أدعاء امريكا بانها تحارب الأرهاب مجاف للحقيقة بل يناقضها


سامان كريم
2016 / 4 / 25 - 02:28     

سؤال: أوباما حضر القمة الخليجية في الرياض وفي كلمته أكد على دعم الحكومة العراقية ودعم الدول الخليجية في الحرب ضد "داعش"، اضافة الى تأكيده الولايات المتحدة حريصة على إيقاف تطوير إيران للسلاح النووي.. من جانب أخر الرئيس الأسرائيلي يؤكد تمسك بلاده بعائدية هضبة الجولان خلال لقاءه مع الرئيس الروسي بوتين.. من جانب أخر هناك تعثر واضح في مفاوضات جنيف للسلام في سوريا.. كما وأن مفاوضات السلام الخاصة بالقضية اليمنية في الكويت هي الأخرى متعثرة.. كيف نرى الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط من خلال هذه الأحداث المتسارعة والمتباطئة في الوقت نفسه؟؟.

سامان كريم: القضايا السياسية وأوراقها متداخلة ومتشابكة في المنطقة, في الوقت نفسه مترابطة بعلاقة سياسية معقدة. القضايا التي ذكرت في سؤالكم هي كلها قضايا حساسة, تعبر عنها الحكومات وبالتالي الاعلام بصورة مبطنة ومغشوشة ومنافقة ايضا. هذا هو دور الاعلام وموقعه في المنظمومة السياسية العالمية الراهنة.
نبدأ من اوباما والحرب ضد داعش او ضد "الارهاب". ليس بامكان أمريكا ابدأ ان تدعي بانها تضرب "الارهاب" خصوصا الارهاب بصورة عامة. أعني كل تيارات الارهاب الاسلامي, هذا ليس فقط ادعاء مجاف للحقيقة بل يناقضها. الدولة التي تدفع بإرهاب الدولة الى القاء القنبلة النووية في اليابان وتستخدم ولحد الان الاسلحة المحرمة دوليا في فيتنام والعراق وافغانستان خصوصا ان الامراض المنتشرة في مدينة الفلوجة العراقية لحد الان تدل على هذه الحقيقة. الدولة التي فرضت على العرق حصارا اقتصاديا مدمرا, الذي ادى الى قتل اكثر من مليون طفل عراقي، وعندما سأل وزير خارحيتها حينذاك مادلين اولبرايت في سنة 1996 حول حول قتل نصف مليون طفل العراقي لغاية هذه السنة اجاب بحقارة وقالت "كان الامر يستحق ذلك".
دولة وحكومة كهذه ليس بالامكان ان تكون سياساتها واعمالها واهدافها مبنية على اساس محاربة ارهاب الاسلام السياسي وقطع دابره. يضاف الى ذلك ان اكثرية القوى الاسلامية الارهابية المؤثرة مدعومة من رحم الاستخبارات الامريكية بصورة مباشرة او غير مباشرة عبر السعودية وتركيا وقطر وباكستان.. عليه الادعاءات الامريكية بانها تقود تحالف دولي ضد الارهاب هذا محض هراء ونفاق خالص. ربما امريكا تدك او تضرب القوة الارهابية التي تتعدى الخطوط الحمراء الامريكية: مثلا ضرب القاعدة في افغانستان بعد الاعمال الارهابية الكبيرة في نيوورك في 11 سبتمبر.. حتى هذه الضربات كانت لعقلنة الارهاب وفق قياسات امريكية, وليس لقطع دابره.
اما دول الخليج وخصوصا السعودية هي اساسا مصدر الارهاب : فكريا وسياسيا واستخباراتيا وماليا وبشريا. بدون مملكة الارهاب هذه وبترولها ليس بامكان الارهاب الاسلامي ان يعمر طويلا كما عمر الى اليوم, وطبعا وفق خطة واهداف سياسية واستراتيجية دقيقة لامريكا وحلفائها خلال اكثر من ستة عقود وبطرق مختلفة. على اية حال ان هذا الاجتماع او هذه القمة هي قمة الارهابيين فعلا. فبدونهم ستتوقف الحروب الارهابية في المنطقة بأكملها من اليمن الى العراق وسورية خلال مدة قصيرة. إذا كان اوباما وملوك الخليج فعلا يريدون انهاء الارهاب او ضرب الارهاب فعليهم عن يرفعوا أيديهم عن دعم الارهاب, و‌أن يسحب اوباما البارجات الأمريكية في المنطقة!.
سياسة اوباما في اشهرها الاخيرة من الحكم, ووفق ما توصل اليه في صياغة مبادئه المعروفة "بعقيدة اوباما" والمنشورة في مجلة اتلانتك, هي إيجاد نوع من التوازن بين الطرفين الايراني والسعودي, لغرض ايجاد التوازن السياسي والطائفي بين الاسلام "الشيعي والسني".. هذا ما يقوله اوباما.. وهذا ما ترفضه السعودية. اعتقد ان هذه السياسية هي سياسية رسمية لامريكا بغض النظر عن وجود اوباما او لا. السعودية التي أتمرت بامر امريكا قرابة 80 سنة, وبعد كل هذه الطاعة تأتي اليوم امريكا وتخذلها اشد الخذلان وتساويها بإيران التي تطلق على امريكا أسم "الشيطان الاكبر" لغاية أشهر قليلة ماضية.. السعودية لم تبقى ركيزة استراتيجية لتحقيق السياسات الامريكية في المنطقة, وهذه هو عمق مشكلتها وموقعها في المنطقة. وبراي رحلة اوباما الى السعودية هي رحلة التغيير في العلاقة, واعادة صياغتها وفق مستجدات عالمية جديدة. من هنا تحاول السعودية ان تتحرك الى حدما بصورة اكثر استقلاليا خصوصا في المرحلة الانتقالية الحالية وبالتحديد في الوضعين اليمني والسوري. المرحلة التي لم تبلور لحد الان نظاما عالميا واضح المعالم. ان ايران وامريكا اتفقوا على الوضع العراقي على الاقل في المرحلة القادمة ولغاية نهاية عهد اوباما, كحلقة من حلقات الاتفاق الضمني على صعيد المنطقة ايضا ومنها سورية. هل بامكان اوباما دفعهم نحو حلحلة الشان العراقي برئاسة العبادي, لا ارى ذلك لمدة طويلة ربما وفي احسن الاحوال لمدة قصيرة ومحددة, ووفق توازن القوى الحالي اتفاقات ضمنية بين القوى الكبرى في المنطقة. حيث دعى الصدر وبعد أن سحب كتلته من اعتصام البرلمان, "الامم المتحدة ومنظمة التعاون الاسلامي لتصحيح العملية السياسية في العراق"، وبعد ذلك اتصالات من العبادي مع ملك السعودية واخرون يدل بأن الضغط الامريكي أتي بثماره، وتدوير الزاوية ولو بصورة مؤقتة لصالح امريكا والتدخل الخليجي الرسمي ايضا, اي عبر الحكومة. لان الخليج وبالتحديد السعودية وقطر والامارات كانوا يتدخلون عبر المنظمات والحركات الارهابية بصورة غير مباشرة. اما اليوم سيكون تدخلهم رسمي ومباشر وطبعا الأبقاء على التدخل غير المباشر.
اللوحة المؤقتة لصراعات المنطقة تترنح تحت وطأة عدة مسائل منها الانتخابات الامريكية, هذا ناهيك عن خصوصية هذه المرحلة كما بحثنا مرات ومرات اي المرحلة الانتقالية, وما تفرزه من قوانين وصراعات لا تدخل ضمن اطار المراحل الاعتيادية والمستقرة نسبيا. وفق هذه اللوحة الوضع العراقي تعالجه ايران وامريكا بشرط ان تكون امريكا في المشهد, بعكس سورية التي تناط الى ايران وروسية بشرط ان تكون روسيا بالمشهد... وهذا لا يخالف ان هذه القوى لا تتصارع، وطبعا هناك قوى مختلفة تهدف الى تعطيل الاوضاع في المنطقة وفق مصالحها، مثلا وضع العوائق امام مفاوضات جنيف حول الحرب في سوريا, عبر توجيه الائتلاف الوطني المعارض بترك او بتعليق مشاركته في المفاوضات وهذا تهديد ليس لسورية فحسب بل لامريكا.. لان المفاوضات تجري وفق الاتفاق الامريكي الروسي.. اذن هناك مشاكسات مختلفة سواء كانت في العراق او في سوريا او اليمن.. عبر ادوات ووسائل مختلفة. مفاوضات يمنية في الكويت تتبع قضايا اخرى في المنطقة وخصوصا القضية السورية.. وفد الائتلاف السوري يعرقل المفاوضات في جنيف، عليه ان وفد الحوثيين لا يقبلون باقل من مطالبهم وهو وقف كامل لاعمال القتالية والعسكرية من قبل التحالف العربي بقيادة السعودية..
أما بخصوص ايران و"أيقاف تطوير السلاح النووي" فهذه موثقة دوليا, واوباما يكررها لطمأنة حلفائه الارهابيين لا اكثر ولا اقل, اوحتى لتحميقهم بالجملة. براي القضية والصراع والمنافسة والحروب في المنطقة ليس ضد الارهاب بصورة عامة بل قبل ذلك صراع النفوذ والثروة لاعادة ترسيم المنطقة وفق منطق القوة هذه هي القضية. وهذا لا يعنى ليس هناك قوة تضرب الارهاب, بل اعني ان الحرب الارهابية الطاحنة في المنطقة بقيادة امريكا والاسلام السياسي بقيادة داعش والتدخل الروسي والصيني كقوتين رأسماليين كبيرين، هذا كله صراع من اجل مناطق النفوذ والثروة في ظل اعادة رسم الخريطة السياسية للعالم المعاصر. من الطبيعي هناك قوى تهدف إلى ضرب الارهاب. والحال كهذا الحروب الارهابية في المنطقة ستستمر, في ظل الظروف الحالية بين تلك القوى البرجوازية التي ترى من نزيف دم الاطفال استثمارا مؤاتيا للراسمال, وفي غياب القوة السياسية للطبقة العاملة بالتحديد.