مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني


مهدي عامل
2017 / 5 / 18 - 10:07     

مقدمات نظرية .. مهدي عامل
PostDateIconTuesday, 17 May 2016 11:00 | Written by الادارة | PDF | -print- | E-mail
مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني
في التناقض الفصل الرابع


الجزا الثالث
- 3 الحزب أداة الممارسة السياسية للطبقة العاملة
التناقض في الصراع الطبقي بين الممارسة السياسية للطبقة المسيطرة والممارسة السياسية للطبقة الرئيسية التي تقود التحالف الطبقي الثوري يقوم في أساسه على وجود الاختلاف بين طبيعة الحركة الانتباذية للممارسة الأولى وطبيعة الحركة الانجذابية للممارسة الثانية. لا شك أن هذا التناقض السياسي، في شكله التاريخي المحدد، وليد التناقض الاقتصادي في علاقة القوى المنتجة بعلاقات الإنتاج القائمة.إلا أننا لسنا في معرض البحث في تعقد البناء الاجتماعي، بل في تعقد التطور الاجتماعي، أي إن البحث ليس في علاقة التحدد في البناء الاجتماعي، بل في علاقة السيطرة في تطور البنية الاجتماعية.

والصراع الطبقي هو القوة المحركة لهذا التطور. معنى هذا أن السيطرة في تطور التناقضات الاجتماعية تعود دوما إلى التناقض السياسي في شكله التاريخي المحدد بالتناقض الاقتصادي، أي في تحركه داخل إطار التناقض الاقتصادي المحدد في « البناء الفوقي » له. ففي هذا البحث في الصراع الطبقي نحاول إذن، أن نعالج فعل للبنية الاجتماعية، أي الشكل الذي تحدد به ممارسة الصراع الطبقي « البناء التحتي » القاعدة المادية للبنية الاجتماعية، أي التناقض الاقتصادي الأساسي الذي هو، في هذه البنية، التناقض المحدد في النهاية لمختلف التناقضات البنيوية. قادنا إلى هذا البحث مشكلة طرحناها في البدء حين تساءلنا عن مدى فعل الفكر في حركة الواقع الاجتماعي، فظهرت لنا الضرورة في ربط تطور الفكر بالممارسة الأيديولوجية، كما ظهرت لنا الضرورة في ربط الممارسة الأيديولوجية بالممارسة السياسية، فكان التشعب في البحث دربا معوجا سرنا فيه للوصول إلى المحور، أي إلى الصراع الطبقي. من الحركة المحورية لهذا الصراع إذن، علينا أن ننطلق في فهم آثاره التي تولدها حركته هذه في ممارسته على مختلف المستويات البنيوية. حين نقول: إن حركة الصراع الطبقي حركة محورية نقصد بذلك: أولاً إن حركته هذه هي الحركة المحورية في تطور البنية الاجتماعية، أي إن التناقض السياسي هو التناقض المسيطر في تطور التناقضات الاجتماعية. ثانيا إن الممارسة السياسية هي الممارسة الرئيسية فيه، أي إن ممارسته الاقتصادية والأيديولوجية تابعة لممارسته السياسية وفي خدمة هذه الممارسة بشكل مباشر. غير أن أشكال هذه الممارسة للصراع الطبقي تختلف، كما قلنا، من طبقة إلى طبقة، وفي هذا الاختلاف يكمن التناقض الطبقي. والتناقض هنا ليس في ممارسة هذا الصراع وحسب، بل في أدوات هذه الممارسة أيضا. إذا كان جهاز الدولة الأداة السياسية للممارسة السياسية للطبقة المسيطرة، فالحزب هو الأداة السياسية والأيديولوجية الأساسية للممارسة السياسية للطبقة الثورية، أو لتحالف الطبقات الكادحة. والحزب، في حقيقته السياسية، بالنسبة إلى الطبقة الثورية، وبشكل أدق بالنسبة إلى الطبقة العاملة،ليس جهازا( 1)، كالدولة بالنسبة إلى الطبقة المسيطرة، بل هو التنظيم الثوري للطبقة العاملة، أي التنظيم الذي به تمارس هذه الطبقة صراعها الطبقي كطبقة متميزة. فوجود هذا التنظيم هو الذي يحدد هذه الممارسة كممارسة بالفعل سياسية، أي ثورية. معنى هذا أن الحزب، كتنظيم للطبقة العاملة، هو العقل الموجه للقوة الثورية في هذه الطبقة نحو الممارسة السياسية للصراع الطبقي، فإن هو انتفى، انتفت الممارسة السياسية نفسها لهذه الطبقة. ولا سبيل هنا إلى تكرار ما قاله لينين عن الحزب كطليعة ثورية للطبقة العاملة، بل ما نود التأكيد عليه هو أن الحزب الثوري ليس جهازا، لأن التنظيم الثوري للطبقة العاملة الثورية هو في حد ذاته النقيض المباشر لجهاز الدولة. ولا تماثل بين هذين النقيضين إلا في الأفق الإصلاحي للممارسة السياسية الذي أشرنا إليه سابقا، والذي يدل على مدى سيطرة الأيديولوجية المسيطرة حتى على الممارسة الأيديولوجية للطبقات الكادحة. والاختلاف بين الحزب الثوري والجهاز ليس اختلافا في اللفظ بل اختلاف طبقي في الممارسة السياسية نفسها بين الطبقة الثورية والطبقة المسيطرة.


.1 ) وهنا يكمن خطأ آلتوسير حين يعتبر الحزب الشيوعي الثوري جهازا كبقية أحزاب الطبقات )المسيطرة، فلا يقيم الفرق الطبقي، وبالتالي الحد المعرفي الفاصل، بين حزب الطبقة العاملة وبقية الأحزاب الأخرى .إن النزعة البنيوية هي التي تمنعه من أن يرى علاقة الاختلاف بين النقيضين في التناقض الماركسي، وبالتالي، علاقة الاختلاف الموضوعي في ترابط المستويات البنيوية في البنية الاجتماعية بين زاويتي النظر الطبقيتين النقيضتين. والخطأ هذا، في مختلف تشعباته، يعود في أساسه إلى عدم فهم الوضع النظري الخاص بالتناقض السياسي في البنية الاجتماعية.

(راجع المقال المشار إليه سابق ً ا). وبتلهايم يقع في الخطأ نفسه في اعتباره الحزب Dictature du prolétariat classes sociales et : الثوري جهازا. راجع مقاله في مجلة Les Temps Modernes No 297, avril بعنوان: . 1971 idéologie prolétarienne
فجهاز الدولة أداة سياسية تستخدمها الطبقة المسيطرة للحفاظ على سيطرتها الطبقية، أما الحزب الثوري فهو الأداة السياسية التي بها وحدها تتمكن الطبقة العاملة الثورية من التحرر من هذه السيطرة الطبقية لتحرير البنية الاجتماعية من كل سيطرة طبقية. حين يصير الحزب الثوري جهازا ً وهذا ممكن في شروط تاريخية محددة يختفي الاختلاف الطبقي الذي يميزه، من حيث هو أداة هدم ثوري، من أداة الممارسة السياسية للطبقة المسيطرة، فيلجم بذلك تطور العملية الثورية نفسها. والتنظيم الثوري للطبقة العاملة لا يكون بوضعها في جهاز يولد فيها قوة جمود هي البيروقراطية، تعيق حركتها الثورية، بل بتحرير طاقتها الثورية من مختلف الأجهزة الأيديولوجية أو السياسية التابعة للطبقة المسيطرة. والقوة الوحيدة المحررة لطاقتها الثورية هذه هي حزبها الثوري، أي عقلها الجماعي المنظم لصراعها الطبقي.لا بد هنا من ملاحظة عابرة: إن ما سبق من القول لا يعني أن الطبقة المسيطرة (أوالتحالف الطبقي المسيطر) ليس لها حزبها (أو أحزابها)، وأن جهاز الدولة هو أداتها السياسية الوحيدة في ممارستها السياسية لصراعها الطبقي. إن لهذه الطبقة أيضا حزبها،أو أحزابها، وهذا ما يفرض علينا أن نحدد، بشكل سريع، طبيعة العلاقة بين الحزب (أوالأحزاب) وجهاز الدولة، كأداتين سياسيتين للممارسة السياسية للطبقة المسيطرة.