ماذا نفعل ب-رأس المال- ما بعد الرأسمالية؟2


سعيد زارا
2016 / 3 / 28 - 06:29     


2-رأس المال عمارة شامخة لا تحتاج لإعادة البناء.


رأس المال كان إنجيل الطبقة العاملة عندما كان مستغلها المباشر هو الرأسمالية, و لا يزال كذالك و قد غدا عدوها الأخطر هم منتجو الخدمات بعد أن هيمنوا على الإنتاج في المعاقل الرأسمالية السابقة. يستمر رأس المال في الاحتفاظ براهنتيه, كدليل للطبقة العاملة واضحة علاماته تهدي العمال في نضالاتهم الضارية , و كينبوع لا ينضب ماؤه يروي أفكارهم المتعطشة إلى الجديد و يمدهم بالأدلة المقنعة في سجالاتهم و نقاشاتهم في أوساطهم و ضد أفكار المستغلين.
يهدف هذا البحث إلى نقد أفكار مطوري و مدعي إعادة بناء رأس المال كما يفعل "جاك بيدي Jacques bidet" في أبحاثه و الذي ارتأيت أن تكون تفسيراته للكتاب الأول رأس المال في قسميه الأول و الثاني موضوعا لمحاولة نقدية من خلالها أسعى إلى تبيان حقيقة أن عمارة رأس المال التي شيدها ماركس شامخة لا تحتاج لإعادة البناء.

سأحاول من الناحية الشكلية أن اتبع تصميم رأس المال فصلا فصلا و غالبا فقرة فقرة كما فعل جاك بيدي.

القسم الأول: البضاعة و النقد.
الفصل الأول: البضاعة
أ-عاملا البضاعة: القيمة الاستعمالية و القيمة (ماهية القيمة و مقدار القيمة).

أ-1 حول الثروة.

"تبرز ثروة المجتمعات, التي يسودها الأسلوب الرأسمالي للإنتاج, بوصفها تكديسا هائلا من البضائع, بينما تبرز كل بضاعة على حدة كشكل الوي لهذه الثروة.لذلك يبتدئ بحثنا بالبضاعة1."


"أول جملة, أول خطأ" ,يقول جاك بيدي بخصوص بداية رأس المال, لان الثروة يشرح جاك هي أول عيب قامت عليه عمارة رأس المال فهي تتكون في المجتمع الرأسمالي أيضا من :"الأشياء التي لا تنطبق عليها مواصفات البضائع. يتعلق الأمر مثلا بالخدمات العمومية للتعليم, للصحة, للخبر, للبحث, للثقافة, للنقل...الخ".

قبل أن نناقش صحة أو خطا قول جاك بيدي الذي ألقى على عاتقه تفسير و إعادة بناء رأس المال, تجدر الإشارة هنا إلى أن تصريحه و هو ينفي ماهية الثروة في المجتمع الرأسمالي (الإنتاج البضاعي) بتعميمها إلى الإنتاج الخدماتي و غيره, فانه بذلك يؤكد أن ماركس يرى في ثراء المجتمع الرأسمالي ينتجه حصرا منتجو البضائع و لا طبقة غيرهم و الذي يتمثل في المراكمة الهائلة للبضائع .

لا يجب أن نفهم من ذلك أن ماركس يرى أن الإنتاج في المجتمع الرأسمالي هو كله إنتاج بضاعي و أن نظرته هذه هي نظرة "أحادية الجانب" كما يصفها جاك بيدي, فتلك نظرة بليدة بورجوازية لكل الإنتاج . لان الإنتاج في المجتمع الرأسمالي يشمل أيضا الإنتاج الغير البضاعي كالخدمات إلى جانب جوهره الإنتاج البضاعي من حيث هو حامل لفائض القيمة.

في المجتمع الرأسمالي " الإنتاج البضاعي و الغير البضاعي متداخلان بشكل وثيق" يقول جاك بيدي, و هو محق في ذلك فالإنتاج البضاعي يستدعي بعض الخدمات و إن كانت عبئا عليه, و هما بذلك "يتشاركان معا في نفس فعل إعادة الإنتاج" يضيف جاك, وهو محق في ذلك أيضا. فقط إن كان الأمر فعلا يتعلق بعملية إعادة إنتاج ثروات المجتمع أي البضائع بالأسلوب الرأسمالي. لكن ليس الأمر كذلك الآن في مجتمعات الرأسماليات الكلاسيكية التي أصبح فيها إنتاج الخدمات يفوق الإنتاج البضاعي من ثلاثة إلى أربعة أضعاف و هو ما يعني أن تلك المجتمعات فقدت عملية فعل إعادة الإنتاج الرأسمالي لصالح فعل إعادة إنتاج الخدمات و هو ما يؤكده جاك بيدي عندما يقول ما مفاده أن الإنتاج الغير البضاعي هو الطابع الذي يميز مجتمعاتنا الحالية و هو تجاوز للرأسمالية حيث اغلب الخدمات إن لم نقل جلها لا تلبي حاجة إلا و هي تأكل من البضاعة . لكن جاك, و لو طار الفيل, لا يرى في مثل هذا التجاوز إلا تأكيدا للطابع الطبقي للمجتمع الرأسمالي.

يعتقد "جاك بيدي Jacques bidet" و آخرون أن مجرد وجود الإنتاج الرأسمالي في المجتمع يضفي على المجتمع طابع الرأسمالية و لو كانت نسبة هذا الإنتاج إلى الإنتاج الإجمالي قد تضاءلت إلى ربع الإنتاج الخدمي. المجتمع الذي يهيمن فيه الإنتاج الرأسمالي يختلف في طبيعته عن المجتمع الذي يسود فيه الإنتاج الخدمي و إن كان الأسلوبين مختلفين إلى حد التناقض التناحري. لا يمكن أن تكون
للمجتمع الذي يسوده الإنتاج البضاعي الرأسمالي و إن كان وجوده يفترض الإنتاج الخدماتي نفس التقاسيم و نفس التركيبة لمجتمع يسوده الإنتاج الخدماتي الذي لا يمكن أن يكون رأسماليا لأنه ليس بضاعيا وان كانت سيادته لا يمكن أن تكون من غير وجود الإنتاج البضاعي.

و يمكننا تشبيه ذلك بتركيبة الغازين أوكسيد الكربون و ثاني أوكسيد الكربون مثلا , فغاز ثاني أوكسيد الكربون يختلف عن أوكسيد الكربون و إن كانا يحتويان على نفس العناصر الكربون و الأوكسجين, فاتحاد الأوكسجين بذرتين اثنتين بذرة الكربون ينبثق عنه غاز يختلف تماما عن الغاز الذي يتحد فيه الأوكسجين بذرة واحدة مع ذرة الكربون الواحدة.

إن البداية التي استهل بها ماركس كتابه رأس المال أصبحت في المجتمعات الحالية التي تهيمن فيها الخدمات هي أول حجر عثرة زلت عندها أقدام دعاة الماركسية فسقطوا و سقطت معهم تفاسيرهم ومحاولاتهم البائسة لإعادة بناء رأس المال و الماركسية بشكل عام. بل إنها البداية التي تفرض على دعاة الماركسية أن يهربوا إلى التضليل بوعي آو بدون وعي و تزييف حقيقة مجتمع تسوده البورجوازية الوضيعة منتجة الخدمات التي لا تنتج ثروة و الانتصار لذوي اللياقات البيضاء على حساب البروليتاريا المنتجين الحقيقيين ذوي اللياقات الزرقاء المتسخة بقذارة الإنتاج.

الحقيقة هي ا ن أول جملة التي أوردها ماركس في رأس المال هي البداية العملية التي يفترض في أي كاشف على طبيعة المجتمع الرأسمالي أن يقوم بها للمشي قدما نحو المزيد من معرفة منعرجاته, وهي البداية التي تلزم أي ماركسي لكي يكشف عن الطابع الغير الرأسمالي للمجتمعات الرأسمالية سابقا.

ماركس, الطبيب الأحمر المرعب كما كان يدعوه خصومه الانجليز, كان يشرح الرأسمالية و هي حية و بذلك كان يعد و يهدي أمضى المعاول لحفاري قبور الرأسمالية, أما دعاة الماركسية الآن ما بعد الرأسمالية يقومون بتشريح الرأسمالية و هي ميتة و هم بذلك يجعلون من نضال البروليتاريا نضالا دونكيشوطيا لا طائل منه.


يتبع





الإحالات:

1-كارل ماركس, رأس المال المجلد الأول, ص: 53 دار التقدم.
http://jacques.bidet.pagesperso-orange.fr/indexd.htm