دعوة للضحك على الموتى!


سلام عبود
2016 / 4 / 15 - 21:41     

"وفور خروج النواب من قاعة الجلسة، استفهمت “الصباح الجديد” من النائبة عن القوى الكردستانية سوزان بكر عن ما جرى داخل الجلسة. وقالت “منذ دخولنا لجلسة البرلمان وجدنا تصرفات غير لائقة بالبرلمانيين، تمثلت بالتجاوز والقذف على القيادات الكرد من قبل نواب عن ائتلاف دولة القانون”، مضيفة إننا كنواب كرد طالبنا بالاعتذار على هذه التصرفات الصبيانية والتطاول على رؤساء الكتل الكردستانية، لكن ذلك لم يحدث.”
وتطور الأمر إلى حدوث اشتباك بالأيدي بين النائب ريبوار طه عن القوى الكردستانية والنائبة عالية نصيف عن ائتلاف دولة القانون، عندما أراد قراءة بيان لاستذكار حادثة الأنفال.
(صحيفة الصباح الجديد – 15 نيسان 2015)

هذا المقال ليس موجها الى أحد.
وهو ليس مقالا بالمعنى الحرفي والمهني. بل هو دهشة- خالية من العفوية- في وطن لا يعرف الدهشة أبدا.
ربما هو شيء أكبر وأدهش من الدهشة.
يقول بعض سياسيي " الكتلة الكردستانية" إن ما حدث في مجلس النواب "مؤامرة". بعضهم يتكلمون بألسنة ولكمات وقبضات موحدة، مدّعين أنهم كتلة، وليسوا أحزابا متناحرة، متحاربة، يقصي بعضهم بعضا نهارا جهارا. منهم من يحضرون الى مجلس النواب العيراقي باعتبارهم "كتلة"، كتلة عرقيّة، شوفينية خالصة، واحدة موحدة، طاهرة مطهرة.
موضوع العراك بالأيدي أو بالأرجل أو بالقناني الفارغة والمملوءة رأيناه جميعا من على شاشات التلفزيون، لذلك لا داعي للتعليق عليه، ولا أهمية لمعرفة أسبابه الحسيّة المباشرة، لأنها لا تغيّر من طبيعة ما حدث.
ما أدهشني وحيّرني وأصابني بالعطل العقلي هو ادعاء نواب "الكتلة" أن ما يحدث من اعتصام هو "مؤامرة" على العيراق الديموقراطي. كلمة "مؤامرة" أعاد تكرارها رئيس مجلس النواب المقال سليم الجبوري أيضا. نحن إذاً أمام حالة وطنيّة كبرى، أمام مؤامرة، وأمام جماعة اتخذت من مجلس النواب موقعا للتآمر وإطاحة النظام السياسي، كما قال العبادي في خطابه التلفزيوني يوم أمس.
إذاً، الوطن يتعرض الى مؤامرة كبرى لإسقاط حكومته العادلة، وحرف عمليته السياسية الديموقراطية.
أمام هذا الموقف الجلل، أمام لحظة وطنية مصيريّة قاهرة مثل هذه، وفي ظل فوضى عارمة تسود الشارع والنفوس والقاعات المغلقة، وفي ظل تحرّكات سريعة إقليميّة ودوليّة، وفي ظل اختلاط الحابل بالنابل، الذي جعل المواطن " يفرّ أذنيه"حيرة ودهشة، كادت تنسيه مطالبه المشروعة كلها، حينما وجد المالكي يختلط بعلاوي، والعبادي يختلط بمهدي الحافظ، ومشعان يختلط بعبطان، ونوري يشتبك بقوري، وميسون بطيسفون. وسط هذا البحر المتلاطم من صور الإدهاش الإصلاحي، أو الإصلاحي المضاد (لا تهمّ المصطلحات هنا)، يتقدم نائب حنون من الكتلة الكردستانية، نائب مفعم بالمشاعر الجيّاشة، مطالبا مجلس النواب، بوضع "الانفال"، و"استذكار الأنفال" في جدول أعمال المجلس باعتباره حدثا مصيريا قاهرا، غير قابل للتأجيل أو التعطيل أو المناقشة، وبخلاف ذلك، فإن الشعب العيراقي كله، بلصوصه وشرفائه، بأخياره وأشراره، سيغدون شوفينيين، وإضطهاديين، لا هم لهم لهم سوى مطاردة "الذاكرة الكردستانية" وإقلاق راحتها.
ما حيرني في الأمر ليس اتهام الناس بالشوفينيّة بأثر رجعي، باسم "الاستذكار" العجيب.
وليس الاستذكار المبرمج في لحظة "مؤامرة" كبرى على الدولة والحكم.
وليس العراك بالأيدي والأرجل.
ما حيرني هو أن " الكتلة" تستخدم المآسي الماضية، لصناعة مهازل محبوكة، تبكي العراقيين على حاضرهم المستباح.
نواب الكتلة يحوّلون التاريخ المأساوي الى ألهيات تاريخية لا تستهدف استغلال وتضليل الأحياء فحسب، بل استغلال وتضليل حتى الأموات، والضحك عليهم في قبورهم.
المتابع للأحداث في صورتها "الكردستانية" يجد سلوكا تكراريّا بدأ يتعاظم هذه الأيام، تزعمّته الممثلة فيان دخيل، قائدة الكورس الباكي، بمهاراتها الفذّة في تجسيد رقصات البكاء على الأموات والمسبيين.
أدهشني أننا نضحك، بشجاعة اللؤماء، على موتانا!
نضحك عليهم علنا حتى تحت قبة مجلس النواب.
نضحك عليهم والوطن يعيش لحظة فارقة من تاريخه.
نضحك عليهم، بطريقة مخجلة وقاسية، نستخرجهم من قبورهم عظاما، ثم نبدأ بترقيصهم على الوحدة ونص.
هذا ما أدهشني.