الراسمالية حركة طبيعية اجتماعية٢-;-


حسقيل قوجمان
2016 / 5 / 9 - 13:41     

الراسمالية حركة طبيعية اجتماعية٢-;-

(ملاحظة كتب هذا الجزء الثاني من المقال في نفس الوقت الذي كتب فيه الجزء الاول ولكن تاخر ارساله حتى اليوم لاسباب صحية)

جاء في الحلقة السابقة ان الراسمال هو حركة وحدة النقود مع قوة عمل العمال. فلماذا يتكون هذا التناقض من هذين النقيضين وليس اي تناقض اخر؟ ذلك لان سلعة قوة عمل العامل هي السلعة الوحيدة التي تنتج عند الاستعمال اكثر من قيمة انتاجها. ليس في العالم اية سلعة غير قوة عمل العامل بامكانها ان تنتج لدى الاستعمال اكثر من قيمة انتاجها. فالفرق بين قيمة شراء سلعة قوة العمل وبين نتاج استعمال قوة العمل في الانتاج هو مصدر كل ثروات المجتمع اطلاقا. هذا الفرق بين قيمة قوة العمل ونتاج استعمالها هو فائض القيمة، مصدر كل ثروات المجتمع.
في النظام الراسمالي يستولي الراسماليون على انتاج العمل نظرا لان قوة العمل هي السلعة التي اشتروها بقيمتها ودفعوا ثمنها بما يسمى الاجور. فالعامل المنتج لا يمتلك شيئا من انتاجه اطلاقا وعليه اذا احتاج حتى الى بيضة ان يشتريها من الراسمالي المالك الوحيد لها. فلا وجود فعلي لاستيلاء البرجوازية الوضيعة (البتي برجوازية) على انتاج الطبقة العاملة. البتي برجوازية لا تستغل وليس بامكانها ان تستغل الطبقة العاملة. لان الطبقة العاملة لا تملك شيئا غير قوة عملها يمكن للبتي برجوازية او غيرها ان تستغلها.
البتي برجوازية نفسها تنتج قيما عظيمة القيمة ولكنها لا تنتج ثروة. قد يستطيع بعض البتي برجوازيين ان يعمل مستقلا وينتج قيما يبيعها الى زبائنه مباشرة مثل الطبيب في عيادته الخاصة الذي يعالج مريضه في العيادة ويتقاضى منه قيمة عمله بالرسوم التي يتقاضاها من مريضه. الا ان البتي برجوازيين عموما لا يستطيعون ممارسة اعمالهم مستقلين وحتى الطبيب لا يستطيع المعالجة في الحالات المرضية الشديدة الا في مستشفى. البتي برجوازيون شانهم شان العمال يضطرون الى بيع قوة عملهم الى الراسماليين او الى الطبقة الراسمالية الحاكمة لانها تمتلك كل المؤسسات الكبيرة التي يستطيع البتي برجوازيون العمل والانتاج فيها كالمختبرات والمعاهد والجامعات والنوادي وغيرها الكثير.
الراسماليون يستغلون البتي برجوازيين بالضبط كما يستغلون العمال. والراسماليون يمتلكون انتاج البتي برجوازيين كما يمتلكون انتاج العمال. البتي برجوازي لا يمتلك شيئا من انتاجه شانه في ذلك شان العامل.
الفرق الاول والاهم بين العمال والبتي برجوازيين هو ان العمال ينتجون ثروة والبتي برجوازيين لا ينتجون ثروة. انتاج الثروة لا يتم الا باتحاد الانسان والطبيعة يعمل عليها ليحول جزءا منها الى مادة مفيدة او حتى مضرة للمجتمع. نتاج عمل الانسان على الطبيعة يخلق شيئا جديدا هو مصدر كل ثروات المجتمع بلا استثناء.
البتي برجوازيون كالعمال ينتجون قيما وقيما عظيمة ولكنهم لا ينتجون ثروة لان ما ينتجونه لا يضيف شيئا الى ثروات المجتمع. والقيم التي ينتجها البتي برجوازيون اعظم واهم من القيم التي ينتجها العمال بحيث لا يطلق عليها قيما بل اسماء اخرى. يختلف انتاج القيم التي ينتجها البتي برجوازيون باشكال لا يمكن حصرها. ينتجون منتجات فكرية فلسفية علمية اجتماعية فنية رياضية ولا حصر لاشكال القيم التي ينتجونها. ورواتت او مكافات او هدايا او اية اسماء عموما اكثر من اجور العمال. لاعب كرة القدم مثلا يحصل على رواتب كبيرة جدا بحيث يمكنه ان يصبح غنيا او غنيا جدا. ولكنه مع ذلك مستغل من قبل الراسمالية المالكة لنوادي كرة القدم التي تدفع له جزءا ضئيلا من الملايين او المليارات التي تربحها من سباقات كرة القدم.
الراسماليون والطبقة الراسمالية يستغلون كافة اصناف البتي برجوازيين كما يستغلون الطبقة العاملة. ولكن قيمة قوة عمل البتي برجوازيين عموما اعلى من قيمة منتجات الطبقة العاملة. وقد فسر كارل ماركس ذلك بان سنوات الثقافة التي يحتاجها المثقف لكي يصبح مثقفا هي التي ترفع من قيمها.
والملخص هو ان العمال الذين يعملون على الطبيعة ينتجون ثروة بينما لا ينتج البتي برجوازيون ثروة ولكنهم ينتجون ما هو اعظم من منتجات الطبقة العاملة.
الفرق الثاني هو كون الطبقة العاملة يجب ان تبقى لا تمتلك غير قوة عملها تبيعها للراسمالي. قد تتغير قيم سلعة قوة العمل بتغير وتطور الظروف الاجماعية والعلمية كان تصبح للعامل سيارة او تزداد اجوره حسب تطور المجتمع وحسب تطور نضالات الطبقة العاملة وتطور مستلزمات حياته اشياء لم تكن موجودة في السابق. ولكن واقع كون الطبقة لا تمتلك غير قوة عملها سلعة تبيعها للراسمالي لا يمكن ان يتغير ولن تسمح الطبقة الراسمالية بتغييره. لان هذا الشرط هو الشرط الضروري لبقاء النظام الراسمالي ولا يمكن للراسمالية ان تسمح بتغير هذا الشرط لان تغيره يعني القضاء على النظام الراسمالي.
ان ظروف البتي برجوازية تختلف عن ظروف الطبقة العاملة. كون البتي برجوازية مراتب متوسطة بين البرجوازية وبين الطبقة العاملة يجعل البتي برجوازية من ناحية تحلم بالعلو الى مستوى الطبقة الراسمالية وظروف تطور المجتمع تدفعها الى الهبوط الى مستوى الطبقة العاملة او ادنى.
والكثير من البتي البرجوازيين يفلحون بان يصبحوا اغنياء واغنياء جدا. ولكنهم مهما ازدادت ثرواتهم لن يصبحوا راسماليين الا حين يستخدمون جزءا من نقودهم كراسمال. وعندئذ يصبح البتي برجوازي راسماليا.
حين درسنا الاقتصاد تعلمنا عن وجود معادلتين، س ن س، ن س ن. فماذا تدلنا معادلة س ن س؟ انها عملية تبدأ بانتاج سلعة زائدة عن حاجة العامل. انها معادلة التبادل السلعي طوال تاريخ البشرية. فمنذ تبادل انسان شيئا يزيد عن حاجته فيبادله مع شخص يحتاجه سواء بصورة فردية او جماعية يصبح انتاجه وانتاج الطرف الاخر سلعة رغم عدم وجود النقود بعد. فالمعادلة في هذه الحال هي س س. ولكن تطور الانتاج وتعدد السلع تخلق الضرورة لاتخاذ احدى السلع كوسيط للتبادل وهو ما نسميه اليوم نقودا. اختلفت هذه السلعة باشكالها حسب ظروف الانتاج فتقوم السلعة المتوفرة لدى الجميع السلعة التي تقوم بدور النقود. ساد هذا الوضع الى ان قامت بدور النقود النقود المعدنية النحاس والفضة والذهب. وهي النقود التي نعرفها اليوم او ما يمثلها.
هذا هو التبادل السلعي وهو مستمر وسيبقى مستمرا حتى يزول التبادل السلعي ويتحول الى شكل اخر من التبادل. ففي المجتمع الاشتراكي يوجد ما يشبه التبادل السلعي تحت شعار من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله. ولكن هذا التبادل يختلف كل الاختلاف عن التبادل السلعي في المجتمعات والانظمة السابقة.
والمعادلة الثانية هي ن س ن. هذه العملية تبدأ بالنقود وليس بالسلعة كالمعادلة السابقة. فهذه العملية هي اتحاد قوة عمل العامل مع نقود الراسمالي. هذه المعادلة هي معادلة الانتاج الراسمالي. وهي مصدر كل ثروات المجتمع في النظام الراسمالي.
ومعادلة ن س ن (نقود سلعة نقود) هي معادلة الراسمالية. فلو بقي شخص واحد في العالم يبدأ عمله بالنقود ليشتري قوة عمل الطبقة العاملة فهو راسمالي. وما دام لم يكن ثمة شخص يبدا عمليته بالنقود ليشتري قوة عمل العامل لا يوجد راسمالي. واتحاد النقود بقوة عمل العامل هو قانون الراسمالية. لان قوة العمل وحدها قادرة على خلق قيمة في الانتاج عند عملها اكثر من قيمة قوة عملها وهذا الفرق بين قيمة قوة العمل وقدرة انتاج قوة العمل عند استعمال البرجوازي سلعة قوة العمل التي اشتراها بقيمتها هو مصدر كل ثروات المجتمع في النظام الراسمالي. وهذا الفرق هو قانون فائض القيمة ربما اهم القوانين التي اكتشفها كارل ماركس.
البتي برجوازيون مهما عظمت القيم التي ينتجونها لا يخلقون ثروة لان الثروة تتطلب اتحاد العمل الانساني في الطبيعة لتحويل قسم منها الى سلعة تفيده او حتى تضره. وعمل البتي برجوازي مهما تنوع لا يخلق ثروة لانه لا يشكل اتحاد قوة العمل مع النقود، معادلة الراسمالية.
ونرى الان تعاملات بمعادلة اخرى هي ن ن تبادل النقود بدون وجود سلعة كما في مختلف البورصات. هذا النوع من التعامل لا يشكل تبادلا سلعيا حقيقيا ولا يخلق فائض قيمة اطلاقا. انه عبارة عن انتقال النقود من حساب شخص الى حساب شخص اخر. انه في الحقيقة مقامرة تشكل ارباحا للشخص الرابح وخسارة مثلها في حساب الشخص الخاسر بالضبط مثل لعبة البوكر او المراهنة على سباق الخيل. ومع ذلك تعتبر في حسابات الراسماليين ارباحا يدفع عنها الراسمالي الرابح ضرائب كانها ارباح حقيقية. وهذا هو مجرد خداع يضاعف حسابات الارباح الحقيقية للراسماليين خلاف الواقع. واتذكر من قراءاتي السابقة ان ماركس قال عن البورصات منظمات تفترس فيها الذئاب حملانها.