حوارات التمدن: حواري مع عبد الله أبو شرخ حول النظرة الشاملة إلى المشاريع الإقليمية الراهنة للدولة الفلسطينية..


ماهر عدنان قنديل
2016 / 6 / 8 - 23:43     

برعاية مؤسسة الحوار المتمدن:

تعريف بالأستاذ عبد الله أبو شرخ: كاتب ومفكر فلسطيني. (المصدر الحوار المتمدن).

البداية:

* ماهر عدنان قنديل: تحياتي الأستاذ عبد الله أبو شرخ، الصراحة مبادرة (البي دي أس) رغم أهميتها الكبرى في خدمة القضية الفلسطينية إلا أنها تبقى بعيدة عن الإهتمام الإعلامي والتعاطي السياسي، يجب إيجاد السُبل الفعالة لإنعاش هذه الخطوة وإشهارها بصورة واسعة لتجد ردود فعل عند كل الفئات في الوطن العربي والعالم.

* عبد الله أبو شرخ: تحية طيبة سيد ماهر، أضيف إلى ما تفضلت به أن موضوع البي دي إس كان مطلوب إثراؤه في مقدمة الحوار بصورة أكبر ، الحركة تتمدد في جامعات أمريكية وأوروبية كثيرة، ومؤخرا تم صدور قرار حكومي أمريكي بوقف اعتبار الوكالة اليهودية منظمة خيرية معفاة من الضرائب وهذا كان إنجاز خطير للحركة في أمريكا. أتفق معك حول ضرورة نشر الوعي بأنشطة وإنجازات حركة المقاطعة التي يمكن المراهنة عليها.

* ماهر عدنان قنديل: مشروع -البي دي أس- مقبول في مضمونه، لكن في حال تحقق دولة واحدة ديمقراطية تجمع بين مختلف المكونات، كيف سيكون ترتيب الساحة السياسية؟ وعن ماذا سينص الدستور في الدولة الواحدة؟ وهل فعلًا تستطيع العقليات (العربية واليهودية وغيرها) إستعاب الفكرة في التعايش الإجتماعي والتفاهم السياسي بعد كل هذه المشاحنات والصراعات التي تستمر منذ فترة طويلة؟
فمثلًا، اليوم نرى دولة جارة لفلسطين، هي سوريا، كانت ساحتها السياسية والإجتماعية مرتبة بطريقة متناسقة ومعتبرة قبل بضعة سنوات فقط، ولم تعد اليوم تستطع بناء توافق سياسي بين مختلف المكونات والطوائف لإيجاد حل شامل جامع لمرحلة مستقبلية تعيد لملمة المكونات، فكيف إذن سيكون الحال بالنسبة لفلسطين التي تشهد الإنقسامات الطائفية والسياسية منذ فترة طويلة؟
أرى أن الفكرة في العموم جميلة، ولكن تحقيقها على أرض الواقع (في هذا التوقيت بالذات) صعب ويتطلب مجهود خرافي وإمكانيات بشرية ومادية ونضالية كبيرة لتغيير قواعد اللعبة لصالح التعايش وإعادة تكوين العقليات الحاقدة والناقمة عند الطرفين، وليس هذا فقط، بل تغيير كل قواعد اللعبة السياسية في المنطقة وفي العالم، بما أن القضية الفلسطينية لم تعد تخص الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي فقط بل هي مشكلة دولية تتدخل بها مختلف الأطراف. قد لا أتفق كثيرًا بتشبيه القضية الفلسطينية بقضية جنوب إفريقيا، القضية الفلسطينية تختلف 180 درجة عن قضية جنوب إفريقيا، فهي أعمق وأعقد من قضية جنوب إفريقيا وتفوقها في الأهمية السياسية والإستراتيجية.

* عبد الله أبو شرخ: بالعكس الشبه كبير بين القضية الفلسطينية والقضية الجنوب أفريقية، ذلك أن البيض في جنوب أفريقيا هم احتلال استطياني إنجليزي تماما مثل اليهود في فلسطين. من جهة أخرى كانت دولة جنوب أفريقيا العنصرية تطبق قوانين وأنظمة خاصة بالبيض وقوانين عنصرية أخرى خاصة بالسود، ولدينا في فلسطين نفس الشيء، حق العودة مكفول لليهود ومحروم منه الفلسطيني، بل إن هناك طرق للمستوطنات في الضفة الغربية خاصة باليهود والمستوطنين ومينع سير المركبات الفلسطينية عليها !
على العكس من الاعتقادات الشائعة، فإن الدولة الواحدة على الأرض والواقع قائمة فعلاً، ولكنها دولة خاصة باليهود دون السكان الأصليين ( الفلسطينيين )، ومن لحظة ما قرر المجلس الوطني الفلسطيني البحث عن حلول مع دولة الاحتلال العنصرية ضاعت الحقوق .. قضيتنا ليست حلول كما يظن الكثيرون، فالحلول هي اتفاق بين طرفين ولا تضمن أي عدالة أو مساواة، بينما لو كانت قضيتنا حقوق أساسية لتغير الحال. ليس مهما جنسية من يحكم حتى لو كان يهودياً أو مسيحياً أو مسلماً أو درزياً، المهم هو حقوق المواطنين في تلك الدولة، ولهذا فإن الشعار الأساسي لحركة بي دي إس هو ( حرية / عدالة / مساواة ).
أيضاً على عكس الشائع والمتداول في طوحين الإعلام الرأسمالي المتصهين، فإن حركة بي دي إس تحقق إنجازات باهرة في جميع جامعات أمريكا وأوربا وأستراليا، بدءاً من اتحادات الطلاب وحتى جمعيات الأكاديميين، ويكفي أن تعلم أن جمعية العلمية للعماء الأمريكيين وتضم 7500 عالم وباحث قد قررت مقاطعة إسرائيل أكاديمياً .. أمس نشرت صحيفة إسرائيلية خبر تصويت اتحاد علماء الأنثروبولوجي الأمريكيين على مقاطعة إسرائيل. نحن لا نتملك أي قوة مسلحة لتحقيق العدالة في فلسطين ولكن مقاطعة إسرائيل وإضعافها اقتصاديا كفيل بإسقاطها كدولة عنصرية من أجل تحقيق الدولة الديمقراطية الواحدة، التي سيكتب لها دستور علماني يجرد المؤسسات الدينية من أي سلطة سياسية ويمنع تدخلها في تنظيم الدولة.

* ماهر عدنان قنديل: أنا أتفق أن هناك تشابه في المضمون بين قضية فلسطين وجنوب إفريقيا، لكنني أجد أن قضية فلسطين أعقد وأعمق من ناحية الحلول، من جهة أخرى، أود معرفة أراء أعضاء حركة -البي دي أدس- في الأحداث التي تعيشها المنطقة؟ وهل سيؤثر الحاصل في المنطقة على أداء الحركة؟ خصوصًا أن القضية الفلسطينية التي كانت تتصدر المشهد الدولي لم تعد (عمومًا) الشغل الشاغل لمعظم المؤسسات الدولية الحكومية وغير الحكومية منذ بداية أحداث الربيع العربي.. وأظن أن النظرة الدولية بتزايد الطائفية وصعود التشنجات الإثنية في الشرق الأوسط ستؤثر بشكل كبير على أداء الحركة، فاليوم مع كثرة الحديث عن محاولات لتقسيم المنطقة بين طوائف عدة، كيف ستناضل حركة -البي دي أس- ضد حصول ذلك دوليًا وإقليميًا بتشجيع التعايش بين مختلف الطوائف في أشد الصراعات (الصراع العربي اليهودي) تعقيدًا؟

* عبد الله أبو شرخ: في الحقيقة أن الصراعات الطائفية الدائرة في المنطقة لم تؤثر على نشاطات البي دي إس، ذلك أن نشاط الحركة في معظمه هو نشاط دولي ساحاته هي اتحادات الطلبة في جامعات أوروبا وكندا والولايات المتحدة، وباعتراف مسؤولين إسرائيليين فإن الدولة العبرية قد فشلت في مواجهة الحركة. قبل نحو أسبوع فقط صوت اتحاد علماء الأنثروبولجي الأمريكان على قرار مقاطعة إسرائيل. في الحقيقة أن حركة المقاطعة نجحت في إبراز صورة إسرائيل كدولة عنصرية إرهابية قائمة على القتل وسرقة الأرض واضطهاد 12 مليون فلسطيني من حقهم أن يعيشوا على أرضهم بحرية وعدالة ومساواة، وهو ما يقلق العنصريين الصهاينة.

* ماهر عدنان قنديل: أود معرفة ما هي نظرة حركة -البي دي أس- لِما يحدث في الشرق الأوسط عمومًا من صراعات طائفية خارج الصراع التقليدي بين العرب واليهود؟ وما تأثيرات ذلك على نضال الحركة؟ خصوصًا أن الحركة تتخذ من التعايش والتقارب بين العرب واليهود عنوانًا لنضالها وما يحدث في المنطقة من صراعات طائفية سيضر بلا شك على إقناع المجتمع الدولي لإيجاد حل تعايشي بين الطوائف في فلسطين، فاليوم أصبحنا نسمع عن مشاريع لإنتاج دويلات إثنية جديدة في المنطقة (رغم أنني لا أؤمن الصراحة بإمكانية حدوث ذلك) لكن أظن أن كل هذا المناخ السئ في المنطقة سيؤثر على نضال حركة -البي دي أس-..
تحياتي الأستاذ عبد الله

* عبد الله أبو شرخ: الحركة تعتبر أن الأديان منتج حضاري قديم وعلى الدولة العلمانية أن تقف على نفس المسافة من جميع المعتقدات. فقط ما يثير الشك حول علمانية إسرائيل، هو أن المتدينين لهم أحزاب سياسية ويدخلون الانتخابات ويمارسون الحكم، ولهذا فإن علمانية الدولة هي إحدى الإشكاليات التي يتوجب العمل عليها. حديثاً، تم إنشاء منظمة يسارية يهودية تضم 2600 عضو، يطالبون بدولة واحدة وكذلك بحق عودة اللاجئين إلى بلادهم. حتى الآن فإن الكثير من الجامعات والبلديات في الغرب تنضم لأنشطة مقاطعة إسراائيل اقتصاديا وأكاديميا وثقافيا، وبصراحة فإن المنجزات العالمية للحركة تزرع بذور الأمل في مستقبل أفضل، وإن كانت العنصريات الدينية تشكل عائق أمام التعايش وهذه حقيقة لا يمكن تجاوزها. لكن العنصريات هي مجرد أفكار وقناعات ومعتقدات حول نقاء عرق أو دين معين ولا أظن أن تلك المعتقدات قادرة على الصمود في عصر علومة الثقافة الإنسانية.
شكرا للتواصل والمشاركات الخلاقة وتقبل تحياتي

إنتهى.