مواجهة بلطجة الداخلية … الأطباء يدشنون البداية


اليسار الثوري في مصر
2016 / 3 / 24 - 16:36     

بقلم/ شمس مختار

شهد يوم 19 مارس يوم التضامن الاجتماعي الذي أعلنته نقابة الأطباء في إطار مواجهتها لمظاهر فساد وقمع السلطة، والذي أعقب جمعيتها العمومية في اجتماعها الحاشد يوم 12 فبراير، والتي ستنعقد مرة أخرى يوم الجمعة 25 مارس، كان حادث الاعتداء على الأطباء في مستشفي المطرية هو الحدث الرئيسي الذي حفز كل هذه التحركات الذي اتخذتها النقابة وجموع الأطباء، ونحن إذ نحي الأطباء ونضالهم ننتهز الفرصة لنلقي الضوء على جوانب عدة من الموضوع.

إن حادث الاعتداء على طبيبي مستشفى المطرية من قبل أمناء شرطة، والذي استدعي هذا التحرك على المستوي النقابي وحملات التضامن السياسي من قوي سياسية ونقابية مع الأطباء، لم يكن حادثاً فريداً أو جديداً، إن هذه الواقعة هي حلقة في سلسلة ممارسات القمع والتنكيل والبلطجة تجاه المواطنين التي اعتادها رجال الشرطة المصرية، والتي تعكس، بالإضافة للدور القمعي المعتاد لجهاز الشرطة في أي مجتمع طبقي، قناعة راسخة لدى أجهزة النظام الأمنية أنهم أسياد الشعب وأصحاب السلطان، ذوي رفعة تسمو على عموم الجماهير وفئات الشعب المختلفة “الأدنى“، وهو ما تجسد عندما أمر أمين الشرطة الطبيب أحمد محمود أن يقوم بتزوير تقرير طبي حسب توجهاته، وما أن رفض الطبيب فما كان من الشرطي المنزعج من هذا العصيان، وكأنه عصيان العبيد للملوك، إلا أن يصرف وصفة الداخلية المعتادة في مواجهة التمرد وهي التنكيل والتعذيب وتلفيق القضايا.

تحالف النظام في مواجهة تضامن معارضيه
---------------------------------
في مواجهة تصعيد الأطباء والتضامن من النقابات المهنية وبعض القوي السياسية والمعارضة الشبابية، تحالفت أجهزة الدولة فيما بينها تعضد بعضها البعض ضد التصعيد والتضامن السياسي. فأولوية النظام هي الحفاظ على حراسه أوفياء على استعداد للقيام بدورهم في حمايته وقمع تمردات الجماهير. فكان طبيعيا ألا يُحرر أمناء قسم شرطة المطرية محضراً بالوقعة ضد زملائهم المجرمين إلا تحت ضغط وتصعيد الأطباء، وفي المقابل وُجهت اتهامات للأطباء بالتعدي على الأمناء مع تلويح النيابة باحتمال حبسهم، في الوقت الذي أفرجت عن الأمناء التسعة المعتدين على الطبيبين بضمان وظيفتهم، واستندت النيابة في ذلك لتحريات مباحث المطرية، بحسب ما أعلن في الصحف في تحدٍ واضح لأي معترض.

في الإطار ذاته أعلن احد قادة الشرطة أن الواقعة – التي اعتبرها مجرد اتهام للأمناء – قيد التحقيق وصرح بأن شروط الحبس الاحتياطي لا تتوفر في حق الأمناء، في الوقت الذي تقضي أعداد ضخمة من المواطنين المصريين سنوات من الحبس الاحتياطي دون محاكمات أو حتى قضايا، هذه الوقاحة الشرطية نابعة من تأكد الشرطة من حماية النظام لها، وهو ما أعلنته السلطة في أكثر من مناسبة، معطيةً الضوء الأخضر لقوات الشرطة للبطش بالمواطنين لحماية النظام من احتمالات التمرد، وهو ما لا يخلو من استعمال قبضة البطش لأجل مصالح ومنافع شخصية لأفراد الشرطة.

إن واقعة التعدي التي أظهرها عدد من الفيديوهات، توضح ارتكاب أفراد الشرطة لجرائم البلطجة والترهيب باستعمال القوة واستعراضها، معتمدين على وظيفتهم الرسمية، بالإضافة لوقوع هذا على موظف عام – وهو الطبيب – أثناء تأدية وظيفته، ومحاولة حمله جبراً علي تزوير أوراق رسمية مما يقع تحت اختصاصه،كل هذه الجرائم التي وقعت يعتبرها اللواء، أن شروط الحبس الاحتياطي لا تتوفر فيها. هذه الجرائم (الشرطية) استبعدها قانون الإرهاب الذي أقره السيسي العام الماضي من نطاقه الذي يعتبر هذه الأعمال، ولكن من غير السلطة، أعمالاً إرهابية تستوجب عقوبة السجن المشدد عشر سنوات على الأقل (بحسب المادتين 2 و 16 من القانون). هذه الوقائع وغيرها تؤكد من جديد على أن نصوص القانون ما هي إلا تعبير عن سلطة طبقية ولا تطبق إلا فيما يحمي عصابة السلطة والطبقة الحاكمة وحلفائها المنتفعين وتحصن مواقعهم ضد محاولات زعزعة عرش النظام.

تضامن كافة المضطهدين … ضد بلطجة الداخلية
--------------------------------------------
لكن إعلان التضامن الكامل ضد بلطجة الداخلية الموجهة ضد جماهير الشعب المصري – بما فيهم الأطباء – غير كافٍ، فيجب أيضاً كشف تلك البلطجة التي يمارسها أفراد الشرطة كمنهج لجهاز القمع الذي يقوم بدور كلب الحراسة للنظام ومصالح العصابة الحاكمة وليس كما يدعي رأس الجهاز بأنها حالات فردية، وليست ممارسات ممنهجة تمارسها قوات الشرطة. العنف والقمع هو منهج الشرطة في كل الأنظمة الطبقية، لكن هذا العنف يكون أكثر وضوحا في الأنظمة القمعية، ولهذا الغرض يتشكل أفراد هذا الجهاز على منهج التغطرس والاستعلاء الطبقي بدءً من إعلاء قيمة وظيفتهم وتضخيمهم كشرطيين وتحفيزهم لصون هيكل النظام الشرطي باعتباره فخر لهم يستدعي حمايته، كما يتم ربطهم بالنظام بالامتيازات المالية، ويتم عزلهم اجتماعياً عن الجماهير وحياتهم (مساكن ومستشفيات وأندية ضباط الشرطة)، وهو ما تتهيأ معه البيئة المناسبة لجعل هذا الجهاز هو مجرد حامي للنظام بصورة مباشرة وصريحة، ويتركز دوره مع الجماهير في قمع أي تحرك للمطالبة بحقوقها أو نزع مصالحها.

ومن هنا ونحن نتضامن مع الأطباء ضد بلطجة الداخلية، يجب أن نوضح إننا لا نكرس لمنح الأطباء أي امتياز أو أفضلية، إذ أن التضامن لا ينطلق من فكرة أنهم أطباء ذوي مكانة واعتبار خاص لا يليق بهما بلطجة الداخلية، إذ أن منطلقات كهذه قد تعني الرضى بقمع وبلطجة الداخلية إذا توجه للفئات الكادحة والمهمشين من الجماهير.

إننا إذ نتضامن ضد هذه الهجمة الغوغائية لبلطجة الداخلية على الأطباء لا نكرس امتياز للأطباء، بل نحذر أن النظام سيسعى لترسيخ انقسام مثل هذا في طريق النضال ضد الآلة القمعية، لذا فليظل الشعار دائماً هو “الداخلية بلطجية“، “الحماية لكل المصريين من قمع الداخلية” في مواجهة محاولات تحويل الأمر إلى حماية الأطباء فقط التي يدعو لها البعض ممن يحاولون استغلال المشهد لحرف القضية عن مسارها.

لا فرق عندنا كماركسيين بين أصحاب البالطو الأبيض وأصحاب الياقات الزرقاء وأبناء الريف، إذ أن نضالنا الأساسي هو لمحو كافة الفوارق الطبقية التي يصنعها النظام الرأسمالي في المجتمع، والتي تزرع الأزمات في المجتمع وتخلق الصراع الدائم نتيجة لتضارب المصالح الاقتصادية ونتيجة لاحتكار الطبقات الحاكمة الامتيازات.

يقول إنجلز “أنه في كل مجتمع حيث يكون الفن والعلم والسلطة امتيازات حصرية للأقلية، فإن تلك الأقلية ستعمل دوماً على استخدام واستغلال مواقعها لخدمة مصالحها“، هذا الاستخدام هو الذي يوجد التناقض بين طبقات المجتمع والصراع بينها. هذا الاحتكار الذي نحاربه باعتباره سبباً لانقسام ومن ثمة الصراع بين البشر، هو الذي يدعونا لدعوة الأطباء بعدم الانعزال عن بقية الجماهير المهمشة الأكثر تعرضاً لبطش النظام وقمع الداخلية.

نضال ضد النظام لا مجرد أشخاص
--------------------------
إن نضالنا ضد الداخلية ليس فقط هجوم ضد القائمين على هذا الجهاز بأشخاصهم وأساليبهم، وهو الأمر الضروري، إذ أن علينا أن لا نكتفي بالإطاحة بهؤلاء المجرمين وإحلال آخرين محلهم، مع الحفاظ على ذات النظام الذي يعمل لصالح أقلية تملك الامتيازات والسلطات. بل النضال من أجل استبدال المنظومة كلها وبناء منظومة بديلة تحمي الكافة.

إن هذا النظام الاستبدادي هو الذي أنتج هؤلاء الشرطيون المجرمون بحق الأطباء والذين تجمعهم مع باقي زملائهم عقيدة واحدة قائمة على قمع المجتمع وإرهاب المواطنين، وهو ما شهدت عليه تلك الحالات المتكررة، بداية من حالات البلطجة في كمائن الشرطة مروراً بحالات التعذيب في الأقسام وصولاً إلى التصفية الجسدية للمواطنين. فيوقوع الارهاب في نفوس الجميع.

تحركات قوية صفعت الدولة
---------------------
إن الزخم الذي أحدثه الأطباء بجمعيتهم العمومية ومطالبهم التي انتهوا إليها أزعج الدولة ودفع السلطة إلى التحرك لترويض ضغطهم والالتفاف عليه والمراوغة بالطريقة التقليدية للنظام، بالطريقة المعتادة؛ الوعود بإجراء التحقيقات وإظهار الحقيقة ومحاسبة المسئولين، وأن التحقيقات ستستمر إلى الوصول للحقيقة. ولكن أي حقيقة يسعى إليها النظام؟ إن حقيقة ما يسعى إليه النظام هو ترويض زخم الأطباء وتهدئتهم والخروج من الأزمة بالحفاظ على الأوضاع كما هي وضمان عدم تحول الأطباء ضد السلطة والنظام.

لذا من الضروري أن نؤكد للأطباء على سياسية النظام المخادعة ومراوغاته في مواجهة أي غضب شعبي، لا تنخدعوا بوعود السلطة ولا تصدقوا تصريحات المسئولين ومماطلاتهم سعياً لكسب الوقت دون حل الأزمة، مراهنين على إرهاق الأطباء وإضعاف قدرتهم على الاستمرار في المقاومة.

إن رهان الدولة هو على عدم قدرة الأطباء على مواصلة التصعيد، وهو نفس سلاحها الذي استخدمته ضد الثورة لإرهاق الجماهير في صراع مفتوح حتى تراجعت الجماهير، وهو ما يجب الانتباه له ومراعاته بأن يتمسك الأطباء بنقابتهم في معركتهم الطويلة ضد قمع الدولة والنظام.

إن النظام أطلق حملة إعلامية على الإنترنت وفي وسائل الإعلام المرئية ضد الأطباء، سعياً لاستعداء الجماهيري ضد الأطباء بتشويه صورتهم أخلاقياً ومهنياً إلا أن هذه الحملة فشلت وتعرضت لتهكم مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي.

ونتيجة للضغط المتصاعد من الأطباء تسربت أو صيغت أخبار عن تهديد أمناء الشرطة بالإضراب عن العمل إذا ما رضخت الدولة واستجابت للأطباء وحبست الأمناء المتهمين، فإذا صح الأمر يشكل ضغط على الدولة يدفعها لمأزق قد تحتاج فيه لأكثر من الطريقة التقليدية في المراوغة للتعامل مع مطالب تمس سلطتها وأدواتها في حفظ هذه السلطة.

ثم واجهت الدولة خطوة تطبيق العلاج المجاني التي أعلنتها الجمعية العمومية للأطباء للجماهير الفقيرة، بأن هددت من يطبق هذا العلاج المجاني من الأطباء بالحبس.

توسيع قاعدة التضامن هو السبيل للانتصار
--------------------------------
من سينتصر في هذه المعركة الطويلة؟ إن الأطباء يواجهون نظام هو خصم وحكم في نفس الوقت، نظامٌ متهم من خلال أحد أجهزته القمعية وحكم من خلال جهازه القضائي، وليس أمام الأطباء من سلاح سوى نضالهم وقوتهم التي أظهروها في جمعة الكرامة وتضامنهم مع الجماهير، فلينظروا لسلاحهم جيداً ويحددوا تكتيكات استخدامه والمخاطر التي ستواجههم في قلب هذه المعركة الطويلة ضد قمع الداخلية الذي يبطش بكافة المطالبين بحقوقهم سواء كانوا عمالاً أو طلاباً، ضد القمع الذي يرهب السكان في الأحياء عن طريق كل قسم، والذي يقف بالمرصاد لأي قوى تحاول أن تنظم الجماهير ضد النظام.

إننا ندعو الأطباء لعدم التراجع أو الاكتفاء بتقديم أمناء الشرطة المجرمين كمتهمين وطي القضية أو الانهزام والرضا بالتصالح. بل ندعوهم لاستكمال إطلاق ندائهم لكافة طوائف الجماهير الكادحة المسحوقة من قمع الدولة للتضامن معهم على ذات الأرضية، وتنفيذ قرارات الجمعية العمومية التي ربطت ما يقوم به الأطباء بمصالح فقراء الشعب المصري، وربطت بلطجة الداخلية بمنظومة الإفقار والاستغلال، ووضحت أن رغبة الأطباء ليست فقط في محاسبة الأمناء الذين اعتدوا على الأطباء ولكن في توفير منظومة صحية آمنة وفعالة تخدم كافة فئات الشعب، وهو أمر يجب التشديد عليه في الدعاية لحشد التضامن مع الأطباء ضد القمع وفي مواجهة بلطجة الداخلية، وطرح أن التأمين الفعال للمستشفيات والأطباء، بل تأمين كل المصريين، لن يكون إلا بوضع جهاز الأمن تحت رقابة شعبية تملك أدوات فعالة للمحاسبة، وهو ما لن يتم بيد السلطة الحالية التي تمثل الأقلية المستغلة بل بالضغط المستمر عليها لانتزاع حقوق الأغلبية.