هل هناك نهضة جديدة ؟


شامل عبد العزيز
2016 / 4 / 3 - 03:03     

في عام 1833م , بعث إبراهيم باشا رسالة إلى السلطان محمود الثاني في تركيا قال فيها :
" إن محاولة النهضة لا تبدأ بتزويد الشعب بالملابس الضيقة والبنطلونات . وكان الأولى بالباب العالي أن يهتم بتنوير الأذهان أولا " .. الأستاذ محمد زكريا توفيق ..
إذن التنوير هو المطلوب ولا شئ غيره .. !!
التنوير عن كانط هو :
خروج الإنسان من القصور الذي يرجع إليه هو ذاته . القصور هو عدم قدرة المرء على استخدام فهمه دون قيادة الغير . يكون هذا القصور راجعا إلى الذات إذا كان سببه لا يكمن في غياب الفهم ، بل في غياب العزم والجرأة على استخدامه دون قيادة الغير , تجرأ على استخدام فهمك الخاص ! انتهى ..
لقد فشلت هذه الأمة – الإسلاميّة عمومًا والعربيّة خصوصًا بكافة أديانها ومذاهبها وطوائفها وقومياتها - أكثر من مرّة في أن تأخذ دورها الرياديّ مثل باقِ الأمم وأن تستمر في مشوارها .. مع العلم " وتلك الأيام نداولها بين الناس " ..
الفشل ليس في الأدب والرسم والموسيقى والنحت والشعر والرواية والفنون عامة وباقِ الموضوعات الثقافيّة خاصة ولكن الفشل في تغيير الوعيّ الجمعيّ لدى الجماهير وهذا هو المطلوب .. تغيير الوعيّ الجمعي كما حصل في العالم الأخر ..
الفشل الأول :
حسب التاريخ ,, كان في عصر الخليفة العباسيّ المأمون أبن هارون الرشيد الذي تبنى مذهب المعتزلة – أهل العقل – وحارب باقِ المذاهب و أنا اعتقد بان محاربته لباقِ المذاهب كان سبباً في فشل انتشار مذهب المعتزلة , لقد أرغم جميع من كان تحت سلطة الدولة التي يحكمها على اعتناق هذا المذهب ,, ليس هذا فقط بل أصدر أوامره بعدم تعيين أي رجل في أي منصب إن لم يكن معتزليّا – الإكراه دائمًا نتائجه فاشلة والتاريخ خير شاهد .
من هنا نعلم دور الحاكم وتأثيره في المجتمع وكيف يُدير كل شئ لصالحه ولصالح أتباعه ومن هنا نعلم أن الطغاة هم الكارثة بالرغم من أنني أؤيد مذهب المعتزلة كفكر كان من الممكن أن يُحدث تغييرا في نمط التفكير لدى جميع المسلمين .. ولكن ...
ما قام به المأمون في ذلك العصر من إكراه الناس على اعتناق مذهبه لا يختلف عن ما قام به الحكام الطغاة في عصرنا الحديث .
نفس النمط في تقريب الأتباع وتهميش وإقصاء المخالفين .
هكذا هي أحزابنا عندما تصل للسلطة وبهذه الطريقة يحكمون الطغاة حتى لو كان الأتباع من أراذل الناس وعلى هذا المنوال تسلط على الشعوب حكام حولوا شعوبهم لرعايا وقطيع يعيشون داخل سياج كبير اسمه الوطن فكيف هي إذن ثقافة القطيع ؟ .
لم يوجد حاكم طاغيّة إلاَّ بحاشية فاسدة !
لا يستمر الطغاة بحكمهم إلاَّ إذا استغلوا مشاعر الناس مع وجود زمرة تبرر لهم أفعالهم الدنيئة ! وثقافة فاشلة ونخبة تغرد خارج السرب وكتابات معطوبة ..
هذا هو الفرق بين الليبراليّة الحقيقية كما هي في الغرب وبين الدكتاتوريّة ,, هذا هو الفرق بين الحرّية والعبوديّة ,, هذا هو الفرق بين حرّية الاختيار والغصب .
نحنُ دائمًا نحاول إكراه الناس على أن يؤمنوا بما نؤمن به لذلك الفشل حليفنا في كل محاولة وهنا لا استثني أي فكر أو حزب أو عقيدة أو مذهب أو رأي ..
سؤال :
ماذا لو نجح مذهب المعتزلة مقابل مذهب الحنابلة الذي حاربهم المأمون ثم بعد موته حارب شقيقه أتباعه بعد أن تولى الخلافة وكان حنبليّا ..
في عصر المأمون دار الصراع بين العقل والنقل ولكنّ النقل بالأخير هو الذي ساد بعد أن اطلقوا عبارة – غلق باب الاجتهاد ! لا أدري لماذا أغلقوه ثم لماذا لا يفتحوه ؟
دائمًا ما يُراودني السؤال التاليّ نتيجة البؤس الإسلاميّ عمومًا والعربيّ خصوصًا :
كيف سيكون حالنا اليوم لو تغلَّب المعتزلة – أهل العقل – على الحنابلة – أهل النقل ؟
كان سيكون هناك بروتستانت إسلاميّ إصلاحيّ من " الزنادقة " بدلاً من أرثوذكسي .. كان من الممكن أن لا يكون هناك كاثوليكيّة دمويّة إسلاميّة .. هكذا أظن !
سُئل الإمام مالك عن المعتزلة أكفار هم ؟ قال : من الكفر فروا ..
إبراهيم بن سيار النّظّام كان معتزليًّا. الكندي وهو فيلسوف العرب الأوّل كان معتزليًّا. بينما أبن تيميّة ومحمد بن عبد الوهاب كانا من الحنابلة ؟
أحمد بن حنبل هو الذي قاد الصراع ضدّ المعتزلة ولم يقل بأن – القرآن مخلوق – بينما تبنى المعتزلة هذا الرأي ..
كلام الله مقابل كلمة الله !!! يبدو بأن التاريخ كان يسير عكس الاتجاه معنا !
لن تنجح أي فكرة أو رأي أو مذهب بالإكراه مهما كانت هذه الفكرة أو هذا الرأي أو هذا المذهب .. وحتى لو نجحت فسيكون النجاح لفترة معينة .. ثم ينتهي كل شئ .
حوادث التاريخ هي التي تقول بذلك وهي خير دليل .
المرة الثانيّة كانت مع ما يُسمى عصر النهضة العربيّة ، اليقظة العربيّة ، أو حركة التنوير العربيّة في عالمنا وتحديدًا مع الليبراليّ رفاعة رافع الطهطاوي بعد سنة 1800 ..
ما يعنيني هنا ليست حياة الطهطاوي ولا متى بدأ عصر النهضة ومع من مع العلم أنه انتهى بعد نهايّة الحرب العالميّة الأولى ولكن ما يعنيني هو :
لماذا فشلت كافة دعاوى الإصلاح ومن بدايات عصر النهضة العربيّة إلى هذا اليوم بالرغم من مرور أكثر من 200 سنة ؟
يقول الأستاذ محمد زكريا توفيق :
( دعوات الإصلاح تناقش موضوعات وتطرح أسئلة هامة مثل : هل دعاوى الإصلاح يجب أن تكون مقصورة على مبادئ الشريعة الإسلاميّة ؟ أم من الضروريّ الاستفادة من التجربة والثقافة الأوروبيّة ؟ وهل هناك تعارض بين تعاليم الدين الحنيف وبين حضارة الغرب ؟ ) . انتهى
هذا ما كان سائداً في ذلك العصر ..
أسماء الرواد من ذلك اليوم ولغايّة يومنا هذا لا حصر لها :
المسيحيون :
سليم العنجوي وأمين السعيل وجرجس ميخائيل فارس وسليم تقلا وشقيقه بشارة تقلا رزق الله حسون و عبد المسيح حداد إبراهيم اليازجي وناصيف اليازجي وبطرس البستاني و قسطاكي الحمصي و أديب إسحق و خليل السكاكيني .المطران ملاتيوس نعمة المطران جرمانوس فرحات والخوري بطرس التلاوي وفي العراق نشط الأب أنستاس ماري الكرملي ، وفي الأدب يذكر جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة ومي زيادة وأمين الريحاني و نسيب عريضة و ندرة حداد وشفيق المعلوف وإلياس فرحات و فرنسيس مراش و اخته مريانا وهناك المزيد في هذا العصر.
المسلمون :
رفاعة رافع الطهطاوي – خير الدين التونسي – جمال الدين الأفغاني – محمد عبد – رشيد رضا - فارس احمد الشدياق – الكواكبي – محمد عابد الجابري – أركون – العروي – خليل عبد الكريم ناهيكم عن شوقي وطه حسين والمئات المئات ..
الليبراليون :
رفع أغلب رجال النهضة شعارات الثورة الفرنسيّة ، بالحرّية والعدالة والمساواة ، كما تأثروا تأثيرًا بالغًا بفلاسفة عصر الأنوار الأوروبيّ . وعارضوا السلطة المركزيّة للدولة العثمانيّة ، بجميع الشخصيات التي توالت على السلطة . نادى بعض دعاة الإصلاح بالانفتاح على الحضارة الغربيّة والاستفادة من تفوق الغرب في العلم والاقتصاد ، وقد شكل دعاة هذا الاتجاه عدداً من الجمعيات الثقافيّة والعلميّة .
الشيوعيون عن محمد عبدة :
كتب لينين في المسودة الأوليّة للموضوعات "حول المسألة القوميّة والكولونياليّة " التي أعدها خلال أعمال التحضير للمؤتمر الثاني للأمميّة الشيوعيّة. ونشرت في يونيو 1920 ما يلي : "
وبشأن الأمم والبلدان الأكثر تأخراً ، حيث تسود العلاقات الاقطاعيّة أو البطريركيّة – الفلاحيّة ، يجب الأخذ بالحسبان أولا – ضرورة تأييد جميع الأحزاب الشيوعيّة لحركة التحرر البرجوازيّة ، ثانياً – ضرورة الكفاح ضدّ العناصر الاقطاعيّة – الإكليركيّة وغيرها من القوى الرجعيّة ذات النزعة القروسطيّة ، وذوي النفوذ والتأثير في البلدان التي تحاول توحيد الحركة التحرريّة المعاديّة للإمبرياليّة الأوربيّة والأمريكيّة بتعزيز مواقع الخانات والاقطاعيين والملالي ومن لف لفهم" ؟ انتهى ..
بعض الانتقادات لعصر النهضة :
اُنتقدت النهضة بوصفها محصورة بالطبقات العليا الأرستقراطيّة في المدن ، ولم تمسّ الأرياف وجماهير الشعب العريضة إلا بشكل هامشي ؛ كما اُنتقدت بوصف منتوجها " إشكالي" ، وأيضًا " لم تكن النهضة في وجودها المتعين ، إلا تمويهًا آيدلوجيًا برجوازيًا للتبعية" .المصدر , المعرفة ..
نعود للسؤال بعد كل هذه المحاولات ونكرر سؤالنا :
لماذا فشلنا في جميع محاولاتنا ؟
هل من سبب – أسباب – ما هي – كيف نعالجها – من سيحاول في خضم هذا الصراع الدوليّ الدمويّ فالشرق الأوسط قادم على ويلات لا مثيل لها وقد تكون هذه الويلات حسب رأي بعض المفكرين العرب الذين يعيشون في الغرب والمطلعين على الحضارة الغربيّة منذ عصر النهضة الأوربيّة إلى اليوم سبباً من اسباب انبعاث هذه الأمة من جديد – المفكر السوري هاشم صالح من أصحاب هذا الرأي ,, هذا رأي وقد يراه البعض عكس ذلك ..
ماذا كان ينقص هذه المحاولات وماذا كان يقف أمامها كسد منيع بحيث لم يكن هناك أي تغيير ؟
اليوم بهذا المستوى المتدنيّ والثقافة الهزيلة وانتشار الآفات الاجتماعيّة وحركات التطرف والحكم الفرديّ والاستبداد الدينيّ والسياسيّ ,, والصراع الدوليّ والاقليميّ والمحليّ ,, كيف سنخرج من هذا ؟
دائمًا سؤالي هو – كيف - ؟ الواقع يُجبرني على طرح هذا السؤال ومعه الكثير من الأسئلة – الواقع هو إنعكاس علينا دون شك .. ليس من المنطق أمام هذه التداعيات الرهيبة أن لا نسأل أو أنها لا تؤثر علينا ..
هل سيكون هناك نهضة جديدة – مرة ثالثة - ؟
ربمّا ,, متى ,, في العقود القادمة أم القرون القادمة ؟
من سيقود هذه النهضة – من سيتصدى للطغاة – من سيقارع الظلم – من سيعمل على مكافحة الآفات الاجتماعيّة – هناك أكثر من مائة سؤال وكالعادة بدون جواب ..
في تعليق للزميل يعقوب ابراهامي يقول :
" لن تقوم للعرب قائمة ما زالوا يرددون ، من أولهم إلى آخرهم ، من أكبرهم إلى أصغرهم ، من مثقفهم إلى جاهلهم ، إن فلسطين هي قضية العرب الأولى " ..
وأنا على نفس المنوال ,, ما زالوا يرددون نفس الكلام منذ وجودهم ولحد الان .. ما زالوا لا يفرقون بين الدين والسياسة – ما زالوا يرون بعين واحدة – عن قصد أو بدونه - ! ليت الأمر يقتصر على فلسطين فهناك مائة فلسطين في عالمنا .. مائة قضيّة – مائة إشكالية – مائة معضلة ولكن من لها ؟ لا احد دون شك .
إذا لم يكن المواطن هو القضية الرئيسيّة والأولى للعرب فلن يكون لهم أيّ قضية ,, لا فلسطين ولا غيرها .. التاريخ قال لنّا ذلك ! وهذه من مسؤوليّة الحاكم ونظام الحكم وليس من مسؤولية أحد مهما كان ..
يبدو بأن الدول العربيّة إلى زوال ولكن على مراحل ..
حالياً – العراق – سورِيّة – اليمن – ليبيا ,, وهناك صراع قادم في مرحلة لاحقة .
المسألة بالكلام والتنظير بسيطة جدًا " ما أسهل القول على من أراد " ولكن في الحقيقة وعلى أرض الواقع شبه مستحيلة في الوقت الراهن ..
نحنُ محكومون بين الاستبداد وبين التطرف أي بين ثنائيتين :
للتخلص من الثنائيّة الأولى " الاستبداد " الديمقراطيّة هي العلاج ..
للتخلص من الثنائيّة الثانيّة " الإسلام السياسيّ " العَلمانيّة هي الحلّ " ..
إذن واقعنا ومنذ البدايّة بين الاستبداد والحركات الأصوليّة ..
أما الديمقراطيّة والعَلمانيّة فهما مؤجلتان إلى زمن غير مُسمى !