التيار المدني - إلى الوراء دُر-


قاسم علي فنجان
2016 / 4 / 18 - 01:38     

يتصاعد النقد الموجه "للتيار المدني" بكافة توجهاته العلمانية, اللبرالية, التنويرية, واليسارية التقليدية, ويدخل النقد مرحلة الهجوم اللاذع والساخر مرة, والمتألم والحزين في أخرى, والمندهش والمحبط واليائس بشكل آخر, وليس من المستغرب أن نجد هذا النقد وقد أخذ كل هذه الأشكال المتنوعة, فما فعله هذا التيار بممارسته السياسية الفجة والغير مدروسة من تحالفات ومعاهدات ومفاوضات وتشكيله "كتلا تاريخية" مع قوى الإسلام السياسي الرجعية الحاكمة, وأيضا طرحه لفكرة الإصلاح الديني وتبنيه لتصورات جديدة عن "اليسار الجديد", كل هذه الأسباب وغيرها جعلته عرضة للنقد القاسي، وبالنهاية وكما هو متوقع فقد آلت جميع تجاربه للفشل.
لقد أصبح هذا التيار بسياساته هذه ومن يقف وراءها من قوى "يسارية تقليدية " يتجه صوب الخندق الرجعي أذا لم ينغمس فيه, وهذه السياسات جعلته ذيل بدون حركة وليس بحركة جماهيرية, وأن كراس (الحوار الديني "الإسلامي" مع التيار المدني) الذي وزعوه في ساحة التحرير, ما هو ألا النهاية التي كنا نتوقعها لهذا التيار, وكان يجب عليهم الحذر والبقاء بعيدا عن مثل هكذا تحالفات, لا تؤدي بالنهاية إلا إلى حقيقة واحدة (الفشل)..
عندما كنا نذهب إلى جلساتهم وندواتهم التي يديرونها على الملا ونسمع طروحاتهم عن العقل وكيف يفهمون الجمهور الواقف من حولهم بأنه لا سيد ولا سلطة تعلو فوق سلطة العقل, فهو الذي يجب أن يسود ويحكم, ورغم ما فيها من تصور مثالي, إلا أننا كنا نستبشر خيرا, فقد لمسنا تغييرا كبيرا عند بعض مريديهم, لأن مثل هذا الطرح غريب على مجتمع يحكمه الإسلاميون والقوميون والعشائريين منذ 2003, مجتمع جعله هؤلاء يتكلم لغة واحدة هي القتل والفساد والنهب والطائفية والقومية, فكانت اللغة التي تكلم بها "التيار المدني" جديدة على أسماع من حضر, لهذا تجمع الكثير من المثقفين حول هذا التيار, وكنا نراهم في ساحة التحرير وهم يرفعون ويرددون شعارهم المميز(خبز, حرية, دولة مدنية).. الذي استبدلوه للأسف فيما بعد بشعار ( كلا كلا لل... ونعم نعم لل..), وكانوا هم قادة التظاهرات, وأي حركة غير حزبية تأتي إلى ساحة التحرير إما أن تنصهر بهم أو تتلاشى, لقد كنا فرحين بهذا المد الجديد فقليل من الضوء أفضل من ظلام دامس..
لكننا فوجئنا بل صُدمنا عندما رأيناهم يتحالفون مع قوى دينية تحكم العراق منذ 2003 وهي التي كانت السبب في كل ما مر به هذا البلد من قتل وتهجير وفساد وتشرذم, ومن بؤس وشقاء وإساءة لكل شيء أنساني, سمعنا ورأينا كيف ذهب قادة هذا التيار إلى المراكز الدينية ليقابلوا آباء الكنيسة الذي كان يصفهم فولتير بأنهم (طاعون الإنسانية ومصدر كل الآثام والشرور), فجأة تحالفوا مع السيد الجديد وقدموه وأخذوا تعاليمه ومواعظه وخطبه, ونسوا السيد الأول "العقل" الذي كانوا يتحدثون ويتباهون به, لقد بايعوا السيد الجديد وحولوا الفعل الثوري المتصاعد إلى حركة رجعية بامتياز.
وبالرغم من الصورة المرعبة التي حصروا أنفسهم بها مع قائدهم الجديد, إلا أن الكل تسأل عن الكيفية التي تحالفوا بها مع تلك القوى الرجعية, تسألنا عن جوهر هذه الحركة وما هي خلفياتها الثقافية والسياسية؟ وكيف نبعت هذه التصورات؟ ولماذا أسلمت أمرها وانقادت وأصبحت ذيل ميت داخل حراك جماهيري متصاعد؟ وهل هناك قوى تدفعهم أو دفعت بهم رغبة منها في الحصول على مكسب سياسي بعد أن فشلت في تحقيقه انتخابيا؟ وماذا كان يتصور هؤلاء القياديون من "التيار المدني" أذا ما نجح حراكهم -وهو ما لن يحصل أبدا- فكيف سيكون شكل التحالف في المرحلة المقبلة, وما هي مربحياتهم السياسية؟ أذا جاز لنا استخدام هذه المفردة فهي في حساباتهم هكذا (كم سنربح).
كنا دائما نؤكد أن "الكتلة التاريخية" هي نقطة مظلمة في تاريخ الحراك الجماهيري وأيضا الطرح الجديد "لليسار الجديد" هو أسوأ بكثير من اليسار القديم, وأن المتضرر الأكبر من هذه التحالفات المشبوهة والطروحات السيئة والمسيئة في نفس الوقت هم الشباب المدني الحقيقي الذي يتوق إلى دولة مدنية علمانية تفصل الدين عن الدولة, الشباب الذي أراد التغيير والتحرير على أساس الممارسة السياسية الفعلية, وليس على أساس الفعل الذهني, مرة بالعقل هو السيد, وفي الأخرى السيد هو السوبرمان..
لقد تابعنا حركة" الاعتصام" ونصب الخيام, والتي لم تكن سوى حركة استعراضيه لتيار ديني داخل العملية السياسية, ولم يكن اعتصام بالمعنى الاحتجاجي والاعتراضي للكلمة بقدر ما كان وسيلة ضغط من هذا التيار الديني للحصول على أكبر قدر من المكاسب السياسية, وجرى له ذلك, أما "المدنيون" ولواحقهم فبعد فض "الاعتصام" بقرار سيادي, قيل لهم (إلى الوراء دُر) ولسان حال المنطقة الخضراء والمراكز الدينية كلها يقول لهم ولقادتهم مرددين مع فيرجل (تعلموا العدالة بعد هذا التنبيه وتعلموا عدم احتقار الإلهة)..