الظهور الأخير للرجل المبتسم


محسن لفته الجنابي
2016 / 4 / 30 - 14:58     

يوجد نوع من الناس خلقوا لتنظيف الأرواح من همومها وكأنهم ملائكة تمشي على الأرض بحيث أن مجرد رؤيتهم تبعث أرتياحاً وتغسل النفوس الملئى بتراب الدنيا
كان الوقت عصراً بعد يوم صاخب ورتيب حين مررت على صاحبي أبو كاظم لأستشارته حول مشكلة هندسية ملحّة أخذت الكثير من وقتي , وبعد نقاش وتحليل أخذ ساعات تطلب الأمر أن نذهب سوية الى محل عمله البعيد في المنطقة الصناعية مابعد المغربية بفترة , كانت المنطقة خالية وموحشة لكن الأمر مهم ويجب حسمه وآخر موعد الصباح القادم وبخلافه سأعلن الفشل على العلن , فهذا العمل مقيّد بكارثة السقف الزمني المرعب الذي بدأ ينفذ , وفيما كنّا واقفين أمام المحل ظهرت سيارة غريبة سوداء تصدر منها أصوات غير طبيعية توقفت قربنا وترجل منها أثنان , تنفسنا الصعداء حين عرفت منهم واحد , وهو (السيّد) الذي أعرفه معرفة (وجه) ولا أعرف حتى أسمه ببنطاله الجينز وقميصه المشجّر بوردات كبيرة سمائية , قابلته مرات عديدة في أماكن لارابط بينها ,فقط عرفت أنه يعمل مهندس آبار نفط مختص بالعدادات النفطية , معه شاب سمين يملك روح دعابة تجعله طفل ضخم ببرائة غير عادية , نسيت أن أقول أن صاحبي هذا يظهر في أوقات غريبة , مرّة منها كنت في مشكلة كبيرة وصلت الى حد القتال بيني وبين أحد المستهترين وما أكثرهم عندنا , ظهر مبتسماً وببضع كلمات أعادني لصوابي بعد أن أوشكت النزول الى مستنقع الأبتذال والدونية , وأخرى ظهر أثناء عقد صفقة وأشار علي بتركها وأن أختار واحدة غيرها أكثر جدوى بالفائدة والعوامل المجدية والأحترازية , وأخرى لا أنساها حين ظهر وهو يربت على ظهري في مكان بالغ الرعب يسمونه المحكمة المركزية , المهم أنه ظهر مرة أخرى وبعد نزوله غمرنا جو من المرح وصار يتناغم مع رفيقه السمين بحيث جعلونا نضحك بعفوية لننسى ما نعمل , ليس من قلة الأدب , ولكن حكاياتهم وقفشاتهم تجعل المرء يسترسل في ضحك هستيري مشوب بوابل من اللمحات الذكية لينسى الدنيا بمافيها , والغريب أن صاحبي (أبو كاظم) ذلك الكظيم ذو الوجه الصارم صار يضحك للهواء ويداعب بضحكاته الثريا , بل تمادى أكثر ليشارك في تقديم كوكتيل لذيذ من القفشات البالغة الحكمة والروعة والسخرية , كيف لأنسان أن يتغيّر بلحظة سألت نفسي وأنا أطالعه , مد (السيّد) رأسه ليرى مانفعل على الطاولة , مخططات و جهاز فحص للمكائن الثقيلة بالبلوتوث والأقمار الصناعية وعدد من فيرنيات وساعات وعدد ..ألخ , نظر في وجهي فأعطيته فكرة مقتضبة ( لدينا مشكلة في فلان منظومة فهي تتوقف عن العمل بعد كذا فترة من الوقت , سأل بعض الأسئلة , أجبته , أتكأ على الطاولة وقال : هاي المشكلة حلها بسيط , أفتحوا فلان جزء وأثقبوا أربعة وعشرين ثقب حول مكان الـ (سيت ولف) وستنتهي لتعمل بدون توقف والخطية برقبتي , وعاد ليمارس مهرجان الضحك والتهريج , وبعدها أسـتأذن وذهب مع رفيقه ولا أعرف لماذا لم نسألهما عن سبب وجودهما في هذا المكان والزمان الموحش بالنهار فكيف بمابعد المغربية , وبصراحة كنت قد شككت بأن الحل الذي أقترحه سينفع في حل المشكلة التي أخذت من الوقت شهران وأكثر فهي غامضة ومحيّرة حتى أستسلمت ورميتها على خطأ نظري وتصنيعي بل جوهري , ولكن من باب التجربة وكسر الشك باليقين عملت بما قال لي , حتى أنني سهرت ما بعد منتصف الليل لأنفذ فكرته , والغريب أنها نجحت وأنتهت المشكلة !
تنويه : الرجل الذي لايبتسم لايفتح متجراً (مثل صيني) , والرجل الذي لايبتسم لاتثق به ولايؤتمن جانبه ولايفيدك ولاينفعك , أما الرجل المبتسم فهو ثروة قومية علينا أن لانفرط بها (مثل عراقي أخترعته تواً ) عسى ينفع البشرية !