ميزانية الدولة (ترجمة من كتاب الاقتصاد السياسي)


محمد علي الماوي
2016 / 6 / 8 - 00:33     

ميزانية الدولة
(ترجمة من كتاب الاقتصاد السياسي)
ان الدولة البرجوازية هي جهاز تستعمله الطبقات المستغلة(بكسر الغين) لاضطهاد الاغلبية المستغلة (بفتح الغين) في المجتمع ولصيانة مصالح الاقلية المستغلة (بكسر الغين) في مجمل السياسة الداخلية والخارجية.
وتملك الدولة البرجوازية لغرض الاضطلاع بمهمتها جهازا متكاملا من الجيش والبوليس والهيئات الردعية والقضائية وجهازا للاستخبارات وشتى انواع اجهزة الادارة والتأثير الايديولوجي على الجماهير.وتحمّل كل المصاريف التي يستلزمها ادارة جهاز الدولة على الميزانية التي تستمد ارصدتها من الضرائب والقروض.
ان ميزانية الدولة هي اعادة توزيع جزء من الدخل القومي لصالح الطبقات المستغلة (بكسر الغين) ويتم ضبطها على شكل تعميم سنوي لمداخيل الدولة ومصاريفها.وقد كتب ماركس يقول :ان ميزانية الدولة الراسمالية ليست سوى ميزانية طبقية"(ماركس –انجلز المؤلفات الجزء التاسع ض146-الطبعة الروسية)
ان جزءا هاما من موارد ميزانية الدولة يخصص في ظل النظام الراسمالي الى تحضير الحروب وخوضها ويجب ان يدرج ضمن ذلك التكاليف التي تستلزمها البحوث العلمية في ميدان انتاج وتطوير اجهزة جديدة تستعمل لابادة البشرية بالجملة وان يدرج ايضا ضمن ذلك المصاريف التي تنفق للقيام في الخارج باعمال العرقلة والتخريب.ويخصص قسط هام آخر من مصاريف الدولة الراسمالية لهدف صيانة جهاز اضطهاد الكادحين.
" ان العسكرة هي اليوم نتاج للراسمالية وهي بشكليها تجسيد حيوي للراسمالية كقوة عسكرية تستعملها الدولة في نزاعاتها الخارجية وكأداة في ايدي الطبقات السائدة على قمع مختلف نضالات البروليتاريا-نضالات اقتصادية وسياسية"(لينين-العسكرة العدوانية وتكتيك الاشتراكية الديمقراطية في معاداة العسكرة –المؤلفات الجزء 15-ص169)
وتنفق الدولة خصوصا في فترة الازمات والحروب مبالغ طائلة لدعم المؤسسات الراسمالية دعما مباشرا وحتى تضمن لها ارباحا مرتفعة.وكثيرا ماكانت التعويضات المعطاة الى البنوك والراسماليين الصناعيين تهدف الى انتشال هذه المؤسسات واصحابها من الافلاس اثناء الازمات.وبواسطة اوامر الدولة يستحوذ الراسماليون على مليارات من الارباح الاضافية الموظفة على حساب مصاريف الميزانية.
وفي البلدان الراسمالية تمثل المصاريف المخصصة للثقافة والعلوم والتعليم والصحة جزءا ضئيلا من ميزانية الدولة. وفي الولايات المتحدة مثلا فان الميزانيات الفيدرالية خلال هذه السنوات الاخيرة بلغ حجمها اكثر من ثلثي القيمة الاجمالية للواردات خصصت لاغراض عسكرية في حين خصص اقل من 4 بالمائة للصحة والتعليم العمومي وبناء المساكن وكان قسط التعليم العمومي يمثل اقل من 1 بالمائة.
ان الضرائب تشكل الجزء الاعظم من مداخيل الدولة الراسمالية فقد كانت الضرائب تمثل مثلا بانكلترا سنة 1938 نسبة 89 بالمائة من القيمة الاجمالية لمداخيل ميزانية الدولة.
ان الضرائب في النظام الراسمالي هي شكل استغلال اضافي للكادحين بواسطة اعادة التوزيع الميزاني لجزء من مداخيلها لصالح البرجوازية.وتسمى الضرائب بالضرائب المباشرة اذا كانت موظفة على الاجور الفردية وبالضرائب غير المباشرة اذا كانت موظفة على البضاعة المتداولة (اساسا حاجيات الاستهلاك اليومي)او على الخدمات(مثل تذاكر السينما او المسرح او التذاكر الموزعة على مستعملي وسائل النقل داخل المدن الخ...)
وترفع الضرائب غير المباشرة من اسعار البضائع والخدمات.والواقع ان المستهلكين هم الذين يدفعون هذه الضرائب.ويسقط الراسماليون على كاهل المستهلكين ايضا جزءا من اداءاتهم المباشرة بواسطة الرفع في اسعار البضائع والخدمات.
ان سياسة الدولة البرجوازية تهدف الى التخفيف من الاعباء الجبائية الموظفة عل الطبقات المستغلة (بكسر الغين) ويتهرب الراسماليون من تسديد الضرائب باخفاء الحجم الحقيقي لمداخيلهم.
" ان سياسة الضرائب غير المباشرة تعود بمنافع جمة على الطبقات السائدة "ان الضرائب غير المباشرة الموظفة على الحاجيات الاستهلاكية للجماهير هي في غاية الجور والحيف فتسحق الفقراء تحت وطأتها في حين توفر الامتيازات للاغنياء. وبقدر مايكون الانسان معوزا اكثر بقدرما يتعاظم القسط الذي يسلّمه الى الدولة في شكل ضرائب غير مباشرة من مجموع دخله.ان جماهير الملاك الصغار والمجردين كليا من الملكية تشكل تسعة اعشار السكان وهي تستهلك تسعة اعشار المنتوجات وتسدد تسعة اعشار من المبلغ الجملي للضرائب غير المباشرة"(لينين حول ميزانية الدولة-المؤلفات الجزء 5 ص309-الطبعة الروسية)
وبالتالي فان العبء الاعظم من الضرائب ملقى على كاهل الجماهير الكادحة من عمال وفلاحين وموظفين وكما سبق ان اشرنا انفا فان ما يناهز ثلث اجور العمال والموظفين في البلدان الراسمالية الحالية ينقل الى ميزانية الدولة في شكل ضرائب.وينؤ عبء الفلاحين ايضا تحت الضرائب الثقيلة مما يزيد في تفاقم البؤس في صفوفهم.
وفضلا عن الضرائب فان القروض تشكل كذلك رافدا هاما من مداخيل الدولة الراسمالية.
ان الدولة الراسمالية تلجأ في كثير من الاحيان الى القروض لتسديد مصاريف خاصة.وفي المقام الاول المصاريف العسكرية وتستعمل الدولة جزءا هاما من الموارد الحاصلة عن طريق القروض لغرض تسديد ادوات التسلح والتجهيز العسكري التي تدر على الراسماليين مرابيح طائلة.وهكذا فان القروض تجر في النهاية تصاعدا جديدا في ارتفاع الضرائب التي ترهق الكادحين لسد القروض وتصفية رباها.لذلك فان مبلغ الدين العمومي ينمو في البلدان الراسمالية بسرعة فائقة.(...)
ان اصدار الاوراق النقدية يعد كذلك احدى مصادر مداخيل ميزانية الدولة حيث يجر هذا الاصدار التضخم المالي وارتفاع الاسعار فينجم عن ذلك انتقال جزء من الدخل القومي الى الدولة البرجوازية مما يؤدي الى التخفيض من مستوى عيش الجماهير الشعبية.
وهكذا فان ميزانية الدولة في النظام الراسمالي هي في ايدي الدولة البرجوازية بمثابة اداة اضافية لتجريد الكادحين من الملكية ولاثراء الطبقة الراسمالية ولتعميق الطابع الطفيلي وغير المنتج لاستعمال الدخل القومي.
(كتاب الاقتصاد السياسي- اكاديمية العلوم في الاتحاد السوفياتي-معهد الاقتصاد- نص مطابق للطبعة الثانية 1955)
ترجمة ونسخ _ محمد علي الماوي_
تونس -7 جوان 2016