة لالمانيا, ليس التحرر الإنساني الشامل، بل على العكس انها الثورة الجزئية, الثورة السياسية فحسب، الثورة التي تترك ركائز البناء قائمة. ما قاعدة ثورة جزئية, سياسية فحسب؟ انها التالية: جزء من المجتمع المدني يتحرر ويتوصل الى الهيمنة على جُماع المجتمع ...
... لا يمكن تحطيم اي شكل من أشكال العبودية إلا بتحطيم كل أشكال العبودية ... (كارل ماركس، نقد فلسفة الحق عند هيغل) ****************