حوار مع فرناندو اريناس الأمين العام للحزب الشيوعي الإسباني (المعاد ) ... (الجزء الثاني)


رفيق عبد الكريم الخطابي
2016 / 4 / 18 - 21:59     


من هو أريناس ؟

الآن السير الذاتية السياسية أصبحت على الموضة. فيما يخصني، أنا أعتقد أنه لن يكون مفيدا ملأ الحيز الهام الذي تقدمه لنا صحيفتكم بالحديث عن اشياء أقل أهمية. ولكن ما دمتم قد طلبتم مني ذلك ومادام قد أطلقت كل أنواع الأكاذيب والافتراءات على الحزب الشيوعي الإسباني ( المعاد) وقادته، فسوف أجيبكم. أنا أعتبر نفسي مناضلا عماليا شيوعيا والذي يعرف جيدا - لما عاشه في أسرته وعمله وفي الشارع – شروط حياة ومعاناة طبقته: والذي منذ سن مبكرة جدا، وهو لا يزال طفلا، بدأ يتعاطف مع الأفكار الاشتراكية والذي، وصل في وقت لاحق أن يكون على قناعة تامة بأن الشيوعية وحدها سوف تحمل حلا لجميع المعاناة والمشاكل. وبكلمات قليلة، أنا مثل العديد من الناس الآخرين، أنا منتج لما بعد الحرب التي لا تزال مستمرة في بلدنا. لقد ولدت في واحدة من تلك المنازل كما آلاف آخرين، بدون إنارة (ضوء) وبلا خبز، والتي أورثته لنا الانتفاضة "المجيدة". أبواي هاجرا من المغرب إلى مدريد في عام 1957، مع ما كانا يحملانه على ظهريهما وأسرة كثيرة العدد. بعد تجول وتيه لعدة أيام في الشوارع وبعد أن طرقوا كثيرا العديد من الأبواب، المساعدة العامة l Assistance Publique منحتنا "براكة" منزل قصديري من عشرة أمتار مربعة في "بوزو ديل تيو ريموندو". والداي لا يزالان يعيشان هناك، فضلا عن البعض من إخوتي الأصغر مني سنا . طفلتاي تتراوح أعمارهما ما بين 6 و 8 سنوات تعيشان أيضا في كوخ " براكة" في "بوزو" مع والدتهما. لقد ناضلت بنشاط في صفوف حزب كاريو carrilliste. بعد خدمتي العسكرية، أصبحت أكثر اقتناعا بأن كاريو وجماعته كانوا يخدعون العمال بطريقة أكثر تعاسة يمكن حصولها. لقد كان صعبا علي جدا أن أترك هذا الحزب الذي، مع قدراتي المحدودة، قدمت وفعلت له الكثير، وحيث وضعت فيه كل آمالي في تحرير وتحرر الطبقة العاملة. لكني لم أرد الاستمرار وأن أكون متواطئا وشريكا لكاريو، ومع جميع العواقب التي يمثلها ذلك، فقد قطعت مع التحريفية. ومنذ ذلك الحين، وضعت نفس التصميم والإصرار ونفس الحماس لمواجهة حزب كاريو carrilliste بنفس الشكل الذي كنت أدافع به عنه. تعلمت الكثير خلال هذه الفترة. في وقت لاحق، انخرطت في حركة اليسار، التي تحارب أيضا الاتجاهات السياسية والأيديولوجية الانتهازية والبتي برجوازية. في هذه الحركة من الجماعات و"الأحزاب" التي نشأت في الستينات كنتيجة لأزمة التحريفية، لم يكن الكل سيئا. كانت هذه الحركة غير متجانسة ومتنافرة جدا، وكذلك التكتلات لم تكن واضحة المعالم كما هي اليوم. ولهذا السبب نجد أن من بين العناصر الانتهازية والبتي برجوازية كنا نجدهم مختلطين مع العديد من الرجال والنساء المبدئيين والنزهاء شيوعيين حقيقيين. بجانبهم، إبان هذه السنوات الأخيرة، ركزت كل اهتمامي وجهودي لإنجاز مهمة إعادة بناء الحزب الحقيقي الذي تحتاجه الطبقة العاملة في اسبانيا وفي تطوير خطه الصحيح الماركسي ـ اللينيني.



أريناس كان قد اتهم بممارسة دكتاتورية فردية داخل الحزب، للقضاء على أي شخص لا يشاركه آراءه. في هذا السياق، كيف تفسر حالة بيو موا، المطرود بسبب خلاف؟

صحيح أنني كنت قد اتهمت بالدكتاتور وبغيرها من أشياء، ليس فقط في هذه الآونة الأخيرة ولكن منذ اللحظة التي بدأت فيها أدافع عن آرائي علنا وبوضوح. ولكنكم تنسون "تفصيلا صغيرا". كل أولئك الذين أطلقوا هذا الاتهام ضدي كانوا هم أنفسهم قد خرجوا من الحزب ، ووحدهم، وحيدين لا أحد رافقهم في خروجهم، ومن هنا يمكن الاستنتاج بوضوح بأنني لم أكن الوحيد الذي مارس "الدكتاتورية"، ولكن الحزب بأكمله مارسها ضد عنصر واحد انتهازي أو مخرب. إذا أمكن أن نسمي هذا دكتاتورية! ... إنه فقط بعد الخروج من الحزب حتى تبدأ كل هذه العناصر تقول بأنني دكتاتور. لكل هؤلاء الأشخاص، إذا كان الحزب - وهذا يعني الغالبية العظمى من المناضلين – لم يقبل أفكارهم وآراءهم بعد أن ناقشوها وباستفاضة، بالنسبة لهم إذن ، الحزب لم يعد هو الحزب، ولكن مجموعة من البلداء الخاضعين لنير دكتاتورية شخص ما. من هو الدكتاتور أو من هو الطامح لأن يصبح ديكتاتورا؟ من يدافع عن الآراء الصحيحة وينظم إلى الأغلبية أو، على العكس، الذي هو على خطأ، والذي يدعي ويشوش ويزرع الفتنة والذي يريد أن يجعل من التنظيم الشيوعي حفنة من الأصدقاء الجيدين؟ حالة بيو موا هي مجرد حالة واحدة من بين العديد غيرها، مع فارق وحيد كون هذا الشخص قد أثار من الضجيج والضوضاء أكثر من غيره، محاولا عبر ذلك تبرير جبنه وخسته. لقد بدأ بالحديث عن الأخطاء الصغيرة ، لقد أولينا اهتماما لتحليله ولحججه وتحدثنا معه لمدة سنتين! كون حرية النقاش غير موجودة في صفوفنا! ولكن في نفس الوقت الذي تكون فيه الحرية الكاملة في النقاش، ولكي توضح الأمور ولكي لا ننحل إلى مجموعة من الانتهازيين، فإنه يجب أيضا أن تكون هناك وحدة في العمل أو الفعل! لذلك عندما اقتنع بيو موا بأنه لن ينجح في توجيهنا إلى طريق خاطئ، وأنه نفسه كان قد اقتيد إلى حيث لا يريد أن يذهب، منذ تلك اللحظة بدأ يفقد الدواسات. من ثم دعيناه إلى النظام. كان جوابه دليلا على عمق ازدرائه اتجاه جميع الرفاق، المظهر الأكثر وضوحا من مظاهر فردانيته البتي برجوازية ولفوضويته الأرستقراطية. أنتم تدركون بأنه في صفوفنا لا يمكننا التعامل أو التراضي مع مثل هذه الأمور، وعلى الأخص في الأجهزة القيادية للحزب. ولذا فقد قررنا سحب جميع مسؤولياته وإخضاعه لفترة تحت الملاحظة حتى يعطي دليلا على رغبته في الوحدة وتصحيح أخطائه بدقة ومن الجذور. موا كان ينتظر ويتوقع هذا القرار، كان ينتظره لشن هجماته المباشرة ضد الحزب، ضد خطه السياسي ، ضد قيادته وضدي ، وهذا ما لم يحدث قط من قبل. في الجوهر ، في كل هذه المسألة نجد بأن سؤالا يتقاسمه بيو موا مع كل الانتهازيين، وهذا ما أدى به الى الاصطدام مع الحزب: نبذه دعم، وكمبدأ أساسي ، ضرورة الكفاح المسلح الثوري لتطوير الحركة الجماهيرية وهزم الفاشية، ما دفعهم إلى المصقلة الإغريقية aux calandres gracques " عندما يصبح الحزب والحركة الجماهيرية أكثر تطورا " العذر الذي يستعمله جميع الانتهازيين لتغطية فرارهم من المعسكر الثوري.



ما هي أوجه الشبه والاختلاف الموجودة بين الحزب الشيوعي الإسباني (المعاد) و بين منظمات مثل Tupamaros، وMontoneros أو فصيل الجيش الأحمر؟


ما نعرفه عن هذه المنظمات وعن غيرها ممن تشبهها، هو فقط ما تتفضل علينا بنشره الصحافة القانونية وسوف تفهمون بأن ذلك غير كاف لإصدار حكم مبني على معرفة دقيقة. لكن هناك مع ذلك بعض الأشياء التي هي واضحة جيدا وحولها يمكن أن نبدي رأينا. فلا Tupamaros ولا Montoneros ولا فصيل الجيش الأحمر الألماني هم أحزاب عمالية ماركسية لينينية، إظافة أنهم لا يعتبرون أنفسهم كذلك . هذا ما يجعل منها الأقرب أكثر لحركات ذات طابع شعبي ثوري. يبقى ايضا أن نرى ما سوف تصبح عليه هذه الحركات، على الرغم من أنه لا يمكن أن نستبعد احتمال أن بعضا منهم أو مجموعات منهم، على الأقل، قد تتحول إلى أحزاب طليعة فعلية. نحن نعتبر أنه عندما ينبثق أو ينشأ الحزب الثوري الجديد للطبقة العاملة في ألمانيا والأوروغواي والأرجنتين فإن هذه السيرورة لن تكون مستقلة كلية عن هذه الحركات [ قد يكون التعبير الأدق : ان هذه السيرورة لن تكون منعزلة تماما عن هذه الحركات]، لأنه مما لا شك فيه أن أولئك الذين أنشؤوها يشكلون اصلا اليوم، بطريقة ما، طليعة النضال لشعوبهم. لقد استوعبوا إحدى المسائل الرئيسية لعصرنا: كون الكفاح المسلح وحده الكفيل بجعل هذه الشعوب تنعم بالحرية فعليا وبأنه ليس هناك غير هذا الشكل [الكفاح المسلح] من خوض الصراع ليكفل التثقيف وتوضيح الرؤى في صفوف الثوريين. حزبنا يفهم/يتفهم تماما هذه الظاهرة الجديدة لبروز فصائل مسلحة في البلدان التي لها تطور اقتصادي نسبيا مرتفع. ما يميزنا بشكل أساسي عن هذه التشكيلات / الفصائل هو أننا شكلنا حزبا يستند على الطبقة العاملة، ويسترشد بالماركسية اللينينية و يغذي/يحرك ويحاول تنظيم حركة المقاومة الشعبية. نحن بدأنا عملنا بالأساسيات، في حين أن هذه المنظمات فعلت ذلك بالمقلوب. قد يعود ذلك لربما إلى عدم إدراكهم أو استيعابهم الجيد - وهذا له أهمية حاسمة- للمسائل الجديدة التي تواجه الحركة الثورية المعاصرة، لقد فهموا على منوال ما يسمون أحزابا شيوعية وأنها تريد إنجاز الثورة، ولكن في محاولة القيام بذلك، ينفصلون (ونأمل أن يكون هذا لحظيا فقط) عن الماركسية اللينينية، عن المذهب الوحيد الذي يمكن أن يقود إلى النصر.



بالحديث عن فصيل الجيش الأحمر، هل انتحارك وانتحار البعض منكم داخل السجون الاسبانية قد يكون ممكنا على غرار الثوريين الألمان؟

نعم، لما لا، " انتحار" ما هو ممكن. وأكثر من ذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار كون "الرماديين les gris " [ أي الشرطة] قد احتلوا السجن ويتجولون داخل الممرات وبأيديهم بنادق آلية وإذا ظللنا باستمرارمهديدين بتدخلهم عند أي مظهر مهما كان بسيطا للاعتراض الذي نقوم به ضد النظام [القانون أو النظام السجني] الفاشي بوضوح الذي يحكم أو يدير السجن. ضمن هذا السياق، "انتحار" فردي أو جماعي يمكن أن مطروحا في شكل آخر على الرغم من أنه لا ينبغي استبعاد أحد أشكال "الانتحار" ذلك الذي ابتدعه النازيون الذين يحكمون ألمانيا. الشيء الوحيد الذي نستطيع أن نقوله في هذا الصدد، هو إعادة ما قاله من قبل شهداء ثورة المقاومة الألمانية المعادية للنازية : "إذا تم نشر الخبر عن انتحار ما ، لا تصدقوا ذلك " . الثوريون يمكنهم ارتكاب بعض" الحماقات " ، وفقا للحس المشترك/ السليم، ولكنهم أبدا لا يقومون بوضع حد لحياتهم بأنفسهم، لأن هذا المر لا علاقة له بالثورية، لكنه عمل جبان ونذل.



لدينا انطباعا بكون مجموعة من "الحقائق غير القابلة للنقاش" في الماركسية يجري مراجعتها بشكل شامل وأنها في أزمة موضوعية. هل ما تزال للماركسية اللينينية راهنية كاملة ؟ هل ماركس وإنجلز ولينين لم يخطؤوا إطلاقا؟ هل كل ما ورد في الكتب لا نقاش فيه او غير قابل للنقاش؟

الكثير من الناس يتحدثون عن "أزمة الماركسية"، ولكن عددا قليلا جدا منهم يقف على الأزمة الفعلية والحقيقية التي تعاني منها الرأسمالية والتحريفية. ليس هناك شك في أن عددا أو سلسلة من الأفكار والأطروحات الماركسية فقدت قوتها أو عنفوانها. ولكن، من ناحية أخرى، لا أحد من الماركسيين قال أو يمكنه القول بإن المعلمين الكبار للاشتراكية العلمية لم يخطأ أبدا أو لم يسبق لهم الخطأ أو أن الاقتباسات من كتبهم أو ما ورد في كتبهم لا يقبل الجدل والنقاش، لأنه لا أحد ساءلها (النظرية والكتب) ولا راجعها وأعاد تنقيحها أكثر من كاتبيها انفسهم وفي مناسبات عديدة. لا يوجد شيء أكثر تناقضا مع الماركسية من الدوغمائية، لذلك، نحن الماركسيون نحن أكثر ارتباطا وملتزمون بالروح الثورية بالنفس الثوري لتلك الكتب أكثر من النصوص المطبوعة في تلك الكتب. الماركسية اللينينية هي المعمول بها في مبادئها الأساسية لأن الظروف الموضوعية التي استندت عليها لم تتغير جذريا، على الأقل في المجتمع الرأسمالي الذي نعيش فيه. ولكن الحياة والمجتمع تتغير، فهي ليست ثابتة أو جامدة، ولهذا السبب فإنه من الضروري أن يعمل الحزب الثوري على تكييف مبادئه مع الظروف التي تتغير باستمرار. لهذا السبب أقول بأن هناك سلسلة من الأشياء التي يصبح من الضروري مراجعتها، ولكن ذلك ، يجب أن يتم من وجهة نظر وموقع ثوري ماركسي، وليس من موقع تحريفي برجوازي. نحن، في الحزب الشيوعي الإسباني (المعاد)، نحن بصدد القيام بمراجعة للماركسية، ليس على طريقة البرجوازية، ولكن كماركسيين ثوريين حقيقيين، مثل ماركس وإنجلز، مثل لينين وستالين وماو تسي تونغ راجعوا العقيدة/ المذهب عندما كان ذلك ضروريا للتكيف مع الزمن الجديد ومع الظروف الجديدة.



في اسبانيا لعام 1977، هل الاستيلاء على السلطة مثلما حصل في روسيا في عام 1917 هو أمر ممكن؟

لا، ليس هذا ممكنا، ولديكم هنا مثال لمراجعة ثورية للماركسية. نعلم أنه في روسيا، مسألة السلطة – التي هي المسألة الأساسية في كل ثورة - تم حلها عبر عمل انتفاضي مسلح. في إسبانيا، على العكس، الجماهير الشعبية ستصل إلى السلطة بعد خوضها حربا ثورية طويلة الأمد. هذا هنا مبدأ يتعذر لمسه. لكن الظروف تغيرت ، وبالتالي شكل هذا العنف. يرجع هذا التغيير إلى الظروف الاقتصادية والسياسية التي يهيمن فيها الاحتكار وشكل سلطته العسكراتي، البوليسي والرجعي. نحن لم نخترع هذه الظروف، ولا أشكال مقاومة الجماهير الشعبية التي تولدها تلك الظروف. نستطيع أن نفهم بأنه في ظل هذه الشروط، التكتيك والاستراتيجية وأساليب النضال الثوري للبروليتاريا يجب بالضرورة أن تتغير. وهذا لأنه لا توجد أبدا ثورة برجوازية لتحقيقها، لأن الرجعية لن تتترك نفسها تفاجئ بتمرد عام ينفجر عند نقطة معينة ولأنها لن تسمح للجماهير بتنظيم وتركيز قواها سلميا باستخدام الشرعية البرجوازية ، والتي هي من جانب آخر هي خارج الاستعمال تماما من طرف البروليتاريا.



رفيق عبد الكريم الخطابي : البيضاء في 10/04/2016