رسائل مارس : الحب والوفاء التضحية البندقية (الجزء الثالث ).


رفيق عبد الكريم الخطابي
2016 / 3 / 19 - 03:00     

رسائل مارس : الحب والوفاءـ التضحية ـ البندقية . (الجزء الثالث )


" إن رأس المال هو لا شيء من دون العمال، ولكن العمال هم كل شيء بدون رأس المال".

بدون تمهيد :
هذه الحلقة من مقالنا: "رسائل مارس"، نخصص رسالة التضحية منها للرفيق من الحزب الشيوعي الإسباني ( المعاد تأسيسه)، إنريكي كوادرا إكسيانديا، نقدمها دون تمهيد ولا تعريف ولا تقديم ، فهي وحدها ( أي الرسالة) تشمل وتستوعب كل ذلك. هي درس آخر في صلابة البلاشفة، شيبهم وشبابهم، إناثهم وذكورهم، درس في التشبت بالمبادئ والمهام التاريخية ونكران للذات مقابل التوحد بالتنظيم الماركسي اللينيني، بالطبقة، بالمضطهدين وبالكادحين مهما كانت الأثمان ومهما كانت التضحيات، درس ورسالة التضحية كتبها الرفيق البروليتاري فكرا ووضعية: إنريكي كوادرا في سجنه الإسباني هناك ، وكما أرادها وصية له نريدها درسا آخر لنا، رغم المرض وحدة المعارك وآثار الاعتقال الطويل، فوصيته/ بيانه جاءت أكثر شبابا من بعض شبابنا الكهل، يكفي المقاطع التالية من رسالته إلى وزير داخلية إسبانيا، كي نعرف من أي طينة جبل هؤلاء المناضلون المبدئيون [ وبشكل دياليكتيكي من أي طينة ومن أي مستنقع تخرج مرتدونا وانتهازيونا] : ".. كنا نعرف أن هذه المعركة كانت غير متكافأة وخارج كل المقاييس، ولكن لا يمكننا تجنبها أو ألا نخوضها إلا إذا أردنا ألا نكون أنفسنا أن نناقض ما نعلن .. نحن لا يمكن أن نخون طبقتنا وإن فعلنا فسيقوم شعبنا بتحويلنا إلى مجرد محتالين سياسيين...هكذا، أيها السيد الوزير، إننا لا نزال مستمرين، ننزف، مع الكثير من جراح الحرب.. ما يقرب من نصف قرن من المعارك الطويلة التي حرمتنا من بعض أفضل مناضلينا /مقاتلينا ، ولكننا أيضا رمينا الخبث الخارج من بوتقة الفرن حيث يصهر الفولاذ المناضل الذي ينصهر ويشتد فيه الصراع الطبقي، لقد عانينا و نحن مستمرون في المعاناة وتقديم التضحيات والتكاليف التي لا يمكن تصورها، لكننا لم نتوقف مطلقا عن النسج : اليد الناعمة والصلبة الخط السياسي، البرنامج وأهداف السيرورة الثورية في المدى القصير، المتوسط والطويل... أنتم تطلبون منا احتضان ومعانقة العار والتخلي عن مبادئنا وقيمنا الطبقية، قيم الجماعية والتضامن، الخالية من المصالح الشخصية أو الذاتية. ذلك هو سبيلكم الوحيد الذي يمكن عبره ان توافقوا على فتح أو مواربة باب نظامكم العفن والآسن الفائح بكل الروائح الكريهة ، باب نظامكم البرلماني البرجوازي حيث لا شيء يقرر من قبل الشعب ولا من أجل الشعب..".


إن السجن بالنسبة للثوري المبدئي ، بالنسبة للماركسيين اللينينيين، إما أن يكون فضاء آخر من فضاءات خوض الصراع ضمن شروط أخرى وقلعة من قلاع المقاومة والتحدي، وإما أن يكون فضاءا تغريبيا ومجالا للمساومة والاستسلام بالنسبة للانتهازي المنبطح.


رسالة التضحية:


رسالة نموذجية من معتقل ثوري اسباني غير نادم
بهذا العنوان ، تمت إعادة نشر هذه الرسالة في24 فبراير 2015 بعد إطلاق سراحه في يوليوز عام 2014 بعد 19 عاما من السجن .
نص ترجمتنا حرفيا للرسالة/ الوصية:
عبر التماسك و الكرامة، رسالة مفتوحة من إينريكي كواردا إيكستانديا Enrike Kuadra Etxeandia ، المعتقل السياسي للحزب الشيوعي الإسباني المعاد تأسيسه، إلى خورخي فرنانديز دياز، وزير الداخلية الإسباني.
بمناسبة الإعلان عن خطة شاملة لتسهيل إعادة إدماج "الإرهابيين".
السيد الوزير :
ذكرتم مؤخرا بأن "معتقلي منظمة إيتا ومنطمة ال GRAPO ومنظمات سياسية أخرى يمكنهم الاستفادة من إعادة التأهيل أو الإدماج المشروط بالتبرؤ صراحة من مجموعاتهم "الإرهابية "، ثم تحدثتم بشكل مفصل عن المسار الضروري للمناضل كي يستحق هذا الإدماج، ليكون جديرا بكرم حكومتكم السمحاء وغيرها من "الزعانف السياسية". وأمام هذا الإعلان وكمستفيد محتمل من هذا الإجراء، لا بد لي من أن أجيبكم عبر هذه الرسالة المفتوحة.
أنا أكتبها أيضا على شكل وصية سياسية ما دمتم السيد الوزير قد أدنتموني بحكم الإعدام بهدوء تام وبلا ضجيج ، وأنت تذكر ذلك بكل تأكيد. من جهتي، لقد استوعبت هذه الحقيقة.
سأبلغ 62 عاما، لقد خضعت لعملية متعلقة بمرض السرطان وصحتي متردية. هذا هو العام السادس عشر وأنا معتقل في إسبانيا و لا تزال أمامي 14 سنة أخرى أقضيها في السجن بغض النظر عن الزيادات المتصلة بتنفيذ عقيدة/قانون باروت، والذي بموجبه سيتوجب على الارجح إضافة تعديل في الحكم المؤبد.
أنت ترى، السيد الوزير، أنني لن أستطيع [ أي استكمال المدة حيا]. سأحاول أن أقاوم قدر الإمكان، رافعا راية المبدئية والانسجام والكرامة، المثل الذي ستقتفيه الأجيال المقبلة من الثوريين الذين يطلبون أن نرسم ونوضح لهم الطريق. هذه هي جدلية/ دياليكتيك الحياة.
وأنا أكتب لكم هذه الأسطر القليلة، لن أتمكن من أن أتجنب إلقاء نظرة إلى الخلف حول عملية التسوية الاجتماعية والسياسية التي ميزت وجودي :
قبل 43 عاما، عندما انخرطت في النضال النقابي في الأفران العليا لفيسكاي Viscaye ، لم أتخيل أبدا أن حياتي سوف تعرف كل هذا التحول. إنه في عام 1973 عندما ربطت فيه الاتصال مع منظمة الماركسيين اللينينيين باسبانيا التي كانت تعمل من أجل إعادة بناء الحزب الشيوعي، حزب مناقض أو مختلف عن الحزب الشيوعي الاصلاحي لسانتياغو كاريو. مؤتمر يونيو 1975 أعطى الولادة أو نشأة الحزب الشيوعي الاسباني (المعاد تأسيسه) الذي انخرطت فيه كمناضل.
في 3 مارس 1976، عندما كنت أتحدث إلى رفاقي في الأفران العليا في فيزكايا إبان اجتماع خارج مصنع Ansio ، علمنا ان الشرطة قتلت 4 عمال في فيتوريا. هذه هي القشة التي أفاضت كأس القمع الذي يتعرض له العمال والشعب بشكل عام وكانوا من ضحاياه. حزبنا دعا إلى إضراب عام، ويدعو إلى "البحث عن السلاح، وتعلم كيفية استخدامه". بعد بضعة أشهر، ظهرت علنا مجموعات المقاومة ضد الفاشية الأول من اكتوبر المعروفة ب (GRAPO) . هذه الوقائع لها أهمية تاريخية في مستقبل السيرورة الثورية في أسبانيا.
من جهة ، مؤتمر إعادة تشكيل الحزب أكد ووافق على الأطروحة التي بحسبها "الاحتكار المالي يميل إلى الرجعية سياسيا، إلى إلغاء الحريات وليس إلى الديقراطية". لذلك مع هذه الأطروحة، الحزب تبنى: "أمام ضغط جماهير العمال والجماهير الشعبية، الأوليغارشية بدأت التغيير عبر نفس أساليبها القديمة للهيمنة". لقد قاموا فقط بتنظيف واجهة مبنى دولة النظام القديم من خلال إصلاحهم السياسي "تغيير بعض الأشياء كي يظل كل شيء على حاله" وهو ما جعل من المستحيل حصول أي تغيير جوهري في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تخنق الأسر العاملة وتقمع شعوب اسبانيا. حتى الآن، الوقائع الموضوعية تؤكد أننا على حق. وهذا الخداع السياسي الذي افترض التحول نحو "الديمقراطية" كان واضحا على لافتات الاحتجاجات الشعبية الأخيرة : "هذه ليست ديمقراطية، بل هي الدكتاتورية".
وعلاوة على ذلك، كنا ندرك وواعون بأننا نقف على رأس حركة المقاومة الشعبية، بتقديمنا الدعم المعنوي والسياسي للحركة المسلحة / حرب العصابات، وبأننا سنكون محط الغضب القمعي للدولة. نتائج ذلك لم تتركنا ننتظر طويلا.
كلاب الصيد/ الشرطة السرية لوزارتكم تلقت أوامر محددة وتسلحت وفقا لذلك بما سيكون سنوات الرصاص، ليال طويلة وأيام تم قضاؤها في مراكز الشرطة والثكنات لل "ديمقراطية" التي بالكاد تتسكع ، وخلالها، أكثر من واحد منا بقي هناك (المقصود الثكنات ومراكز الشرطة)، إنه إسبانيا فيفاس Españ-;-a Vivas متعاطف مع الحزب الشيوعي الإسباني (المعاد) الذي قتلموه رميا بالرصاص . في 20 أبريل 1979، قتلتم دلغادو دو كوديكس، الأمين العام، أثناء إلقاء القبض على اللجنة المركزية أثناء الخروج من المؤتمر الثاني للحزب. شهرين بعد ذلك، سقط فرانسيسكو خافيير مارتن إيزاكوير Eizaguirre، رئيس الحزب، سقط بدوره. لقد كانوا الأوائل ضمن قائمة طويلة.
وفي الوقت نفسه، في سنة 1977، المحكمة العليا، كهف الفرانكوية والظلم ، رفضت تطبيق العفو السياسي عن العديد من مناضلي ال GRAPO والحزب الشيوعي الإسباني (المعاد). هذا كان مقدمة وتمهيد لحواجز اخرى اصطنعت من قبل تلك المحكمة ضد المعتقلين السياسيين.
الحملة القمعية التي شنت ضد الحزب قادت العديد من المناضلين والمتعاطفين إلى السجن حيث لن نكون في مأمن عن العربدة القمعية. لقد تم نقلنا عبر مجموعات صغيرة إلى سجن الإبادة هيريرا دو لا مانشا وتعرضنا لنظام عقابي مشدد. وكملاذ أخير، قررنا القيام بإضراب عن الطعام تنديدا ومقاومة بهذه الوضعية. في 19 يونيو 1981 كريسبو كالاندي Galende "كيبا"، مناضل بالحزب، استشهد بعد 90 يوما من الإضراب عن الطعام. لقد كان الإضراب الأول، سيكون هناك إضرابات أخرى وشهداء آخرين وإصابات أخرى.
تكملة لهذه الحملة من المضايقات والمحو / الإبادة ضد حركتنا، قمتم بدعوة كتبتكم المأجورين الخوارق، المعينين في الأقفاص الزجاجية لوزارتكم، لإعطاء تعليمات لعزلنا من خلال الصمت والتلاعب. و لا تزالون تواصلون بعناد هذا التوجه.
الهدف من استراتيجية الترهيب هاته ليس سوى القضاء على الحزب. لم يكن من المقبول ولا المسموح به تحت أي ظرف من الظروف ولا أي مبرر من المبررات بأن تتعرف علينا الطبقة العاملة وتحددنا كتنظيم طليعي لها، كحزبها السياسي. كان ذلك الوقت حيث استثمرت أو وظفت وزارتكم من طرف إمكانات كتائب مارتن فيلا، روزون Rosó-;-n ..هذا الأخير سبق له أن أعلن بأنه "من دون القضاء على الحزب الشيوعي الإسباني (المعاد)، لا يمكن تصور القضاء على ال GRAPO".
كنا نعرف أن هذه المعركة كانت غير متكافأة وخارج كل المقاييس، ولكن لا يمكن أن نتجنبها أو ألا نخوضها إلا إذا أردنا ألا نكون أنفسنا أن نناقض ما نعلن وما نطالب به أو ما ندعيه. نحن لا يمكن أن نخون طبقتنا وإن فعلنا فسيقوم شعبنا بتحويلنا إلى مجرد محتالين سياسيين.
هكذا، السيد الوزير، إننا لا نزال مستمرين، ننزف، مع الكثير من جراح الحرب مثل كلب شائخ هجين " مرتزقة" كما تنشر أقلامكم المأجورة الخارقة بالاستناد على ضعفنا العضوي. ما يقرب من نصف قرن من المعارك الطويلة التي حرمتنا من بعض أفضل مناضلينا /مقاتلينا ، ولكننا أيضا رمينا الخبث الخارج من بوتقة الفرن حيث يصهر الفولاذ المناضل الذي ينصهر ويشتد فيه الصراع الطبقي، لقد عانينا و نحن مستمرون في المعاناة وتقديم التضحيات والتكاليف التي لا يمكن تصورها، لكننا لم نتوقف مطلقا عن النسج ( من النسيج) : اليد الناعمة والصلبة الخط السياسي، البرنامج وأهداف السيرورة الثورية في المدى القصير، المتوسط والطويل.
أنت تطلب منا، السيد الوزير، مع الثرثرة التي تتميزون بها ، أن نقوم بتصفية ماضينا، حاضرنا ومستقبلنا. أنت تقول لنا إن الاستغلال الرأسمالي لم يعد موجودا، وبأنه النظام الوحيد الممكن وبالتالي نهاية التاريخ. ونحن نقول، السيد الوزير، مع معرفتنا المتواضعة للاقتصاد السياسي والمادية التاريخية، بأن النظام الرأسمالي قد عفا عليه الزمن وبأنه يقود الإنسانية إلى البربرية وإلى العبودية المأجورة. النظام الرأسمالي لا يمكنه البقاء على قيد الحياة دون استخراج فائض القيمة من قوة العمل والتملك الخاص لوسائل الإنتاج. ذلك يجعلنا نفهم جيدا : بأن رأس المال هو لا شيء من دون العمال، ولكن العمال هم كل شيء بدون رأس المال.
السيد الوزير، العاملون لديك يقولون لنا أن الحقوق الاجتماعية وحق العمل أصبحت متجاوزة وعفا عنها الزمن، وبأن التقدم والحداثة هي القدرة على المنافسة وقانون الربح ، يقولون لنا أن الرعاية الصحية والتعليم المجاني هي يوتوبيا للشيوعية، وبأن الحق في العمل وأجر وسكن لائق يضعف المرونة وحرية استغلال سوق العمل أو سوق الإسكان وأن ذلك ليس واقعيا.
يقولون لنا أن الشعوب المضطهدة ليس لها الحق في تقرير المصير، يعني حقها في تقرير مصيرها ومستقبلها . و بأن هذا المفهوم الذي اخترعه أحدهم المسمى لينين كان لخداع الشعوب المضطهدة من طرف الإمبراطورية القيصرية وليس كتعبير سياسي عن حق ديمقراطي.
يقولون لنا أيضا بأن السلام هو الانعكاس الأرضي لما هو ألوهي، يوزع على البشرية عبر الأساطيل البحرية والطائرات والجيوش الإمبريالية.
ولكي أختم، السيد الوزير، أنتم تطلبون منا احتضان ومعانقة العار والتخلي عن مبادئنا وقيمنا الطبقية، قيم الجماعية والتضامن، الخالية من المصالح الشخصية أو الذاتية. ذلك هو سبيلكم الوحيد الذي يمكن عبره ان توافقوا على فتح أو مواربة باب نظامكم العفن والآسن الفائح بكل الروائح الكريهة ، باب نظامكم البرلماني البرجوازي حيث لا شيء يقرر من قبل الشعب ولا من أجل الشعب.
ولكي تساعدونا على التفكير وفي تأملاتنا، أنت وحكومتك تواصلون ضربنا بعنف لأغراض تعليمية طبعا لأن "الرسالة تستوعب أفضل عبر الدماء". ها نحن ، متناثرون، معزولون عن أصحابنا عن الرفاق عن الأسر وعن الأصدقاء، خاضعون لإجراءات الإذلال التي تمنعنا من التواصل معهم وتدبير حياة كريمة في السجن. نعم، أنا أعلم، السيد الوزير، أنا أعلم أنه القانون، قانونك/ قانونكم وقانون زملائكم وإخوتكم في الدين بالطبع، الشيء نفسه يخضع له المجتمع كله وأن نظام الحزبين الذي يحكمنا يتبدل بحسب الرغبة (المزاج).
أنا آسف يا سيد الوزير، شكرا على جهدكم الإنقاذي / التعويضي، ولكن لا أستطيع أن أنفي أو أتنكر لوجودي، بقبول اقتراحكم . انسجاما مع الذات وتماسك المنطق/القناعة والكرامة السياسية، نحن لا يمكننا رمي إحدى راياتنا في الماء، فهي [أي راياتنا] ضرورية لمبادئنا، فهي المفتاح لطبقتنا وشعبنا، الذين سيفتحان باب المستقبل.

إنريكي كوادرا إكسيانديا Enrike Kuadra Etxeandia
معتقل الحزب الشيوعي الإسباني ( المعاد تأسيسه)
الترجمة عن الإسبانية إلى الفرنسية صوفيا ديل
سجن داروكا

رفيق عبد الكريم الخطابي ، البيضاء في 8 مارس 2016