لِمَن زغردت الأمّ الفلسطينية؟


يعقوب ابراهامي
2016 / 4 / 6 - 15:14     

(زغردت المرأةُ : ردَّدت صوتَ الفرح في حلقِها بلسانها)

ما الذي يميز الأم الفلسطينية عن كل أمهات العالم؟
إذا طرحتم هذا السؤال على السيد أيمن عودة، رئيس القائمة العربية المشتركة، فإن جوابه سيكون كما يلي: الأم الفلسطينية، بخلاف كل أمهات العالم (ونحن نضيف: وبخلاف غريزة الأمومة الطبيعية) ترفع صوتها وتزغرد إذا استشهد فلذة كبدها.
هذا، على كل حال، هو ما صرح به أيمن عودة (المحسوب على الحزب الشيوعي العربي في إسرائيل) في سباق الخطابات الديماغوجية التي رافقت مهرجان الإحتفالات بذكرى "يوم الأرض الخالد".
"إن المرأة الفلسطينية" - قال رئيس القائمة العربية المشتركة وفقاً لما نشره موقع "الجبهة" يوم 31 آذار 2016 - "هي الأم الوحيدة في العالم التي إذا إستشهد فلذة كبدها رفعت صوتها وزغردت لأن فداء الوطن كل شيء يهون، وأن الشهداء هم من أعطوا الصورة الطيبة والناصعة عن الوطنية الصادقة (عن "الملاذ الأخير" سنتحدث فيما بعد - ي.أ.) ، وبفضل تضحياتهم نعيش اليوم ونكرم الشهداء".
يجب أن نعيد قراءة هذه الجملة الفضيعة مرةً أخرى لكي نصدق: الأم الفلسطينية ترفع صوتها وتزغرد (فرحاً؟ علام تفرح هذه الأم الثكلى؟) عندما تسمع أن ابنها قد استشهد.
والأنكى من ذلك أن ايمن عودة لا يخجل من هذا السلوك بل يفتخر به ويعده إنجازاً عالمياً فريداً من نوعه: الأم الفلسطينية - يزعم أيمن عودة - هي الأمّ الوحيدة في العالم التي تفعل ذلك، هي الأمّ الوحيدة التي تزغرد عندما يسقط ابنها (فلذة كبدها) قتيلاً.
ما الذي يدعو إلى الافتخار هنا؟ هل ثقافة تمجيد الموت هذه (إذا صدَقَت) مدعاة للفخر؟
أي نوع أمٍّ هذه التي تفرح (تزغرد) عندما يأتيها خبر موت ابنها؟ هل هي أمٌّ حقيقية أم إنها من اختراع الخيال المريض لأيمن عودة ؟
أمٌّ حقيقية تنتحب عندما يأتيها خبر موت ابنها - أمّا "أمّ أيمن عودة" الوهمية فتزغرد. لمن تزغرد هذه الأم الثكلى؟
كنتُ أريد أن اعتقد أن هذه "الأم" هي من اختراع أيمن عودة، وأن أمّاً كهذه (فلسطينية أم غير فلسطينية) لا وجود لها على الإطلاق على سطح الكرة الأرضية. كنتُ أتمنى ذلك لولا أنني تذكرتُ بمشهدٍ مأساوي مذهل رأيته في حينه على شاشة التلفزيون يوم كان إنتحاريو "الله أكبر" يفجرون أنفسهم في أرجاء إسرائيل. المشهد أظهر أمّاً فلسطينية من غزة، بلغها خبر أن ابنها فجّر نفسه في مقهى في تل أبيب، فأخذت ترقص بصورةٍ هستيرية وهي تردد: اليوم هو يوم عرسٍ لإبني.
في حينه عزوتُ ذلك إلى أن هذه الأم المنكوبة قد فقدت رشدها من هول الفاجعة. فقدان ابنها افقدها رشدها. هكذا ظننتُ ولا زلتُ أظن. جاء الآن أيمن عودة ليقول لنا: لا! هذا هو بالضبط ما يميز الأم الفلسطينية: تزغرد عندما يموت ابنها. هل يريد ايمن عودة أن يثقف شعبه بثقافة تمجيد الموت؟
أو خذوا على سبيل المثال "الأمّ الفلسطينية" التي قالت لمراسلة قناة "الجزيرة" أنها مستعدة لتقديم كل أبنائها "فداءً للأقصى". ألا تتفقون معي أن هذه "الأم" يجب إيداعها، بأسرع وقتٍ ممكن، في أقرب مستشفى للأمراض العقلية، لأنها تشكل خطراً على أبنائها؟
في نهاية المطاف يلجأ أيمن عودة إلى "الملاذ الأخير". كلنا نعرف طبعاً ما هو "الملاذ الأخير" (ومن لا يعرف يمكنه أن يسأل الزميل قاسم محاجنة). أيمن عودة يفضل أن يطلق على "الملاذ الأخير" اسم "الوطنية الصادقة".
كل شيءٍ يهون فداءً للوطن – يعظ أيمن عودة الأمهات الفلسطينيات.
كل شيءٍ يهون فداءً للوطن؟ لا يا سيدي! هذا شعارٌ فاشي يليق بداعية فاشي لا بمثقفٍ يساري.
مستقبلٌ أسود ينتظرنا إذا صَدَق أيمن عودة وإذا كانت "الأم الفلسطينية" تزغرد حقاً عندما يسقط ابنها قتيلاً.