رسائل ماركس-انجلز: الرسالة الثالثة والرسالة السادسة


فريدريك انجلز
2016 / 6 / 21 - 08:54     



-3-
انجلز إلى لجنة التراسل
الشيوعي ببروكسيل
باريس، 23 تشرين الأول/أكتوبر 1846

… لقد ناقشنا (8) طوال ثلاث أمسيات الخطة البرودونية بصدد الجمعيات. وفي البداية كانت العصابة كلها تقريبا ضدي، لكن لم يبق في النهاية سوى آيزرمان والثلاثة الآخرين من أنصار غرون. كانت النقطة الأساسية التي عليّ ان اثبتها هي ضرورية الثورة بالقوة، وبوجه عام الطابع المعادي للبروليتاريا والبورجوازي الصغير والدعي الجاهل لـ«الاشتراكية الحقة» التي ينادي بها غرون والتي عاودت الحياة في الترياق* البرودوني. وقد شننت في خاتمة المطاف، إذ أحنقتني التكرار السرمدي للحجج عينها من قبل خصومي، هجوما جبهيا ضد أولئك الستراوبنجريين (9)، الأمر الذي أثار غيظا في صفوف أنصار غرون. وبالمقابل أرغمت الكريم آيزرمان على المجاهرة* بمناوأته للشيوعية. وتدبرت أمره بعد ذلك على نحو أضطره إلى التواري عن الانظار نهائيا.

عندئذ أمسكت بالسلاح الذي كان آيزرمان قد وضعه بين يدي –التهجم على الشيوعية- ولاسيما ان غرون كان ما يزال مستمرا في حبك دسائسه، يقوم بجولات على المحترفات* ويدعو الناس إلى بيته يوم الأحد، الخ، الخ، لكنه ارتكب من تلقاء نفسه حماقة فادحة في يوم الأحد التالي للجلسة التي تحدثت عنها، فهاجم الشيوعية بحضور ثمانية أو عشرة من الستراوبنجريين. ومنذ ابتداء المداولات طالبت بالتصويت على مسألة ما إذا كنا نجتمع بصفتنا شيوعيين أم لا. فاذا كان الجواب بالإيجاب، فلا مفر من المبادرة إلى وضع حد للتهجمات التي أباحها آيزرمان لنفسه على الشيوعية. وإذا كان الجواب بالنفي، وإذا كان أي شخص يأتي ليجتمع هنا ويثرثر في هذا الموضوع أو ذاك، فأنا لا شأن لي بهم ولن أضع قدمي ثانية هنا أبدا. لقد أثارت هذه الكلمات سخطا عظيما في صفوف أنصار غرون، وراحوا يؤكدون أنهم يجتمعون للنقاش حول «خير الانسانية»، في سبيل قضية الأنوار، وأنهم أهل تقدم لا مذهبيون ضيقو الأفق، الخ. فكيف يجوز أن يوصف هؤلاء الناس الذين في غاية الوقار بأنهم «أي شخص كان»؟ ولقد كانوا يريدون قبل كل شيء ان يعرفوا، فضلا عن ذلك، ما الشيوعية في الواقع (الأوباش الذين جاهروا طوال سنوات بشيوعيتهم، ولم ينكروها ويرتدوا عنها لا خوفا من غرون وآيزرمان، حين اندس هذان بين صفوفهم تحت ستار الشيوعية!). وبديهي انني لم أقع في فخ الطلب الودي اليّ بأن أروي، بكلمتين أو ثلاث كلمات، لأولئك الجاهلين، ما كنه الشيوعية. لكني قدمت لهم تعريفا في غاية البساطة لم يتعد نطاق المسائل موضع النقاش وان طالب بمشاع الأملاك واستبعد بالتالي كل روح مسالمة وكل وداعة ودماثة وكل توقير للبورجوازية أو للستراوبنجريين مثلما استبعد، سواء بسواء، الشركة المساهمة ىالبرودونية وحفاظها على الملكية الفردية وكل ما يترتب على ذلك. وفيما عدا هذا، لم يكن ذلك التعريف ينطوي على أي شيء يمكن لهم ان يتخذوه ذريعة للتهرب من الاقتراع المقترح. وقد حددت مقاصد الشيوعيين على النحو التالي: 1-اعلاء شأن مصالح البروليتاريين في مواجهة مصالح البورجوازيين؛ 2-الوصول إلى ذلك عن طريق الغاء الملكية الخاصة واستبدالها بمشاع الاملاك؛ 3-عدم الاعتراف بأي وسيلة أخرى لتحقيق هذه الاهداف غير الثورة الديمقراطية بواسطة العنف.

لقد أمضينا أمسيتين ونحن نتناقش. وفي الأمسية الثانية انحاز إلى جانبي كل الانحياز خير نصير لغرون بين انصاره الثلاثة، حين أدرك الحالة المعنوية للغالبية. أما الاثنان الآخران فقد راحا يناوئ أحدهما الآخر، حتى من دون أن ينتبها إلى ذلك. وفجأة فتح عدد من الفتيان ممن كانوا لم ينبسوا بعد ببنت شفة، أفواههم كي يعربوا عن حازم تأييديهم لي. وكان يونغ هو الوحيد الذي فعل ذلك قبلا. وقد أحسن بعض هؤلاء الاغرار الكلام للغاية، وان كانوا يرتجفون لخوفهم المميت من ان يرتبكوا ويرتج عليهم. وقد دللوا بوجه الاجمال على ذكاء صحيح. وبكلمة واحدة، حين أزفت ساعة الاقتراع، أعلن المجتمعون عن شيوعيتهم، بروح التعريف الذي أوردته أعلاه، بغالبية ثلاثة عشر صوتا مقابل اثنين، هما نصيرا غرون اللذان لبثا مخلصين. وقد صرح أحدهما فيما بعد، على كل حال، بأنه لا يتمنى سوى الاهتداء…
—–
احالات عام 1846

1-كتب ماركس هذه الرسالة بالفرنسية.

2-باللاتينية في النص.

3-راجع فهرس الاعلام في آخر الكتاب.

4-المقصود هنا «لجنة التراسل الشيوعي» التي أسسها ماركس وانجلز في بروكسل في مستهل عام 1846.

5-تألفت في لندن «لجنة تراسل» شارك فيها قادة الجناح اليساري في حركة الميثاقيين، وكذلك أعضاء «الرابطة الثقافية للعمال الألمان في لندن».

*هذه النجمة اشارة، حيثما وردت، إلى أن العبارة واردة بالفرنسية في النص.

6-حق وراثة الطارئ: حق الدولة في الاموال التي لا وريث لها، وهو عادة اقطاعية كانت سارية المفعول في فرنسا وفي بلدان اخرى في العصر الوسيط تبيح للملك أن يستولي على أملاك الأجنبي المتوفى إذا لم يكن له ورثة.

7-كانت لجنة التراسل الشيوعي ببروكسيل تضم، فضلا عن ماركس وانجلز، و. وولف وف. جيغو. وكانت اللجنة قد ارسلت انجلز إلى باريس، وكان هذا يطلعها بانتظام على نشاطه.

8- الستراوبنجريون: لقب كان ماركس وانجلز يطلقانه على الحرفيين الألمان المبتدئين الذين كانوا واقعين على وجه الاجمال تحت تأثير آراء مسبقة بالية تتصور أن العودة من الصناعة الرأسمالية الكبيرة إلى الحرفة الصغيرة ما تزال ممكنة.
رقن موقع الطلبة الثوريون أنصار تيار المناضل-ة

1848

-6-

انجلز إلى إ. بلانك، لندن

باريس 28 آذار/مارس 1848

…. فيما يتعلق بالأحزاب المحلية هناك ثلاثة أحزاب كبيرة بكل ما في الكلمة من معنى، دونما اعتبار للتشكيلات الصغيرة (الملكيين والبونابرتيين الذين لا شاغل لهم سوى المكائد والذين يمثلون شيعا صغيرة لا نفوذ لها البتة على الشعب. وبعض هذه التتشكيلات غنية، لكن من المستبعد أن يكون لها أمل في النصر). هذه الأحزاب الثلاثة هي، أولا، مقهورو 24 شباط/فبراير (1)، أي البورجوازيون الكبار وتجار البورصة واصحاب المصارف واصحاب المعامل وكبار التجار والمحافظون والليبراليون القدامى؛ ثانيا، البورجوازيون الصغار، الطبقة الثالثة، الكتلة الكبيرة من الحرس القومي التي انتقلت إلى جانب الشعب في 23 و24 شباط/فبراير، «الراديكاليون المعتدلون» المتأثرون خطى لامرتين و«الناسيونال» (2)؛ ثالثا، الشعب، العمال الباريسيون الذين يمسكون بباريس الآن بين ايديهم بمساعدة القوة المسلحة.

ان التناقض بين كبار البورجوازيون وبين العمال مباشر.

ويلعب البورجوازيون الصغار دورا وسيطا من أحقر* الأدوار. ومع ذلك، فان لهم الغالبية في الحكومة المؤقتة (لامرتين، ماراست، ديبون دي لور، ماري، غارنييه-باجيس، وإلى حد ما كريميو). وجميعهم في حيرة تامة من امرهم، ومعهم الحكومة المؤقتة. وكلما مال الوضع إلى الهدوء، مال حزب البورجوازية الصغيرة وحكومتها إلى جانب البورجوازية الكبيرة. وكلما بات الوضع ينذر بالخطر، سعيا من جديد إلى التقارب مع العمال. فمؤخرا على سبيل المثال، حين استعاد البورجوازيون قواهم إلى درجة نظموا معها زحفا على دار البلدية من فرقة من الحرس القومي تضم 8000 رجل، احتجاجا على مرسوم اصدرته الحكومة المؤقتة، وبالمناسبة على اجراءات لودرو-لوران الصارمة، أفلحوا فعلا في ارهاب الغالبية الحكومية، وبوجه خاص لامرتين الضعيف الشخصية، إلى درجة لم يحجم معها هذا الأخير عن التبرؤ علنا من لودرو-لوران. لكن 200000 عامل ساروا في اليوم التالي، في 17 آذار/مارس، إلى دار البلدية ليؤكدوا للودرو-لوران ثقتهم اللامشروطة، فأرغموا لامرتين والغالبية الحكومية على الرجوع عن قرارهما. وهذا ما يجعل كفة الميزان ترجح من جديد لصالح أنصار صحيفة «الاصلاح» (لودرو-لوران، فلوكون، لوي بلان، ألبير، آراغو). وهؤلاء الأخيرون يمثلون على أكمل وجه، دون سائر أعضاء الحكومة، المصالح العمالية وهم شيوعيون بالرغم منهم وعلى مضض. ومما يدعو للأسف ان الصغير لوي بلان يسيء إلى سمعته اساءة جدية بحبه الزهو والغرور وبمشاريعه الخرقاء. ان فضيحة جدية لتنتظره. وبالمقابل يحسن لودرو-لوران التصرف.

أسوأ ما في الأمر أن الحكومة مضطرة، من جهة أولى، إلى توزيع الوعود على العمال، وعاجزة، من الجهة الثانية، عن الوفاء بأي منها نظرا إلى افتقارها إلى الشجاعة* الضرورية للحصول على المبالغ المطلوبة عن طريق تدابير ثورية ضد البورجوازية: ضريبة تصاعدية مرتفعة، ضريبة على الميراث، مصادرة أملاك جميع المهاجرين، حظر تصدير الذهب، انشاء مصرف دولة، الخ. انهم يتركون لجماعة «الاصلاح» مهمة توزيع الوعود ليضعوها فيما بعد، بحكم اكثر القرارات المحافظة مجافاة للعقل، في وضع تجد نفسها معه عاجزة عن الوفاء بتلك الوعود.

لم يبرز إلى حيز الوجود في الجمعية الوطنية سوى عنصر جديد واحد: الفلاحين الذين يؤلفون 5/7 من الأمة الفرنسية ويجهرون بتأييدهم لحزب البورجوازية الصغيرة، لـ«الناسيونال». ومن المرجح أن يفوز هذا الحزب، وأن يسقط أنصار «الاصلاح»، وأن تنشب الثورة من جديد. ومن الممكن أيضا أن يدرك النواب، بمجرد قدومهم إلى باريس، اين وصلت الأمور هنا، فيهموا أن أنصار «الاصلاح» هم وحدهم المهيؤون للبقاء في سدة السلطة لحين من الزمن. لكن هذا بعيد الاحتمال.

كذلك فان إرجاء الانتخابات لمدة اسبوعين انتصار للعمال الباريسيين على الحزب البورجوازي…
رقن موقع الطلبة الثوريون أنصار تيار المناضل-ة