تفاقم عجز موازنات دول الخليج


فهمي الكتوت
2016 / 4 / 3 - 22:35     

تواجه دول مجلس التعاون الخليجي عجوزات ماليّة مرتفعة في موازناتها، بسبب تراجع أسعار النفط، وارتفاع النفقات العسكرية، وقد أقدمت هذه الدول على إجراءات تقشفية، لمواجهة العجز المتنامي في موازناتها، وقد تعرض بعضها لتخفيض تصنيفه الائتماني السيادي من قبل مؤسستي ستاندارد آند بورز وموديز، كما تلقت دول أخرى رسائل تحذيرية باحتمال تراجع تصنيفها الائتماني السيادي، إذا لم تتكيف مع انخفاض أسعار النفط. علما أنّ التخفيض السيادي طال بعض القطاعات المصرفية. وتقدر وكالة موديز للتصنيف الائتماني قيمة العجز المتوقع لدول الخليج خلال العامين القادمين بنحو 270 مليار دولار، في حال استمرار أسعار النفط ضمن مستوياتها الحالية.
وتأتي المملكة العربية السعودية في مقدمة هذه البلدان؛ فقد بلغ عجز موازنتها للعام الماضي 2015 نحو 98 مليار دولار، وتم تمويل العجز من الفوائض المالية والقروض، بإصدار سندات تنمية حكومية. كما شهد الناتج المحلي الإجمالي تراجعا بنسبة 13.35% مقارنة مع العام 2014. حيث ارتفعت نفقات المملكة نحو 260 مليار دولار مقارنة بالموازنة التقديرية البالغة 229 مليار دولار بسبب زيادة المكافآت والأجور وفق تبريرات وزارة المالية. أمّا الإيرادات المتوقعة للعام الحالي 2016 فقد قُدّرت بنحو 137 مليار دولار، والنفقات 224 مليار دولار، وبعجز قدره نحو 87 مليار دولار.
كما بلغ عجز موازنة سلطنة عُمان حوالي 8.5 مليار دولار، وذكرت وكالة الأنباء العمانية أنّ الحكومة العمانية قررت ترشيد الإنفاق العام ورفع أسعار الوقود وزيادة الرسوم على الخدمات الحكوميّة وتعديل أسعار المنتجات النفطية بما يتوافق مع الأسعار العالمية لتلك المنتجات للتكيف مع الأثر السلبي لتدني أسعار النفط وتعويض العجز في موازنة الدولة.
أمّا الكويت فقد أعلنت أنّ موازنتها تضمنت عجزًا مقداره 38 مليار دولار وبنسبة تقدر بنحو 61% من إجمالي نفقاتها العامة، حيث بلغت النفقات المقدرة في الموازنة 62.3 مليار دولار، في حين أن الإيرادات المقدرة تبلغ 24.4 دولار.
وقد ساهم ارتفاع النفقات العسكريّة لدول الخليج بتفاقم عجز موازناتها، حيث تقدر النفقات العسكرية للمملكة العربية السعودية بنحو 57 مليار دولار وفق موازنتها للعام 2016، وتشكل نحو 42% من الإيرادات العامة للدولة. علما أنّ تقرير معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام لعام 2014 أعلن أنّ النفقات العسكرية للسعودية كانت أعلى ثالث دولة في العالم حيث بلغت نحو 80.7 مليار دولار وبنسبة 10.4% من الناتج المحلي.
وعلى الرغم من الإنفاق العسكري المرتفع، لم نشهد موقفًا سياسيًا رادعا للعدو الصهيوني، الذي يمارس أبشع أنواع الاضطهاد ضد الشعب الفلسطيني، ويصادر الأراضي الفلسطينية، وينتهك حرمة المقدسات الإسلاميّة والمسيحيّة، ويرتكب يوميًا أبشع الجرائم بتنفيذ أحكام الإعدام بحق شباب الانتفاضة الفلسطينية بدم بارد، تحت سمع وبصر العالم. أليس من حق الشعب الفلسطيني التمتع بحماية عربية وإسلاميّة وخاصة من الدول التي تعلن حرصها على المسلمين، وتملك من القدرات العسكرية ما يؤهلها بتحقيق ذلك؟
وقد استنزفت أموال معظم دول الخليج العربي في شراء أحدث أنواع الفتك والدمار التي استخدمت في تدمير عدد من الأقطار العربية، (اليمن، ليبيا، سوريا، العراق). وبدلا من استثمار مئات المليارات بمشاريع عملاقة في بناء اقتصاد عربي يجعل من الاقتصادات الريعية في الوطن العربي اقتصادات إنتاجية، تحقق الاكتفاء الذاتي، بالاستناد إلى قاعدة إنتاجية، ويوفر الأمن الغذائي ويعالج قضايا الفقر والبطالة. أسهمت هذه الأموال في زيادة أرباح احتكارات السلاح في أمريكا وأوروبا، ودمرت عددًا من الدول العربية، كما تترك آثارًا سيئة على الفئات الشعبية من جراء سياسة التقشف في هذه البلدان. من خلال زيادة الضرائب المباشرة وغير المباشرة، حيث ستشكل ضريبة القيمة المضافة (ضريبة المبيعات) التي يجرى مناقشتها في دول الخليج، المصدر الرئيسي للإيرادات الضريبية، والمعروف عن هذه الضريبة أنّها ضريبة انكماشية، تؤثر بشكل مباشر على ذوي الدخل المحدود، فهي تسهم في تآكل الأجور وتضعف القدرة الشرائية للمواطنين.
فقد أظهر تقرير صادر عن شركة "الخبير المالية" أنّ موازنات الدول الخليجية اعتمدت على خفض الإنفاق العام، وفرض الضرائب وزيادة الرسوم لسد الفجوة بين الإيرادات والنفقات في موازنة 2016، حيث خفّضت المملكة العربية السعودية نفقاتها بحوالي 14% مقارنة مع موازنة عام 2015 الفعلية. كذلك أعلنت كل من قطر وعمان عن خفض إنفاقهما لهذه السنة.
وتوقع التقرير أن تواصل دول مجلس التعاون الخليجي خلال العام 2016م نهجها المتمثّل في تقليص برامج الإعانات والدعم. والغريب أنّ دول مجلس التعاون الخليجي تتجه نحو زيادة إيراداتها غير النفطيّة عن طريق خصخصة الشركات الحكوميّة. وبدلا من توسيع استثماراتها الحكومية لتوفير إيرادات للخزينة لتغطية النفقات العامة للدولة، تتخلى هذه الاستثمارات، بتشجيع من صندوق النقد والبنك الدوليين، وقد تضمنت خطة السعودية تقليص حصتها في بضع شركات حكومية خلال الخمس السنوات القادمة. كما أكدت سلطنة عُمان أنّها سوف تطرح أسهم ثلاث شركات للاكتتاب العام في سوق الأوراق المالية العُمانية هذا العام. كذلك أعلنت قطر أيضاً عن خطط لخصخصة بعض الشركات التي تملكها الدولة.