اعتصام اعضاء البرلمان يؤشر الى المهزلة السياسية في العراق


سامان كريم
2016 / 4 / 18 - 01:41     

سؤال: النواب يعتصمون في البرلمان احتجاجا على قائمة المرشحين التي طرحها العبادي للتشكيل الوزاري الجديد ويقولون إنها ستؤدي مرة أخرى إلى الفساد والمحاباة. النواب المعتصمون يقولون أن الموافقة على هذه القائمة تعني أنها ستبقي على نظام الحصص العرقية والطائفية!!؟؟.. النواب المعتصمون أجتمعوا وصوتوا على أقالة رئيس مجلس النواب أحتجاجا على قائمة "تكنوقراط" العبادي!!!.. بعد أعتصام مقتدى الصدر وتظاهرة عمار الحكيم جاء الدور على مجموعة كبيرة من نواب المحاصصة لياخذوا دورهم على خشبة المسرح لأنتاج فصل جديد من فصول الخداع والتضليل.. أكثر من ثمانية اشهر ووعود "أصلاحات" العبادي لم ولن تأتي بجديد يذكر سوى فصول من الخداع والمماطلة.. برايك ما الصورة التي نستطيع أن نصف بها الحالة السياسية في العراق؟؟..

سامان كريم: العملية السياسية في العراق. تتآكل ونخر عصبها المركزي. العملية التي لم يتوفر لها الحظ لبناء الدولة على اساسها. العملية التي لم تحسم الدولة من قبل اي من القوى في اطارها. والعملية السياسية اذا لم يقدر لها النجاح لبناء دولتها, ستفشل وفشلت. الصراع الحالي بين الاطراف السياسية في صفوف التحالف الوطني وخارجه, هو اساسا صراع حول بناء الدولة وطبع الدولة بطابع الفائز من هذا الصراع. العملية السياسية في العراق تواجه حالة التحلل الذاتي, حيث شاخت العملية ولم يعد بإمكانها ان تستمر حتى من قبل صانعيها. هذه المشكلة عويصة وغير قابل للحل وفق الاطروحات التي طرحت من قبل القوى البرجوازية.
في العدد السابق من الجريدة قلنا "ان العملية السياسية الحالية انتهى مفعولها واستنفذت كافة مقوماتها من قبل كل القوى المشاركة في الحكم, ناهيك عن تناقضها الصارخ مع متطلبات اكثرية الجماهير في العراق, متناقضة مع تطلعات العمال والشباب والمراة. كل القوى المشاركة في الحكم تعترف بصورة مباشرة او غير مباشرة بهذه الحقيقة عبر اطروحاتها" وأكدنا على ان السيد الصدر وتياره ليس بامكانه ان يشق طريقه وفق "شلع قلع". ووفق اطروحته التي اعلنها حول استقالة الرئاسات الثلاثة وكتبنا، "ان اطروحة السيد الصدر, وهي اطروحة تمثل حالة من الحالات او ارهاصات القومية العابرة للطائفية لا تتوافق مع الحالة الراهنة لتوازن القوى البرجوازية في الساحة, على رغم وجود تيار واسع يؤيد هذا الخط سواء كان داخل التحالف الوطني او اتحاد القوى والتيار المدني ايضا.. المشكلة في العملية السياسية ذاتها, وفي ذات التيار الصدري كتيار اسلامي سياسي وطائفي ايضا". حيث ان السيد الصدر اعلن يوم 16 نيسان الموافق ليوم السبت عن اطروحته الجديدة التي مفادها "اجتماع الرئاسات الثلاثة والاتفاق على حكومة تكنوقراط خلال 72ساعة".. هذه هي اطروحته الجديدة وبهذا ينفي اطروحته السابقة... اذن وبهذا المعنى صدقنا.
العملية السياسية وكما قلنا اعلاه أن القوى السياسية البرجوازية تواجه مشكلة البديل، ومشكلة البديل قبل الامتيازات السياسية والاقتصادية والمناصب الوزارية هي قضية الرؤية والافق السياسي. حيث اشتركت كل هذه القوى في رؤية إستراتيجية واحدة وهي إسقاط النظام البعثي. هذه الرؤية تحققت ولكن بعد تحقيق هذه الرؤية يتطلب الأنسجام والاتفاق حول رؤية جدية لبناء الدولة الجديدة في العراق, وهذا لم يتم لحد الان. ان انسداد العملية السياسية في العراق الحالي هي في الوقت نفسه انسداد للرؤية والافق السياسي البرجوازي. هنا تكمن حالة الترنح والتضليل وادارة الازمة, من قبل كافة القوى الحاكمة من التيار الصدري الى دولة القانون واتحاد القوى والتحالف الكردستاني والمجلس الاعلى وعصائب الحق... البرجوازية العراقية ليس بامكانها ان تتوحد كطبقة وهذه هي مشكلة هذا البلد منذ نشوءه اذا طرحنا منه فترة حكم النظام البعثي. السلطة التي وحدت الطبقة البرجوازية بما فيها الكردية في الحكم لغاية الحرب على دولة الكويت.
أما بخصوص الاصلاح و"الاصلاحات" براي ان القوى الحاكمة من العبادي والتيار الصدري وحتى المالكي والحكيم.. كلهم يهدفون الى الاصلاحات ويعلنون عنها وبصورة واضحة وشفافة خصوصا ورقة العبادي واضحة جدا حول هذه الامور.. وهي ورقة وفق قياسات البنك وصندوق النقد الدوليين. في هذا الصدد هم لا يمارسون التضليل والخداع وهم يعلنون الاصلاحات وهذا اصلاحاتهم المشكلة ان الجماهير مستائة ومتذمرة ومحتجة, ولكن فاقدة للرؤية السياسية ولقيادة سياسية ولحزب سياسي يقودهم وينظمهم.. هذه هي المشكلة. وليس العكس. العبادي يقول وبصراحة انه يطبق سياسة التقشف ويقول بصراحة انه يدمج الوزارات ويقول وبصراحة انه يدعم القطاع الخاص ويقلل نفقات الدولة.. وهذه هي سياسية التجويع بعينها وسياسية توسيع رقعة البطالة بذاتها. هذه هو الواقع ولكن الجماهير تفهم من الاصلاح وفق قياساتها ولكن الحكومة تطبق الأصلاحات التي يرغب بها الرأسمال. براي مشكلتنا تكمن في عدم وضوح بوصلة الجماهير والطبقة العاملة.. عدم وضوح رؤية وعدم تنظيم هذه القوى وفق هذه الرؤية.. بهذه الحالة امتزجت اصلاحات العبادي والصدر والحكيم مع الأصلاحات التي تطلبها الجماهير والحقيقة انها تعاكسها.
اعتصام اعضاء البرلمان, يؤشر الى المهزلة التي وصلت اليها العملية السياسية الراهنة. هي تمثلية واقعية ابطالها ابطال الفساد وتمرير قوانين الفساد وتحميق الجماهير, هي عملية ديمقراطية وانتفاضة ليس لتطهير الذات بل لتدعيم وتقوية ومسايرة الواقع الفاسد السياسي والاقتصادي والاداري والمالي والاخلاقي الراهن.. هي العملية التي فتحت ابوابا مختلفة لكل ابواق الفساد والطائفية وحتى مجرمي اشعال الحروب ان يظهروا بمظهر الكرامة والعز ان تظهر بمظهر محتج بوجه الواقع الفاسد الحالي.. وهذه هي حالة اللاواقعية التي تهدف الى خلق حالة واقعية.. الوضع السياسي في العراق يتطلب اطارا مختلفا تماما.
ليس بالأمكان تجاوز العملية السياسية او تصحيحها او إصلاحها وفق ما تطلبه الجماهير في اطار هذه العملية الرجعية البرجوازية المحاصصاتية. يجب التفكير في خارج هذا الاطار. يجب تجاوزها وقلب هذه العملية راسا على العقب, عبر تنظيم الطبقة العاملة وجموع الجماهير الغفيرة وبناء دولة العراق الحديث تعتمد على فصل الدين والقومية عن الدولة والتربية والتعليم, وعبر تشكيل سلطة الجماهير المباشرة. عبر الحكومة التي تمثل الجماهير بشكلها ومضمونها المباشر, عبر مجالس المحلات والمعامل والمدن. هذا هو البديل الواقعي والممكن, ماعداها تبقى البرجوازية المحصصاتية الفاسدة بمختلف مشاربها تعتصم وتثور وتنتفض ضد الجماهير في الساحة التحرير وقاعة البرلمان, حتى يوم القيامة.!!