الحوار المتمدن ما بين الواقع و الطموح

إبراهيم إستنبولي
2005 / 12 / 9 - 13:20     

لقد كانت ولادة الموقع الإلكتروني " الحوار المتمدن " قبل أربع سنوات بمثابة طاقة الدفء الشمسي ، التي أخرجت ما هو كامن في نفوس الكثيرين من أبناء شعوب هذه المنطقة من كبت سياسي و ثقافي و فجّر الرغبة الكبيرة في الكتابة عند عدد كبير من الكتاب للتعبير عن مكنوناتهم في مختلف المجالات ، حيث لم يكن معظم الشباب المثقف يجد من فسحة للنشر في ظل سيطرة رسمية شمولية على مختلف وسائل الإعلام و على المؤسسات الثقافية تعمل آلتها باستمرار لإقصاء كل من يخالفها الرأي و الموقف .. و قد شكل الموقع المتميز " الحوار المتمدن " جسراً للتواصل بين المثقفين على امتداد الكرة الأرضية و للإطلاع على ما يجري في متخلف بلدانهم .
كما لعب موقع " الحوار المتمدن " دوراً مميزاً في ثقافة الاختلاف و احترام الرأي الآخر ... و كان له حضور متميز في تفعيل مختلف الحملات إدانة أو دعماً بخصوص هذه القضية أو تلك .. و بات الموقع يلعب دوراً هاماً في التأثير على الحركة الثقافية و السياسية و في تشجيع الآراء المقاومة للاستبداد و لسياسة الإقصاء ، التي مارستها و لا زالت تمارسها مختلف الأنظمة في البلدان العربية ..
كما كان له دور ريادي في الدفاع عن حقوق المرأة و التأكيد على أهمية الدور المجتمعي ، الذي يمكن للمرأة أن تلعبه و يجب أن تلعبه في مختلف مجالات الحياة السياسية و الثقافية ..
نعم لقد كان للموقع فوائد و خدمات رائعة ... و لكن ...
مما لا شك فيه أن ثورة الاتصالات و ما رافقها من زحمة كبيرة على خط المواقع الإلكترونية قد قللت من فاعلية هكذا موقع " ديموقراطي إلى حد الشعبية " مثل " الحوار المتمدن " .. إذ أن هناك كماً هائلاً من المواد التي ينشرها الموقع يومياً جعلت المتتبع لأخبار و نشاط الموقع يزهق و لا يلحق في سبيل قراءة المواد .. خصوصاً بعد ظهور أعداد لا تحصى من المواقع الإلكترونية " الناطقة " باللغة العربية . كما أن غياب " التخصص " لدى الموقع كان قد حوله إلى هايد بارك في زمن يتطلب التخصص و في عالم يميل إلى التخصص .. و لذلك فإن عدم القيام بإعادة تحديد مهام الموقع بعد الفورة في المواقع قد ألحق ضرراً بالأهداف التي يطمح إلى تحقيقها المشرفون على الحوار المتمدن .. و في هذا المجال أرى أنه كان يتوجب عليكم ، السادة المشرفون ، أن تعيدوا النظر في ترتيب الأولويات .. فلا يعود ينشر الموقع كل شيء .. بل لا بد من التدقيق في أهمية و راهنية المواد التي ترسل للنشر .. هذا من ناحية . و من ناحية أخرى ، أعتقد أنه لا بد من التركيز على الطابع الفكري السياسي للموقع ... و الابتعاد عن نشر المواد ذات الطابع الأدبي أو الطبي أو التقني ... و لا داعي لإثقال صفحات الموقع بكل ما هب و دب من مواد قد لا تحمل أية قيمة معرفية أو لا تثير أية إشكالية و لا تعبر عن موقف أو لا تطرح موضوعاً للنقاش ..
كما إنني اقترح بدلاً من نظام الملفات المعتمد من قبل الموقع بخصوص مختلف القضايا الفكرية أو السياسية الانتقال إلى نظام آخر يمكِّن المشارك من الرد على ما يكتبه الآخرون و من طرح موضوع ما للنقاش .. أي مبدأ المنتديات .. إذ لا يجوز أن يكتب كل من يشاء ما يشاء دون أن يكون من حق مَن يقرأ التعليق أو الرد أو الدخول في نقاش على صفحات الموقع ..
من المرجح أن تجد هذه الصيغة المزيد من اهتمام الناس بما يطرحه الموقع للنقاش و سيدفعهم أكثر لزيارة الموقع و للمشاركة في مناقشة ما يطرحه كتاب الموقع .! طبعاً إذا كان هذا ممكناً من الناحية التقنية .
أما بخصوص آلية نشر المواد و طريقة عرضها فإنني أعتقد أن الحوار المتمدن ما زال واحداً من بين المواقع الأكثر جاذبية و الأسهل للاستخدام .. و أن التخديم التقني للموقع جيد و لا بأس من الاستمرار بطريقة إضافة المواضيع ..