الرئيس والمثقفون


فريدة النقاش
2016 / 3 / 31 - 00:06     

قضية للمناقشة : الرئيس والمثقفون

أثار لقاء الرئيس “عبدالفتاح السيسي” بعدد من المثقفين يوم الثلاثاء قبل الماضى جدلاً واسعًا فى الحياة الثقافية والسياسية، واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعى بالاتهامات الجزافية التى وزعوها على المثقفين والمثقفات ممن حضروا اللقاء باعتبارهم “عملاء للسلطة” أو مطبلين ومزمرين اعتادوا أن يفعلوا ذلك فى كل العهود ومع كل الرؤساء واتسمت بعض هذه التعليقات بالتشاؤم وصولاً إلى العدمية أحيانا التى ترى الصورة سوداء والمستقبل معتمًا، والمثقفين خونة.

ولن أتوقف طويلا أمام التوجه النقدى والقضايا الرئيسية التى جرى طرحها من قبل المثقفين والمثقفات على الرئيس وأولها مطالبتهم بالإفراج عن المسجونين السياسيين وبخاصة من شباب الثورة، وإغلاق ملف القضية 173 الخاصة بالتمويل الاجنبى للمنظمات غير الحكومية العاملة فى ميدان حقوق الإنسان، وإلغاء كل القوانين المقيدة للحريات وبخاصة إلغاء مادة إزدراء الأديان من قانون العقوبات، والموافقة على مشروعات القوانين التى صاغها خمسون صحفية وصحفيا وإعلاميون من غالبية التخصصات والتى ترجمت مواد الدستور الخاصة بالصحافة والإعلام والهيئات الوطنية الخاصة بهما، كذلك حظى موضوع الاقتصاد – الذى يفتقد إلى الرؤية – بمناقشة واسعة، إذ اعتبر الحاضرون أن البطالة هى أخطر القضايا التى تواجه البلاد.

ولن أستطرد لأن موضوعات المناقشة مع الرئيس جرى نشرها على نطاق واسع فى كل وسائل الإعلام والصحف ومواقع التواصل، ولكننى أود أن أتوقف أمام معنى ومغزى اللقاء.

كانت أحزاب المعارضة والقوى السياسية والاجتماعية التى مهدت الأرض لثورتى 25 يناير و30 يونيو قد دأبت على المطالبة بالمشاركة الشعبية فى وضع السياسات، وباعتماد القوى السياسية والحركات الاجتماعية أطرافًا فاعلة لا متفرجين، ولكن هذه المطالبات كلها ذهبت أدراج الرياح، وأخذت دائرة السلطة واحتكارها تصبح أكثر ضيقا وعزلة عن الجماهير وأكثر فسادًا، وأخذ الأمن طيلة هذه السنوات يمارس دوره فى حماية الفساد الذى استشرى وخرب البلاد، مع الاستبداد الذى خنقها.

ولكن الشعب المصرى تمرد على هذه الأوضاع بطرق شتي، ورفض دور المتفرج، وفى عام واحد وكان قد راكم وعيا ثوريا عميقا حول ضرورة التغيير شهدت البلاد 2700 إضراب واعتصام ومسيرة ومظاهرة وعريضة ووقفة احتجاجية، وردت كل هذه الاحتجاجات على الفكرة السطحية التى تداولها البعض حول غياب دور الأحزاب والنقابات والحركات الاجتماعية فى التمهيد للثورة، إذ قالت هذه الفكرة إن الثورة كانت ابتكارًا شبابيًا خالصًا فى صحراء سياسية جرداء، وفى مجتمع راكد.

وفى ظنى أن الرئيس “عبدالفتاح السيسى” الذى وعد فى لقائه مع المثقفين أن يكون هذا اللقاء بداية لسلسلة واسعة من الاجتماعات مع القوى السياسية والاجتماعية، إدراكًا منه لاستحالة إقصاء هذه القوى عن المشاركة فى وضع السياسات العامة فى البلاد قد التقط هذا المعنى من متابعته الدقيقة لوقائع موجات الثورة، والتفاف الملايين حوله حين انحاز للثورة كوزير للدفاع، وقائد عام للقوات المسلحة، وهو الموقف الذى جعل غالبية المصريين ممتنين للجيش وللقائد، ولكنه يدرك أيضًا أن هذا الرصيد من المحبة والامتنان أخذ يتآكل بسبب التجاوزات الأمنية والانتهاكات الفاضحة للحقوق ولكرامة الإنسان، والروح الانتقامية التى استشرت فى بعض دوائر الأمن بخاصة ضد شباب الثورة، وهى روح بدت كتعويض عما حدث للشرطة فى أيام الموجة الأولى من الثورة عام 2011 فضلا عن استمرار السياسات الاقتصادية والاجتماعية القديمة وزيادة الفقر والبطالة وقلصت هذه الممارسات من التعاطف الجماهيرى الواسع مع تضحيات الشرطة فى مواجهتها اليومية للإرهاب، ويدرك الرئيس هذا الواقع المأزوم جيدًا، كما أنه يعرف حالة عدم الرضا السائدة فى الأوساط الشعبية، كما فى أوساط النخبة، والأخيرة كان قد خاب أملها فى وعود الحوار المجتمعى التى أطلقتها الحكومات ولم تمارسها أبدًا، وآخرها كان بيان حكومة “شريف إسماعيل” الذى لم يجر حوله أى نقاش وإن كان رئيس الوزراء قد بذل جهدًا ووقتا لإقناع النواب بالموافقة عليه قبل أن يعرف أحد شيئًا عنه.

تستدعى الأزمة العامة فى البلاد المشاركة الشعبية على أوسع نطاق لأن الطبقات الشعبية تتحمل خسائر السياسات الحكومية، بينما يجنى الأغنياء المزيد من المكاسب، ولم تستوعب الدوائر التقليدية فى السلطة حقيقة أن الشعب قد تغير بعد موجات الثورة، وهو لن يقبل أبدا أن يجرى تهميشه أو حكمه بنفس الطريقة القديمة، ومما يبعث فينا الأمل أن الرئيس “السيسي” يدرك هذه الحقيقة جيدًا، ويعتبر أن دعوته للقاء المثقفين وتكليفهم بصياغة أفكارهم معا مع وضع تصور آليات لتنفيذها، يعتبر ذلك خطوة على طريق جديد اقترابًا من الأهداف الخمسة التى طرحتها موجات الثورة، وخاصمتها السياسات عيش – حرية – عدالة اجتماعية – كرامة إنسانية – لا للدولة الدينية.