قيم الاشتراكية


فريدة النقاش
2016 / 6 / 1 - 21:52     

قضية للمناقشة : قيم الاشتراكية


سوف ينقضى زمن يطول أو يقصر – طبقا لمعطيات كثيرة – حتى تصل الإنسانية كلها إلى الاشتراكية، فلم يتوصل البشر حتى الآن إلى منظومة متكاملة من الأفكار والقيم والرؤى والممارسات تفضى للقضاء على استغلال الإنسان للإنسان، وتحرير كل البشر من الخوف والحاجة، من الجوع والتشرد سوى الاشتراكية.

ويسخر المدافعون عن “خلود” الرأسمالية من هذه الأفكار، هم الذين قال أحد مفكريهم إن الرأسمالية هى نهاية التاريخ، ولكنه عاد وقال إنه أخطأ حين انفجرت مظاهر الصراع الطبقى الضارى فى أمريكا ،أى فى أغنى بلاد العالم قاطبة، وزعيمة الإمبريالية، ومعقل مؤسسات الرأسمالية العالمية التى تستعبد الشعوب بالإملاءات والديون، أى البنك الدولى وصندوق النقد الدولى وهيئة المعونة الأمريكية.

وقدم انهيار الاتحاد السوفييتى ومنظومة البلدان الاشتراكية فى مطلع تسعينيات القرن الماضى حججا قوية للقائلين “بخلود” الرأسمالية التى تعرضت عبر تاريخها لأزمات كبرى وخرجت منها سالمة، ولكنهم لم يتوقفوا أبدا أمام الثمن الذى دفعته الشعوب لهذا الخروج، ولا أمام مفارقة زيادة الثروات فى العالم مع زيادة الفقر والجوع والأمية والمرض، ولا أمام تآكل الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وحتى السياسية التى حصلت عليها الشعوب عبر نضال طويل فى ظل نظم الديمقراطية الاجتماعية التى تأسست بعد الحرب العالمية الثانية واستأسدت عليها القوى الرأسمالية بعد سقوط المنظومة الاشتراكية.

فهل حمل هذا السقوط معه القيم التى كانت الثورة الاشتراكية الأم فى روسيا عام 1917 قد انتجتها، بل وانتشرت هذه القيم فى العالم أجمع؟

كان هذا هو أحد الأسئلة التى جرى طرحها فى مؤتمر العلاقات المصرية – الروسية عبر العصور الذى نظمه الأسبوع الماضى المجلس الأعلى للثقافة بالاشتراك مع الجامعة الروسية المصرية التى يرأسها الدكتور “شريف حلمي”.

شارك فى المؤتمر وفد من العلماء والباحثين الروس رفيعى المستوى الذين ربطت صداقة علمية وإنسانية بينهم وبين الدكتورة “زبيدة عطا” أستاذة التاريخ ومقررة لجنة التاريخ بالمجلس الأعلى للثقافة ودينامو المؤتمر.

وكانت الدكتورة “زبيدة” قد نظمت على مدار ما يقارب العقدين مؤتمرات وورشات عمل بين الدوائر العلمية فى كل من مصر وروسيا، وتمتعت فى هذا الصدد ببصيرة وطنية تأسست على العلم، مدركة ضرورة تعميق هذه العلاقات وبنائها على أساس استراتيجي، ولم تكن مصادفة أن ورقتها فى هذا المؤتمر كانت عن السد العالي.

سقط النظام فى البلدان الاشتراكية وتغيرت الوجوه والتوجهات، ولأن الثقافة تبقى طويلا بعد زوال الأساس المادى الذى تنهض عليه، بقيت أفكار ورؤى وقيم الاشتراكية ضاربة بجذور عفية فى وعى قطاعات واسعة لأمن جماهير روسيا والاتحاد السوفييتى السابق فقط، بل إنها تضرب أيضا بجذورها العميقة فى وعى ملايين البشر عبر العالم، وتلهم هذه الأفكار والرؤى والقيم نضال هذه الملايين من أجل تغيير الواقع البائس الذى تعيشه وهى تبتكر صورا للديمقراطية تتجاوز كثيرا الشكل الذى حاولت الرأسمالية أن تحبسها فيه وهو صندوق الانتخابات فقط.

وفى حين يتذكر العالم العربى الآن اتفاقية “سايكس بيكو” بمناسبة مرور مائة عام على صدورها من قبل الدول الإمبريالية لتقسيم بلداننا فيما بينها، وتبرز قيمة التضامن بين الدول الاشتراكية والاتحاد السوفييتى خاصة كدولة كبيرة وبين الدول الصغيرة والمستعمَرة “بفتح الميم” حين قام الزعيم السوفييتى “لينين” بإعلان الوثائق السرية “لسايكس بيكو” التى كانت روسيا القيصرية طرفا فيها، وتأسس بذلك مبدأ التضامن بين الاتحاد السوفييتى وحركة التحرر الوطنى دون التمييز بين الكبير والصغير الذى قامت عليه السياسة الاستعمارية حين نهبت البلدان الصغيرة.

وعقب تأميم شركة قناة السويس عام 1956 وقيام الدول الاستعمارية بشن الحرب على مصر، قدم الاتحاد السوفييتى – كدولة عظمى وعضو فى مجلس الأمن إنذارا للدول المعتدية مما اضطرها – مع مقاومة الشعب المصرى – إلى وقف الحرب والانسحاب من الأراضى التى احتلتها، وبعدها قدم السوفييت عونا نزيها لمصر لبناء “السد العالي” وإنشاء القاعدة الصناعية ومعظمها فى صعيد مصر.

واستضافت مجانا جامعة الصداقة فى موسكو التى أطلق عليها اسم الزعيم الأفريقى “باتريس لومومبا” آلاف الطلاب والباحثين المصريين، وحين وقعت هزيمة 1967 بادرت موسكو إلى إعادة تسليح الجيش ومساعدته فى بناء حائط الصواريخ.. والقائمة تطول إذا شئنا أن نحلل تغيير الثقافة والقيم الجديدة التى نتجت عن الثورة الاشتراكية وبقيت حية رغم هزيمة النظام، ويقوم مثقفون ومناضلون فى العالم أجمع بتجديد دمائها وتطويرها حتى لا تموت المثل العليا والقيم الإيجابية التى لن تموت أبدا.