الحرية تسقط الأسوار


فريدة النقاش
2016 / 5 / 19 - 08:46     

قضية للمناقشة : الحرية تسقط الأسوار

يثير الحكم الذي صدر بالحبس لسنتين ضد عشرات من شباب المتظاهرين احتجاجا علي ترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية والذي أدي إلي نقل ملكية جزيرتي “تيران” و”صنافير” إلي المملكة – يثير قلق الأوساط الديمقراطية، ويشكل نذير شؤم حول مستقبل الحريات العامة في البلاد. وبخاصة حقوق التعبير والتنظيم حول مستقبل الحريات العامة في البلاد. لأن ضغوطا اضافية يجري ممارستها ضد المجتمع المدني.

ليس من حقنا- بطبيعة الحال- أن نعلق علي أحكام القضاء- ولكن من حقنا أن نعيد التأكيد علي ضرورة إعادة النظر في قانون التظاهر الذي زج الأمن بمقتضاه مئات من الشباب في السجون، إضافة إلي ممارسات الاجهزة المنافية كلية للدستور الجديد، هذا الدستور الذي خصص بابا رائعا للحريات العامة يحصنها ضد أي إنتهاك، وعلي ما يبدو فإن الجهات غير الراضية عنه داخل السلطة تسعي لتهميشه وعدم الاعتراف به كمرجعية يعتمدها المصريون في علاقاتهم بالحكم بعد موجات هائلة من الثورة.

لم يكن الشباب الذين تظاهروا يحتجون فقط علي ترسيم الحدود مع السعودية دون أي حوار مجتمعي، وإنما كانوا يحتجون أيضا علي تجاهل المشاعر الوطنية التي يمكن أن يثيرها مثل هذا الإجراء المفاجئ، ودون أن يقول لهم أحد شيئا وكأنهم بصدد أمر عسكري وعليهم السمع والطاعة. وكان هذا هو الخطأ الفادح الذي ارتكبته السلطات في موضوع الجزيرتين، وهي تواصل في عناد تجاهل الأمر

وبالإضافة إلي موضوع الجزيرتين هناك ممارسات أخري تعد انتهاكا للحريات العامة، واستخفافا بالقانون ومن ضمنها ما حدث من اقتحام لنقابة الصحفيين، فضلا عن إحالة بعض المذيعات والمذيعين في اتحاد الاذاعة والتليفزيون للتحقيق حول آراء كتبوها علي مواقع التواصل الاجتماعي، وعمليات التهديد الضمنية التي تعرض لها، لا فحسب صحفيو المؤسسات القومية، وإنما ايضا صحفيون في المؤسسات الخاصة إذ يبدو أن المصالح المتشابكة مع دوائر في السلطة لعبت دورها في تغيير مواقف البعض وصولا إلي الانقلاب مائة وثمانين درجة علي مواقف سابقة كانوا قد اتخذوها قبل أيام قليلة فقط مساندين لموقف نقابة الصحفيين ضد العدوان عليها، وإذ بهم- بقدرة قادر- ينتقلون إلي الشاطئ الآخر، ويصبحون أكثر ملكية من الملك كما يقال.

ويجري تحشيد قطاعات واسعة من المجتمع المصري ضد الصحفيين، ويفسر كثير من المراقبين ذلك باعتباره إيذانا بعملية ترويض شاملة يتم فيها قصقصة أجنحة الصحفيين، واستعادة مساحة الحريات التي كانوا قد انتزعوها عبر نضالهم الطويل دفاعا عن نقابتهم التي كان “السادات” قد قرر ذات يوم تحويلها إلي ناد، ودفاعا عن حقوقهم وحرياتهم التي لا يعتبرونها ميزة لهم وإنما حق للمجتمع عليهم يقتضي أن ينافحوا عنه وهو ما يبرر مطالبتهم منذ زمن طويل بقانون لحر ية تداول المعلومات ونشرها.

هل يرتكب الصحفيون والإعلاميون اخطاء؟ طبعا يفعلون شأنهم شأن أي فئة اجتماعية اخري، لكن يجري تضخيم هذه الاخطاء التي ترتكبها قلة قليلة، لأن عمل الاعلاميين والصحفيين مكشوف ويتم تحت رقابة مشددة من الرأي العام ومن تربص بعض دوائر السلطة التي تتطلع لاحتوائهم وإسكات الاصوات الناقدة بينهم.

وتتجاهل هذه الدوائر التي تسيء إلي الرئيس “السيسي” وتخصم من شعبيته بوعي أو بدونه، أن متغيرات أساسية قد حدثت في مصر بعد موجات الثورة، وبعد ما اطلقته من وعي جديد تتسع قاعدته باستمرار، ويتحول المصريون بمقتضاه الي قوة فاعلة ترفض مقعد المتفرج.

ومن جهة أخري فإن التقدم الذي يحدث كل يوم في وسائط التواصل الاجتماعي في حين يتيح فرصا لتداول الشائْعات والتفاهات، والبذاءات احيانا إذ أن الجماعة اعيت من يداويها كما يقال ، فإنه يتحول بالتدريج الي اداة للوعي الجديد بوسعها أن تفلت رغم كل شيء – من قبضة السلطة، وتشكل منابر حرة لكل هؤلاء المهمومين بمستقبل وطنهم وهم الاغلبية.

وعلينا أن لا ننسي في هذا السياق، أن موجتي الثورة المصرية في 25 يناير 2011 وفي 30 يونيه 2013 استخدمت الانترنت كأداة تواصل، وربما كانت هذه الحقيقة هي التي تصيب الدوائر الرجعية في السلطة بالفزع فتبادر إلي تشديد الاجراءات القمعية ناسية تماما أن مثل هذه الاجراءات التي سبق أن اتخذ “حبيب العادلي” ما يشابهها لم تمنع الشباب من اطلاق موجات الثورة.

لا يكمن الخطر إذن في المنابر أو أدوات التواصل وإنما هو الواقع السياسي- الاقتصادي الاجتماعي وعمليات التضييق علي الحريات العامة واقصاء الجمهور هي التي تطلق موجات الغضب تصنع الأسوار والجدران بين السلطة والشعب.