السلفيون


فريدة النقاش
2016 / 4 / 15 - 20:06     

قضية للمناقشة : السلفيون
تزداد مهمة تجديد الفكر الدينى فى مصر صعوبة وتعقيدًا بعد أن تلقى السلفيون دعما معنويًا هائلا من زيارة الملك “سلمان بن عبدالعزيز” لمصر، وبينما يهتم القطاع الأكبر من المصريين بالنتائج الاقتصادية لهذه الزيارة فى ظل الأزمة التى تواجهها البلاد بعد ضرب السياحة وزيادة سعر الدولار فى مصر، والارتفاع الجنونى فى الأسعار، بينما يحدث ذلك تشعر الجماعة الثقافية الديمقراطية بالقلق، رغم امتنانها للدور السعودى الداعم للبلاد فى ظل أزمتها، ورغم معرفتها بأن الحكم السعودى قد ذاق مرارة الإرهاب باسم الدين.

وينبع القلق من التداعيات التى راكمتها عملية إزاحة حكم الإخوان المسلمين فى الثالث من يوليو 2013 بعد الموجة الثانية من الثورة المجيدة فى الثلاثين من يونيو فى نفس العام.

كان حكم “مبارك” ومن قبله “السادات” قد تفنن فى تفريغ الحياة السياسة، ومصادرة أى محاولة أو جهد لإشراك الجماهير فى السلطة والثروة اللتين احتكرهما الحكم وجوقة الفساد المحيطة به، وكما فى الطبيعة فإن أى فراغ سرعان ما يجد من يملؤه أو ما يملؤه، وكان نظام “السادات” قد مهد الأرض فى القانون والممارسة لكل قوى اليمين الدينى من الإخوان المسلمين، إلى الجماعات الجهادية لتخوض حربه بالوكالة ضد قوى اليسار التى قاومت سياساته من الانفتاح إلى الصلح المنفرد مع إسرائيل.

وفى ظل هذا المناخ، وبعد الغضب الشعبى المتزايد ضد الإخوان وممارساتهم وإرهابهم، تقدم السلفيون ليملأوا الفراغ بعد أن قرروا الاشتغال بالسياسة كما فعل الإخوان من قبل، وقدم السلفيون أنفسهم للشعب المصرى عبر مشروعات اقتصادية ضخمة تدفقت أموالها عليهم من بلدان الخليج باعتبارهم دعاة تطور سلمى دون عنف، رغم أنهم مارسوا عنفًا معنويًا سافرا ضد النساء وضد المسيحيين مختزلين العنف فى مجرد حمل السلاح.

وضغطت مؤسسة الأزهر ضغطًا شديدًا على لجنة الخمسين لكتابة الدستور حتى تسقط النص الذى يحظر قيام الأحزاب على أساس دينى أو مرجعية دينية، واستبقوا الخطر على أساس دينى وشطبوا الإشارة إلى المرجعية الدينية بعد تهديد من حزب “النور”، وكان المجلس الأعلى للقوات المسلحة بدوره وأثناء تحالفه مع الإخوان فى بداية ثورة 25 يناير قد شطب الحظر على المرجعية الدينية من الإعلان الدستورى الذى أصدره فى 30 مارس 2011، وبعد أن انفض تحالفه مع الإخوان قرر أن يستميل إليه حزب “النور” والسلفيين.

وكان حزب النور ممثلاً للسلفيين قد تحالف مع الإخوان أثناء حكمهم لمصر، ولكن نفوذه السياسى تراجع بعد رحيلهم ولم يحصل فى الانتخابات النيابية الأخيرة إلا على إثنى عشر مقعدًا.

ويمارس الحزب مع الأحزاب الدينية الأخرى التى نشأت بادعاء أن مرجعيتها هى الدين نفوذا متزايدا فى الأوساط الشعبية، وهو يقاوم كل التوجهات الحداثية الديمقراطية والعلمانية التى تدعو لفصل الدين عن السياسة، ويحمى المرجعية الاجتماعية ويستمد الحزب زاده الفكرى والمعرفى من “ابن تيمية” و”ابن عبدالوهاب” والأخير هو مؤسس السلفية الحديثة التى غزت مصر مع أموال النفط، ومع ترويج أفكار “بن تيمية” على أوسع نطاق لتخرج كل الجماعات المتشددة من عباءة هذين الفقيهين وأفكارهما القادمة من خارج العصر وقد تجاوزها التاريخ.

وتزداد صعوبة المهمة التى لا مناص من أن يقوم بها المثقفون الديمقراطيون ألا وهى تجديد الفكر الدينى لأن السلفيين المعادين لأى تجديد يعتبرون ما كتبه الفقهاء هو من ثوابت الدين سوف ينتعشون بعد أن أمدتهم زيارة الملك “سلمان” بزاد وفير من الدعم المعنوي، وإذ ترى فيهم المملكة القاعدة السياسية لها فى مصر، وسوف يستثمر السلفيون هذا المعنى استثمارا واسعا.

كذلك فإن صعوبات الحياة المتزايدة غالبا ما تدفع بالمواطنين الذين انغلقت فى وجوههم أبواب الأمل إلى أحضان من يرفعون شعارات الخلاص بالدين، وفى ظل ما يشابه الغياب للسياسة فإن الأيديولوجية الدينية هى ملاذ مريح مرتين، مرة لأن المرء ليس مطالبا بالتفكير فكل شيء جاهز سلفا، ومرة أخرى لأن هذه الإجابات الجاهزة ستقوده إلى الجنة فيرتاح من عذاب الدنيا، وإذا ما درسنا سيكولوجية الشباب الذين ينخرطون فى القاعدة وداعش وغيرها من الجماعات “الجهادية” ربما سوف نجد هذا الأساس كامنا فى أعماقهم.

تجديد الفكر الدينى مهمة صعبة لابد أن تنخرط فيها مؤسسات الدولة الثقافية والتربوية بجدية مستلهمة الشعار العظيم للثورة الوطنية الكبرى عام 1919 الدين لله والوطن للجميع ولا ثوابت فى الدين سوى العقيدة أى العلاقة بين الإنسان وربه وكل شيء آخر هو من صنع البشر.