الدفاع عن ديكتاتورية البروليتاريا دفاع عن الماركسية


نجاة طلحة
2016 / 3 / 18 - 00:42     

الدفاع عن ديكتاتورية البروليتاريا دفاع عن الماركسية
قدمت الماركسية للبشرية مشروعا عظيماً ينهي إستغلال الانسان للإنسان ويخط الطريق للتحررعن العبودية المأجورة، وسطوة وجبروت رأس المال. مشروعاً إنحاز للطبقة العاملة وأكد على دورها في قيادة الصراع الطبقي نحو آفاق تحرير الإنسانية. كان لابد لهذا المشروع العظيم من أن يواجه حرباً طبقية ورجعية، في كل مضامينها. لكن التاريخ يؤكد عبر كل ما يطرأ على المجتمع البشري راهنية الماركسية وصواب قراءتها المادية للتاريخ وتحليلها للمجتمع الإنساني. فلم يكن للبرجوازية إلا أن تستعمل كل أدواتها المباشرة وغير المباشرة للهجوم عليها.
واجهت الماركسية عبر تاريخها الهجمات من ثلاث جبهات: من البرجوازية الصغيرة الإنتهازية و التي إدعت الماركسية، ثم إنقلبت عليها بالطعن في راهنيتها، وأن الماركسية قد تجاوزها الواقع. وفئة أخرى إنبرت لما إدعت أنه تصحيح للماركسية وتحديثها فكان الإلتفاف الإصلاحي على المشروع الثوري، إذ لم يكن لها إلا أن تعتمد التحريف منهجاً لهذا التصحيح. ثم هنالك الأعداء الطبقيون من منظري البرجوازية وهؤلاء أسهلهم لان التاريخ أثبت ما ذهبت اليه الماركسية من أن الرأسمالية هي طور إنتقالي ظهرت بوادر إنهياره بادية للعيان. وقدم فشل النظام الرأسمالي في تجاوز تناقضاته الدليل علي ذلك.
تعتبر نظريتي الصراع الطبقي والقيمة الزائدة المحورين الأساسيين للماركسية، فمذهب ماركس الإقتصادي يوضح العلاقة الجدلية بين الصراع الطبقي وعلاقات الإنتاج. فخلصت الماركسية لحقيقة أن الترس المحرك للتحول في المجتمع البشري والتطور من مرحلة الى أخرى، أي من شكل علاقات إنتاج الى أخرى هو الصراع الطبقي، وقد إستندت الماركسية على أمثلة حية من التاريخ داعمة لهذا التحليل كالثورة الفرنسية وما تبعها من ثورات في التاريخ الحديث. فقد أثبتت التجربة أن الدافع الرئيسي لتلك الثورات البرجوازية كان هو صراع الطبقات. حيثما وجدت الملكية الخاصة (الطور التاريخي الذي تأذت البشرية منه على مر العهود) والتي قسمت المجتمع الى مستغلين ومستغلين، إنقسم المجتمع الى طبقات ذات مصالح متناقضة نتيجة لإختلاف اوضاعها. فانتج هذا التناقض والتضاد في المصالح الصراع الطبقي المفضي للتغيير. وفي التاريخ الحديث قُهِرت البرجوازية بواسطة نظام الإقطاع الإستبدادي، فثارت مستفيده من تطور الصناعة وإنتزعت السلطة السياسية عبر النظام التمثيلي في الدولة الحديثة. فتحولت هذه الطبقة من مستغَلة الى مستغِلة مارست قهر البروليتاريا. وهكذا كانت سيرورة الصراع الطبقي عبر التاريخ، تختلف أشكال القهر ووسائل النضال لكن الصراع يبقى طبقياُ في جوهره. وقد توجت سيطرة البرجوازية سيرة القهر والإضهاد بنظام العمل المأجور الذي قنن لعبودية الطبقة العاملة وإستغلال قوة عملها.
كل ما تقدم هو من أبجديات ديالكتك التاريخ وهو الحد الأدني الذي يحدد أن تكون ماركسيا أولا تكون. هذه المساهمة مبنية على هذه الأبجديات وكذلك على ما يستدعيه سير المناقشة من مفاهيم المادية التاريخية، وبشكل مباشر جداً.
كل مراحل تطور المجتمع هي أطوار إنتقالية الى حين قيام المجتمع الشيوعي حيث يتحول رأس المال الى ملكية مشتركة تخص جميع أعضاء المجتمع، فتُمحى الطبقات وينتهي الصراع الطبقي. يظل المجتمع في نمط تحوله، تصارع الطبقة المستغلة الطبقة المسيطرة وحينما يتراكم النضال ويصل الى مرحلة الإنفجار، مرحلة التغيير الكيفي، تتحول الطبقة المقهورة الي طبقة مسيطرة ترسي دعائم دولتها. لذلك فالسلطة السياسية هي إنعكاس للبنية التحتية، والدولة هي جهاز للحكم الطبقي.
الإختلاف الأساسي جداً في حالة الدولة العمالية هو أنه في كل أطوار المجتمع البشري قبل الثورة الإشتراكية تكون السلطة في يد الأقلية وتكون الأغلبية هي المقهورة. لكن وبعد إنتصار الطبقة العاملة على الرأسمال، تكون السلطة بيد الأغلبية الساحقة وتكون الثروة ملك للجميع. تنعكس معادلة الصراع فيكون بين الأغلبية البروليتارية السائدة والأقلية البرجوازية المدحورة، هذا هو جوهرالإختلاف الذي جعل التغيير في الأطوار السابقة راديكالياً يلغي النظام السابق وتحل محله سلطة الطبقة المنتصرة. أي يُلغى النظام ويزول. أما دولة البروليتاريا فتضمحل وصولاً لمرحلة الشيوعية.
عندما ترسي البروليتاريا دعائم دولتها وتوطد النظام الإشتراكي ينتهي الصراع الطبقي بزوال ظروفه. عندئذ تمحى الطبقات بما فيها طبقة البروليتاريا وينتقل المجتمع لمرحلة الشيوعية. في هذه الأثناء تضمحل الدولة وتنتهي. هذا التحليل لم يخرج عن ديالكتك التاريخ قيد أنملة. ومن البديهي أن من يختلف مع ديالكتك التاريخ يخرج عن الماركسية. والذين يختلفون مع هذه الأبجديات ومع ذلك يصرون على أنهم ماركسيون تنطبق عليهم مقولة لينين أن هؤلاء يجب أن يُسموا أنفسهم باحثين في الماركسية فهم ليسوا بأي حال ماركسيون.
عنصران يستمر وجودهما بعد الثورة الإشتراكية هما الطبقات والدولة. وجود هذين العنصرين يجعل ديكتاتورية البروليتاريا مرحلة حتمية لا مناص منها:
أ‌) لا تختفي الطبقات، كما لا تنتهي الدولة بقيام الثورة الاشتراكية فبعد الثورة تُلغى دولة البرجوازية وتحل محلها دولة العمال، سلطة الأغلبية، فتتملك الدولة وسائل الإنتاج باسم المجتمع كله. وكما وضح لينين إن إضمحلال الدولة يعني إضمحلال دولة البروليتاريا والانتقال الى مرحلة الشيوعية إذ أن الإضمحلال لا يمكن أن يوصف به التحول للإشتراكية لان ذلك يتناقض مع مبدأ الانتقال الثوري.
ب‌) الدولة هي بحسب المادية التاريخية هيئة للسيادة الطبقية وقوة خاصة للقمع الطبقي وبقيام الثورة الإشتراكية تنتقل من قوة قمع للبروليتاريا الي قوة قمع بيدها. بمعنى أدق "أن النضال الطبقي يفضي بالضرورة إلى ديكتاتورية البروليتاريا" وهذا لا يمكن تجنبه إلا بإستبدال المشروع الثوري كله بمشروع لاسلطوي يرفض وجود الدولة، أو بالتحول للإصلاحية. من المهم توضيحه هنا أن تحول الدولة الى سلطة سياسية للعمال لا يعني الدولة البرجوازية التي بديهياً تحطمها الثورة وتلغي أجهزتها بل دولة العمال التي هي أصلاً بروليتاريا منظمة بوصفها طبقة سائدة .
إذن فإن الدولة تكون موجودة بكل مكوناتها التي تمكنها من فرض سيطرتها بعد إنتصار الثورة الإشتراكية حيث تكون هنالك ضرورة قصوى لإستحكام هذه القوة. "تتقوى السلطة العامة بمقدار ما تتفاقم التناقضات الطبقية في داخل الدولة"(إنجلز، أصل العائلة). وأي تفاقم أقوى من درجة الصراع بين البرجوازية التي تستميت للإبقاء على هيمنتها والبروليتاريا التي ليس لها إلا أن تستخدم سلطتها السياسية (الدولة) لتنتزع رأس المال كله وتجعله تحت تصرفها كطبقة سائدة منظمة في دولة البروليتاريا. الثورة المضادة هي من أبرز وأوضح الأشكال الظاهرية للصراع الطبقي الذي يتبع قيام الثورة الإشتراكية، تستخدم فيه البروليتاريا سلطة الدولة للتصدي لها.
كذلك فإن ديكتاتورية البروليتاريا ضرورة تؤكدها حقيقة أن البرولتاريا مسلحة بالوعي والإتحاد والتنظيم هي طليعة المستغلين وقائدتم لبناء المجتمع الإشتراكي لكن لا يمكنها تحمل هذا العبئ من المسئولية دون فرض سيطرتها وإتخاذ التدابير التي تمكنها من إستئصال دولة البرجوازية ثم تتفرغ لتنفيذ برنامجها الثوري.
ومن هذا السياق فإن دياليكتك التاريخ يؤكد أن ديكتاتورية البروليتاريا كما الثورة لا تنشأ بقرار سياسي بل هي كما كل مراحل تطور المجتمع بناء فوقي ينشأ إنعكاساً لظروف موضوعية.
ت‌) لذلك كان اليقين الماركسي بأن ديكتاتورية البروليتاريا هي الدولة الضرورية للبروليتاريا ولا يمكن لمرحلة ما بعد الثورة الإشتراكية الا أن تكون مرحلة ديكتاتورية البروليتاريا ومن ما تقدم من تدرج جدلي فإن قيامها هو طور ضروري، طبيعي وتلقائي تفرضة التغييرات في البنية التحتية. فديكتاتورية البروليتاريا هي إذن مرحلة من مراحل الصراع الطبقي الذي لا يزول إلا بإرساء قواعد الإشتراكية ثم قيام المجتمع الشيوعي إذ يزول نزاع المصالح بنهاية الملكية الخاصة وزوال الطبقات.
أهم عامل لتفهم ديكتاتورية البروليتاريا هو التخلي والقطيعة الكلية مع المفاهيم اليرجوازية الليبرالية الإصلاحية. لكن حتى إذا إستخدما مقاييس الدولة الحديثة والتي ارست دعائمها البرجوازية وشكلتها لِتُحكِم توظيفها لخدمة مصالحها "ولكن لا تجادلونا وأنتم تقيسون إلغاء الملكية البرجوازية بمفاهيمكم البرجوازية عن الحرية والثـقافة والحق إلخ.. فإنّ أفكاركم نفسها هي نِتاج علاقات الإنتاج البرجوازية والملكية البرجوازية، شأن حقكم، الذي ليس هو سوى إرادة طبقتكم، التي سُـنّـت قانونا، إرادة حدَّدت الشروط المادية لحياة طبقتكم، مضمونها."(المانيفستو الشيوعي) إذا سرنا في نفس المنوال وهو التأمين على ضرورة الديمقراطية كقاعدة سياسية للدولة الحديثة، فهي تعني حكم الأغلبية وهو إطلاقا ما يحدث في دولة البروليتاريا فهي سلطة تمثل الأغلبية الساحقة أي "الديمقراطية الأتم"، على النقيض من دولة البرجوازية التي تمكن لسلطة الأقلية، إذن فديكتاتورية البروليتاريا لا تتناقض مع الديمقراطية التي ظلت تحرفها البرجوازية منذ سيادتها كطبقة. أما المؤسساتية فهي لا تعدو أن تكون خدعة فكل القواعد التي تحكمها وتنظم عملها موجهة ومفصلة على مصالح رأس المال.
وماذا تعني الديمقراطية اذا جردناها من أساسها وحاصرناها بالقوانين التي تجعلها ديمقراطية للقلة، تكرس الثروة في يد شرزمة من الأفراد وتضمن لهم النفوذ السياسي، وهي بذلك تُمسخ لتصبح ديكتاتورية للأقلية وحفنة من الأثريا المتسلطين. فقد سيطرت البرجوازية، في غضون سيطرتها الطبقية في دولة رأس المال، على الأنظمة السياسية، العدلية (على رأسها السلطة التشريعية)، الإعلام بكل أقسامه، والتعليم. تحول هذا النظام الموصوف زوراً بالديمقراطي إلى شمولية محضة تكرس لسلطة الأقلية الحاكمة. فالديمقراطية هي كغيرها من مفاهيم الدولة الحديثة ، قد زُوِرت وأصبحت لا تعني غير تكريس ورعاية مصالح البرجوازية مثلها مثل الحرية التي تعني في دولة رأس المال حرية التجارة والبيع والشراء وحركة رأس المال والحرية المطلقة في إستغلال الغير، والذين تنتفي حريتهم إطلاقاً لتعارضها مع مصالح رأسمال المال.
الإختلاف مع ديكتاتورية البروليتاريا يعتبر إتفاقاً مع مفاهيم البرجوازية الزائفة وهو ليس إلا تبني لمفهوم السلام الإجتماعي الممعن في الإنتهازية والنفاق السياسي، والذي تصدى له لينين وضحد حججه.
لا يزال أمام الشيوعيين نضال طويل للخلاص من أيدولوجية البرجوازية الصغيرة.