الكتابة النقدية وسلوك الحوار


قحطان جاسم
2016 / 5 / 13 - 00:19     

عندما تقرأ نصوصا نقدية او فكرية لمفكرين غربيين تجد ثمة حوارية في الافكار وتسلسل في تاريخ هذه الافكار تعتمد على تبادل وتطور الآراء والتصورات.. وتقوم هذه النصوص اما على اساس نقد ما قبلها من مفاهيم فكرية ونظرية او الانطلاق منها والبناء عليها وتطويرها الى مدى اكبر واعمق ( ارجو ان لا يؤول الامر باعتباره تمجيدا للفكر الغربي لانها مجرد مقارنة لكشف حالة محددة، رغم ان كل مقارنة عرجاء ).. في فكرنا ونصوصنا نجد النقد يتضمن عنصرين؛ الاول هو الغاء السابق وهجاءه او مدحه وتبجيله.. اي يتحول النقد الى شخصنة والنص المقروء الى ساحة حرب وتسقيط ، هدفه الاول والاخير : ان يخرج احد ما منتصرا من المعركة.. وهذا الامر لمسته في الحوار مع العديد من المثقفين طوال اكثر من اربعة عقود .حيث الكتابة عندهم عندما تتناول كتابات اخرى هي تصفية حساب ..! لا انكر ان هناك استثناءات ..لكنها للاسف استثناءات على عدد الاصابع واحيانا غير مرئية . الامر الاخر هو ان النقد للآخر عندنا بمثابة دعوة للعودة الى الطريق القويم .. كما لو ان النص المنقود قد "ضلّ السبيل " بالمفهوم الديني .. وربما اكتسبنا هذه المنهجية النقدية ، والتي تحتاج الى دراسات اكثر عمقا ، الى الانقطاع الفكري في المجتمعات الاسلامية التي تعتبر كل ما قبل الاسلام جاهليا، ايّ ضالا عن السبيل .. مما يسبب لنا انقطاعا حضاريا يضعنا امام محنة الامتداد التاريخي لذاتنا ، بينما نرى في العالم الغربي ثمت تواصل تاريخي في الفكر بين ما هو قبل المسيحية واليهودية وما بعدها من افكار، بل انهم يقرون ويؤكدون على الخلفية التاريخية للفكر المسيحي واليهودي ، واعني بها الفكر الاغريقي والروماني وحتى ما قبلهما.. اذ نادرا ما نسمع ان هناك مَن يقر ويقول، ولو على سيبل النقاش والنقد والبحث، مثلا ، ان الاسلام والقرآن مثلا اخذ الكثير من المسيحية واليهودية او له جذور في الفكر الانساني كحضارات بين النهرين ومصر وغيرها.. واذا ما حدث هذا الامر الاستثنائي فسيتهم اصحابه بالكفر والضلال والعمالة للغرب والتخلي عن الهوية او غيرها من الالقاب الجاهزة ..

الكتابة سلوك يتأسس على ضوء التجربة التاريخية للافكار ولا يمكن قيام حوارية الفكر دون الاقرار ان كل الافكار تتوارث وتتجدد و ان افكار الانسان لا تولد من الفراغ، بل من اجيال قبله او مجايله له .. وبدون التبصر في قضية الانقطاع الحضاري للافكار واعادة النظر في هذه القضية عندنا فاننا سنواصل اعتبار الكتابة وخاصة النقدية اما تهميشا وتهديما او مدحا وتبجيلا للآخر ..!!