مفاوضات جنيف على المحك


فوزي بن يونس بن حديد
2016 / 4 / 26 - 11:58     

عندما قررت المعارضة السورية تعليق المفاوضات في جنيف أو إلغاء مشاركتها، لم يكن قرارها نابعا من إيمانها بحقن دماء الشعب السوري وإنهاء هذه الحرب التي استمرت سنوات ولا أمل في إنهائها سياسيا كما يبدو، بل كان إيعازا من دول لا ترضى أن يكون النظام السوري قائما على الأرض وهو في مرحلة قوة، والدليل أن هذه المعارضة إن كانت فعلا تسمى كذلك ادّعت أن النظام السوري اخترق الهدنة مرارا وتكرارا ومن ثمّ هي ببساطة علّقت مشاركتها إلى الأبد واتجهت إلى الحل العسكري بل طالبت الدول التي تموّلها والعالم أجمع بتزويد فصائلها بالعتاد العسكري المطلوب لتزيد الطين بلّة والأرض احتراقا ونارا، هذه النظرة أصابت العالم جميعا في مقتل ولم يعر اهتماما لهذه الدعوة من المعارضة وواصل الضغط من أجل حلّ سياسي لأنه اقتنع فعلا أن الحرب على سوريا كانت في الأساس للقضاء على النظام وليست ثورة نابعة من الشعب يطالب بالحرية والكرامة.
فالعالم اليوم على المحكّ أمام هذه المفارقات العجيبة، ومن المؤكد أن سوريا اتخذت الطريق الصحيح عندما أصرّت على البقاء في معترك المفاوضات التي يقودها المبعوث الأممي في جنيف وطالبت الأمم المتحدة بالضغط على جميع الأطراف للخروج من هذه الأزمة سياسيا ودون مزيد من إراقة الدماء، وعلى من اختار مواصلة الحرب أن يتحمل المسؤولية الجنائية والاجتماعية من وراء دعوته البغيضة التي يريد من خلالها أن يسقط كل تفاهم سياسي، وبالتالي فمادام هناك من يدعم الإرهاب ولا يعاقَب ولا يحاسَب ولا يجمَّد فإن الإرهاب سيظل قائما وستظل الحرب على الإرهاب حربا على الوهم الذي سيبقى يسيطر على العالم ما لم يعالج داؤه.
فالمعارضة السورية تتغذّى على طحالب الدول التي يهمّها في المقام الأول أن يرحل الدكتور بشار الأسد، وإذا لم يرحل الدكتور بشار الأسد فما عساها أن تفعل؟ وإذا رحل فما البديل الذي يمكن أن تقدّمه للعالم والتجارب السابقة أثبتت فشلها مما لا يدع مجالا للشك، فالتجربة العراقية اليومية تعيش أسوأ أحوالها على الإطلاق منذ إعلان الحرب المستعرة على العراق والاستنجاد بالعملاء الذين عاشوا في الغرب وادّعوا أن العراق يملك أسلحة دمار شامل فظهرت كذبتهم وعظمت خطيئتهم، وصار العراق أشبه بأحوال المغول، تتقاطع أحوال السياسيين مصائد الكراسي وداعش ينهش جسد الشعب العراقي، وكذلك الأمر في غيرها من البلدان التي سقطت فيها الأنظمة الدكتاتورية وصارت ملجأ للحشرات السامّة تقتل كل من يأتي في طريقها، هل تفكر السعودية وقطر وتركيا بهذه الكيفية؟
إذا رحل بشار الأسد لن تعيش سوريا بأمان، فهاهو بنيامين نتياهو يعلن أن الجولان إسرائيلية للأبد، وهاهم المعارضة يتكالبون على الكراسي كما يتكالب الأعداء على قصعتهم، هي الأحوال كما شاهدتها في العراق ستشاهدها في سوريا وإن انتهت الحرب ومالت إلى المعارضة كما يمنّون أنفسهم، ولكن الشعب السوري لا يرضى بالحل العراقي ولا بالحل الليبي ولا بأي حلّ من الحلول التي نراها على الساحة، أراد أن يقول للعالم مهما كانت الخطوب فإن النصر سيكون بإذن الله حليف من يعتقد أن الأرض للسوريين جميعا ولا مجال للمتآمرين أن يعيشوا وسط هذا الشعب الأبيّ.
وتبقى الحرب على سوريا حربا قذرة والذين يمارسونها قذرون لا يحبّون الحياة، ومن أجل أن يصلوا للكرسي بالقوّة يفعلون الأفاعيل، والأغرب من ذلك أن الذي تظنّ أنه أقرب أقربائك يطعنك بسكين ويوغل في طعنه حتى يتأكد أنكّ من الميّتين، ما زالت تركيا تصرّ على إقامة منطقة آمنة كما تزعم، هي لا تريد المنطقة الآمنة بقدر ما تريد أراضي أخرى لتصدّر إرهابييها لمطارحة النظام وإقصائه عن العالم، لكن المحاولات كلها باءت بالفشل الذّريع، وما زالت المسألة السورية تبحث عن دليل يرشدها إلى الأمان بعد خمس سنوات من هذه الحرب القذرة التي لا ميزان فيها إلا الدّعوة إلى حلّ سياسيّ قويّ وفاعل من المجتمع الدولي يجبر من كان سببا في الصراع أن يكفّ عن مهاتراته ويجلس إلى طاولة الحوار ويحدّد بعض النقاط التي تساهم في وقف تامّ لإطلاق النار والعودة من جديد للمفاوضات دون وصاية من أحد.