نمو حركة ثورية عربية من نوع جديد


مهدي عامل
2020 / 5 / 19 - 14:00     

مداخلة حول “نمو حركة ثورية عربية من نوع جديد”

مداخلة القاها المفكر الشهيد مهدي عامل في الندوة اللبنانية العربية العالمية التي عقدت في طرابلس (من 9 الى 13 كانون الاول 1986) بدعوة من الحزب الشيوعي اللبناني.

نص المداخلة:

“ٍاجتهد في ان تكون مداخلتي مقتضبة: الشعار “نحو حركة ثورية عربية من نوع جديد” يطرح سؤالاً: قياسًا على ماذا ننحدد هذه الحركة في جديدها التاريخي؟ الجواب: قايسًا على واقعها الحاضر والماضي. وواقعها الحاضر والماضي يتميز بكونها في ازمة. ما طبيعة هذه الازمة مفهوميًا ونظريًا؟ الازمة تكمن في وجود الحركة التاريخية، في تناقض بنيوي يعيق تطورها ويستدعي بالضرورة تحويله في اتجاه وضع الحركة التاريخية في افق آخر يكون حافزًا لها للتطور ولإنجاز مهماتها. الكلام ما يزال مجردًا ملموسيًا: ما هي طبيعة ذلك التناقض؟ انه تناقض بين طبيعة حركة التحرر الوطني والقيادة الطبقية الفعلية لهذه الحركة. طبيعة هذه الحركة: انها مناهضة للامبريالية في مناهضتها للرأسمالية ومناهضة للرأسمالية في مناهضتها للامبريالية. اما قيادتها: فهي بالعموم برجوازية. والسؤال هو التالي: كيف يمكن للبرجوازية أن تقود صيرورة تاريخية،صيرورة التحرر الوطني التي هي صيرورة ثورية بما هي صيرورة قطع علاقة التبعية البنيوية بالامبريالية وتقويض لعلاقات الانتاج الرأسمالية المرتبطة تبعًا بالامبريالية؟ والتبعية قائمة في وجود هذه العلاقات الرأسمالية بالذات والتحرر من هذه العلاقات هو التحرر من الامبريالية والرأسمالية معًا. ومع هذا، فثمة التباس قد يقود البعض الى التحفظ في الكلام عن أزمة. الالتباس ناتج من وجود انظمة تسير في خط وطني معادٍ للامبريالية ومن وجود فئاتٍ وسطية تحتل فيها موقع السيطرة الطبقية في السلطة. فكيف يصبح الكلام على ازمة بالنسبة لهذه الانظمة، والى هذه الفئات؟. الازمة في رأيي هي ما يلي: من موقع وجودها في علاقة تبيعة بالامبريالية،في النظام الرأسمالي العالمي، هذه الانظمة هي في تناقض مع الامبريالية وفي صراع معها. ولا انفي ممارسة العداء للامبرالية وتأمين الشروط الضرورية لاعادة انتاج علاقات الانتاج الرأسمالية القائمة، وثانيًا، بين كونها فئات وطنية سياسيًا ووجودها في السلطة في علاقات الانتاج الرأسمالية في موقع السيطرة الطبقية، وموقع السيطرة الطبقية هذه في هذه العلاقات هو موقع البرجوازية، وتامين تجدد علاقات الانتاج الرأسمالية يكون بديمومة تجدد نظام البرجوازية.هذا في رأيي هو التناقض/الازمة ، هذا هو الاساس المادي للأزمة في حرة التحرر.

لكن هذه الازمة مضاعفة التحدد بنهج سياسي خاطىء للنقيض الطبقي للبرجوازية او لأحزاب ثورية مفترض فيها ان تسير في نهج مناهض لنهج البرجوازية في حركة التحرر الوطني. هذه هي المسألة الاساسية، ضرورة ان يكون للطبقة العاملة نهجها الطبقي الخاص الذي تسعى فيه الى تغيير القيادة السياسية البرجوازية للصيرورة الثورية حتى تتحرر هذه الصيرورة من عائق وجودها في ذلك التناقض البنيوي المأزقي فتحرّر بالتالي من ازمتها.

الآن النقطة الثانية: ما هي طبيعة الحركة الثورية الجديدة او التي هي من نوع جديد؟ انها تحالف طبقي سياسي بين طبقات وفئات اجتماعية لها مصلحة في التغيير الثوري، وهي ايضًا تحالف بين تنظيمات سياسية تمثل مصالح هذه الطبقات والفئات او تدّعي هذا التمثيل وتقود نضالها او تدّعي قيادته. مشكلة الديمقراطية هنا تكمن في تحديد طبيعة العلاقة بين اطراف التحالف او عناصر الحركة الثورية. لا يكفي القول ان هذه العلاقة يجب ان تكون كذا وكذا، مثلاً ان تكون ديموقراطية بمعنى ان يكون لكل طرف من اطراف التحالف حقه في التنظيم السياسي وحقه في الاختلاف وفي ممارسة الاختلاف ضمن وحدة الحركة الثورية نفسها. يجب التركيز في العوائق التي تصطدم بها هذه الديموقراطية الثورية وتحول دون تحققها. ومن أهم هذه العوائق إن لم يكن اهمها على الاطلاق هو احتلاف فئات غير مهيمنة موقع الهيمنة الطبقية في التحالف، حين تحتل تلك الفئات هذا الموقع في السلطة او خارجها في التحالف الطبقي الثوري، فهي تنزع دومًا الى القمع والديكتاتورية بالضرورة والى محاولة القضاء على البديل الثوري بشكل خاص.

من هنا ضرورة تغيير القيادة السياسية الطبقية لصيرورة التحويل الثوري في خط الانتقال الى الاشتراكية حتى تتمكن هذه الصيرورة من متابعة مراحلها. فالشرط الاساسي لإمكانية تلك الديموقراطية الثورية هو في رأيي ان تحتل الطبقة المهيمنة النقيض، اي الطبقة العاملة، موقع الهيمنة في التحالف بهيمنة نهجها السياسي، وبإظهار قدرتها على القيادة بالممارسة الثورية وإثبات أهليتها لقيادة التحالف وقيادة الصيرورة الثورية، وكذلك لا يكون بقرار، بل بممارسة ثورية وبنضال دؤوب يضع مصلحة الثورة فوق كل اعتبار.

إذاً، موقع الحزب الثوري، حزب الطبقة العاملة في الحركة الثورية ودوره فيها من حيث هو حزب الطبقة المهيمنة النقيض، هو ضمانة وجود الديموقراطية الثورية واستمرارها في الحركة الثورية نفسها. وهذا ايضًا لا يتحقق بقرار با بممارسة ثورية وبنضال جماهيري طويل ومعقد. فإذا انحصر الحزب الثوري في ان يكون حزب الطبقة العاملة وحدها دون غيرها من حلفائها، فشِل في ان يكون حزبها وفي ان يكون بالتالي ثوريًا.