حوارات التمدن: حواري مع جواد بشارة حول نمط التفكير الموزع بين العقل العلمي والعقل الخرافي عند المواطن العربي..


ماهر عدنان قنديل
2016 / 4 / 21 - 18:42     

تعريف بالدكتور جواد بشارة: كاتب وباحث أكاديمي عراقي يقيم في فرنسا ويحمل جنسيتها، حصل على عديد من المؤهلات العلمية من جامعة "السوربون" في فرنسا، له خبرة مهنية وعملية كبيرة في المجال الإعلامي والسينمائي. المصدر: الحوار المتمدن.

البداية:

ماهر عدنان قنديل: تحياتي الأستاذ جواد بشارة.. أظن أن قوة العقل البشري وعمقه اللامحدود إستوجب معه وضع بعض القوانين والشرائع لمحاولة تهذيبه لدرجة تتماشى مع بعض القوانين الإجتماعية والتقاليدية الموجودة.. طبعاً عمق العقل البشري هو سلاح ذو حدين فهناك العقول الحكيمة وهناك العقول الراضخة التي يستوجب معها بعض الضبط.. لذلك أي مجتمع يجب أن يكون منقسم بين العقول العلمية والحكيمة وبين العقول التابعة لما يصنعه هؤلاء سوى كان ذلك علميا أو ديني.. اليوم لا ينكر أحد أنه في أكثر المجتمعات علمية وتطور تكنولوجي وصناعي هناك طبقة هي المتحكمة في المنهج الفكري للطبقات الأخرى وهي التي تصنع خرافات توعوية لمحاولة تهذيب تلك الطبقات غير الناضجة فكرياً.. العقل الخرافي حسب رأيي ليس هو العقل الديني فقط وليس خاصية موجودة في العالم العربي بل هي ظاهرة عالمية تصنعها النخب الدينية أو العلمية أو السياسية لمحاولة تأثير المجتمع بالأفكار التي تخدمها.. ولذلك لكل مجتمع عقله الخرافي..

جواد بشارة: الأخ العزيز ماهر عدنان قنديل تحياتي : يعتبر العقل البشري أحد أكثر الأعضاء الحية غموضاً وتعقيداً وحساسية، خاصة في جزئه العضوي الفاعل ألا وهو الدماغ، فهو عميق ويمكنه أن يستوعب الكثير إذا ما أتيحت له الظروف المعرفية الملائمة وقواعد البيانات اللازمة وهوأفضل من أكبر الكومبيوترات العملاقة لأنه هو الذي يصنعها وكما قلت تمر المجتمعات البشرية في تطورها بمراحل ، وفي كل مرحلة هناك النخبة المفكرة، وعلى رأسها الكهنة ورجال الدين والسياسيين وأصحاب رؤوس الأموال ، من جهة ، وهناك العامة من الناس، ويسميهم البعض بالرعاع ، و الذي يتبعون قادتهم وحكامهم لا سيما القائمين على المؤسسات الدينية التي توجههم كما تشاء بغية إخضاع المجتمع برمته لما يخدمهم وبالتالي من الملائم لهم هيمنة نمط التفكير الخرافي والاعتقاد بالقضاء والقدر وقبول الأمر المحتوم والمكتوب والمفروض من قوة عليا هي الله التي ليس بوسع أحد تغييرها، من هنا أتفق معك في أن لكل مجتمع عقله الخرافي الجمعي الذي يسيره ويقوده وهذا أمر ظاهر وملموس ومهيمن على نحو طاغ في البلدان العربية والإسلامية نظراً لما يمتلكه الدين الإسلامي من قوة وجبروت تجعلاه يسيطر على العقل الجمعي للشعوب المستكينة والمخدرة تحت ذريعة هكذا شاء الله وهكذا علينا أن نطيع حتى لو كان الأمر غير معقول وغير منطقي وخارق للطبيعة وقوانينها كما نرى فيما يتعلق بانتشار الأساطير والخرافات بين الناس ،حتى المتعلمين منهم.

ماهر عدنان قنديل: أتفق تماماً مع ما تفضلت به.. في منطقتنا ينتشر بصورة أكبر هذا النوع من التفكير المحدود اللامتغير.. حيث لكل شئ تفسيره اللامتحرك.. السبب حسب رأيي يرجع إلى تركيبة المنطقة ككل إجتماعياً وإقتصادياً وتاريخياً، ولكن لا يجب إغفال أن هذا النمط من التفكير لم يأتي من العدم.. بل له وجود تاريخي وله جذور وهناك أسباب لتكونه.. فمثلاً في اليونان متعددة الألهة والمتفلسفة وصلت إلى حد الإنكماش فتغير الوضع شيئاً فشيئاً.. فكل المنطقة لم تصل إلى ما هي عليه اليوم إلا من خلال المرور في عدة تجارب إجتماعية وسياسية جعلتها تتبنى هذا النمط الفكري.. أظن أن لكل شئ نقيضه.. وكل مجتمع يصنع نقيضه من خلال نقائصه.. اليوم مثلاً أوروبا العلمية كذلك تعاني إجتماعياً وسياسياً من خلال إتباعها نمط التفكير العلمي وخروجها عن الروحانية وأظن أننا طالما لا نصل لحل وسط يكون بين النقيضين (كما أشار أرسطو خلال رسائله الأخلاقية إلى إبنه نيقوماخوس) لن نحل المشاكل وسنبقى ندور في فلك واحد.. وأظن أنه واقعياً من الصعب الوصول للوسط بل يبدو مستحيلاً..

جواد بشارة: مرة أخرى يمكنني أن اشير إلى أن المجتمعات عندما تتحرر من قيود الماضي وأطروحات السلف وتعتق نفسها من هيمنة النصوص المقدسة خاصة الدينية منها ذات المنبع الإلهي كما يدعون، فإنها تتجه إلى الأمام وتتطور وتبحث وتجرب ولا تخاف من الممنوعات والمحرمات والعكس صحيح ، طبعاً لا يمكن التعميم وكل مجتمع ، كما قلت خاضع لظروفه الخاصة وما يمر به من تجارب ومحن وعقبات وصدمات وتحديات اجتماعية وسياسية واقتصادية وفكرية تدفعه بهذا الاتجاه أو ذاك وترغمه على تبني هذا النمط الفكري أو ذاك، ولكن أود أن أشدد على نقطة وهي أن المجتمع الغربي ، الذي أعيش في كنفه منذ ما يزيد على الربعة عقود، لا يعاني من فراغ روحي لكنه حيد الدين وجعله قضية شخصية وفردية لاتتحكم بالمجتمع ، فكل شيء متوفر للروحانيين الحرية والكتب وممارسة الطقوس الخ ومن يريد أن يختار ذلك طريقاً له فهو حر ومحمي بالقانون
والدستور العلماني الذي يسير المجتمعات الغربية لكنه لا يدع للدين إمكانية فرض نفسه على الشعوب ويقرر مصيرها والحل الوسط هو العلمانية التي تكفل للجميع حق الاختيار وحق الاعتقاد وحق التعبير للمؤسسات العلمية وللمؤسسات الدينية من خلال الحوار والنقاش على قدم المساواة.

ماهر عدنان قنديل: كما جاء في المقدمة التي تفضلت بها، إعتبر -إيمانويل كانت- أن هناك الزمن المطلق اللامنتهي والزمن النسبي الذي بدأ مع بداية الكون.. وهناك الكثير من الفلاسفة تطرقوا لهذه النقطة.. أود معرفة رأيك في هذا الموضوع عن الزمن المطلق والزمن النسبي الأستاذ جواد؟

جواد بشارة: قبل اكتشاف القوانين النسبية والكمومية وتبلور الرؤية العلمية في الفيزياء الفلكية والفيزياء النظرية وعلم الكونيات، كان المفكرون والفلاسفة يعتبرون الزمن كينونة منفصلة عن المكان وعن الأشياء تسير باتجاه واحد ولايمكن عكسها وهي مطلقة ومتواجدة حتى قبل خلق الكون مكانياً. ولكن مع تطور المفاهيم العلمية ثبت أنه لا وجود لزمن مطلق في كوننا المرئي فالزمن فيه نسبي وعلى أنواع منها الزمن البسيط والزمن المركب والزمن الواقعي والزمن الخيالي أو المتخيل والزمن النفسي وزمن تعاقب الأوقات والمراحل أو ما يعرف بالزمن التاريخي والحال أن كل شيء نسبي في كوننا المرئي عدا سرعة الضوء فهي ثابتة ومحددة بــ 300000 كلم/ثانية ولكن كلما زادت سرعة جسم في حركته كلما تباطأ الزمن بالنسبة بهذا الجسم وهو الأمر الذي يعرف بمفهوم مفارقة التوأم التي وردت في النظرية النسبية و التي تقول أن توأمين يبلغان من العمر عشرون عاماً بقي أحدهما على الأرض وغادر الآخر في مركبة فضائية تسير بسرعة 297000 كلم / ثانية من سرعة الضوء التي تبلغ 300000 كلم / ثانية باتجاه نجم يبعد عن الأرض 20 سنة ضوئية ، أي أن الرحلة من المفترض أن تستغرق أربعين سنة ضوئية فيما لو سارت المركبة بسرعة الضوء، لكن التوأم المسافر استغرق ست سنوات فقط من سنوات الأرض في رحلته ذهاباً وإياباً أي ثلاث سنوات وثلاث سنوات في الإياب،ما يعني أن عمر التوأم المسافر سيصبح 26 عاماً عند عودته إلى الأرض ليجد شقيقه التوأم الذي بقي على الأرض وقد بلغ ستون عاماً، وهناك إمكانية السفر خلال الخدود أو الثقوب الدودية بسرعة تقرب من سرعة الضوء لمدة عشر سنوات تستطيع المركبة الفضائية بلوغ مركز مجرة درب التبانة ولكن عن العودة يكون قد مضى على الأرض خمسة عشر ألف سنة ولو استغرقت رحلة المركبة خمسة وعشرون عاماً بسرعة تقرب من سرعة الضوء فإن بإمكانها القيام برحلة كاملة حول الكون المرئي ولكن عن عودتها إلى الأرض يكون قد مضى ثلاثون مليار سنة من السنوات الأرضي على الأرض ولكن من الذي سيضمن أن الأرض ستكون موجودة فهي ستفنى بسبب إنتهاء الشمس وغيابها إن لم تدمر نفسها بحرب نووية وتكنولوجية شاملة، ولن تكون هناك حياة بل وربما سيختفي النظام الشمسي برمته، لذلك فمثل هذه الرحلة مستحيلة بالنسبة للبشر في الوقت الحاضر. والحال أن نسبية آينشتين دمجت الزمان بالمكان في وحدة تكوينية واحدة إسمها - الزمكان- ما يعني أن بوسع المكان أن يتحول إلى زمان وبوسع الزمان أن يتحول إلى مكان وفق ظروف وشروط محددة علمياً يصعب شرحها وتلخيصها هنا ، وهناك أكوان أخرى لا يوجد فيها زمن مثل زمننا الذي نعرفه وندركه بحواسنا . نعم بدأ الزمن النسبي مع بداية الكون المرئي في حدث الانفجار العظيم.

إنتهى.